القدس المحتلة- وجه الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي انتقادات شديدة اللهجة إلى حكومات إسرائيل المتعاقبة، وحملها مسؤولية الكارثة الإنسانية التي يعيشها قطاع غزة منذ 17 عاما بفعل الحصار الذي تفرضه عليه إسرائيل، وحمّل حكومة بنيامين نتنياهو مسؤولية اندلاع الحرب وما يترتب عنها من نتائج كارثية على الفلسطينيين والإسرائيليين.
وفي مقال بصحيفة “هآرتس” تحت عنوان “لا يمكن سجن مليوني إنسان دون دفع ثمن باهظ”، يؤكد ليفي أن الغطرسة الإسرائيلية تقف وراء اندلاع الحرب على جبهة غزة والكارثة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون في القطاع.
وأوضح الكاتب أن “الغطرسة الإسرائيلية هي وراء كل الذي يحدث” وقال “نحن نفكر أنه مسموح لنا أن نفعل أي شيء، وأننا لن ندفع أبدا الثمن ولن نعاقب على أفعالنا، سنستمر في غطرستنا وأفعالنا دون توقف. سنعتقل ونقتل ونسيء المعاملة، ونسلب ممتلكات الفلسطينيين، ونحمي عصابات المستوطنين التي تنفذ الاعتداءات في الأراضي الفلسطينية”.
وصعد الكاتب الإسرائيلي من انتقاداته للمستوطنين الذي قال إنهم “تمادوا بالاعتداءات على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة بدعم وغطاء من حكومة نتنياهو وحراسة المؤسسة العسكرية، وأكد “يواصلون الصعود إلى ما يسمى جبل الهيكل (اقتحام المسجد الأقصى)، فقط خلال عيد العرش اقتحم أكثر من 5 آلاف مستوطن الأقصى”.
طرد وتهجير
ويواصل الكاتب الإسرائيلي انتقاداته للمستوطنين، ويقول “سوف نطلق النار على الأبرياء الفلسطينيين، ونقتلع العيون ونحطم الوجوه، ثم نطرد ونهجّر ونصادر ونسلب، ونختطف السكان من مرقدهم وأسرهم، ونقوم بالتطهير العرقي، وبالطبع سنواصل الحصار غير المعقول على غزة، ونقول كل شيء سيكون على ما يرام”.
ومع إحكام الحصار على قطاع غزة وسجن مليوني فلسطيني، يضيف ليفي “نقوم ببناء جدار هائل حول القطاع، والذي تبلغ تكلفته تحت الأرض وحدها 3 مليارات شيكل (900 مليون دولار)، وسنكون آمنين وسنعتمد على عباقرة وحدة الاستخبارات العسكرية 8200 وعملاء الشاباك الذين يعرفون كل شيء، وسيحذروننا في الوقت المناسب”.
وفي إشارة إلى الدعم الذي يمنحه جيش الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين، كتب ليفي “سننقل نصف الجيش من غزة إلى حوارة في الضفة الغربية فقط لتأمين المسيرات الاستفزازية والممارسات الجنونية التي ينفذها تسفي سوكوت (عضو كنيست عن حزب عظمة يهودية) والمستوطنون، ونقول إن كل شيء سيكون على ما يرام سواء في حوارة أو بيت حانون (إيريز)”.
وأضاف “لقد اتضح أنه حتى الجدران والعوائق الأكثر تعقيدا وباهظة الثمن في العالم، يمكن اختراقها بسهولة نسبيا بواسطة جرافة بسيطة يتصاعد منها الدخان، عندما يكون هناك دافع كبير ومعنويات للقيام بذلك. هنا، يمكنك عبور هذه العقبة المتغطرسة على الدراجات الهوائية والسكوترات، رغم كل المليارات التي تدفقت عليها وثراء كل الخبراء والمقاولين المشهورين الذين قاموا ببناء الجدران مع غزة”.
غطرسة إسرائيلية
واستطرد في مقاله “اعتقدنا أننا سنواصل مضايقة غزة، ونرمي عليها هنا وهناك بعض الفتات على شكل بضعة آلاف من تصاريح العمل في إسرائيل، وهي قطرة في محيط، وهي أيضا مشروطة دائما بالسلوك السليم، وما زلنا نحاصر غزة، ونتعامل معها كسجن”.
وفي استعراضه للغطرسة الإسرائيلية، قال الكاتب الإسرائيلي “سوف نصنع السلام مع السعودية والإمارات، وسيتم نسيان الفلسطينيين من القلب، حتى يتم محوهم كما يرغب عدد غير قليل من الإسرائيليين. سنستمر في احتجاز آلاف الأسرى الفلسطينيين، بينهم سجناء دون محاكمة، وأغلبهم سجناء سياسيون، ولن نوافق على مناقشة إطلاق سراحهم حتى بعد عقود من السجن”.
ويضيف “وسنقول للفلسطينيين إن أسراهم لن يحصلوا على الحرية إلا بالقوة. لقد ظننا أننا سنستمر بالغطرسة في صد وإحباط أي محاولة للحل السياسي، فقط لأنه لا يليق بنا أن نتعامل مع أي تسوية، ومن المؤكد أن كل شيء سيستمر على هذا النحو إلى الأبد”.
ويتابع “مرة أخرى ثبت أن هذا ليس هو الحال، لقد اخترق عدة مئات من المسلحين الفلسطينيين السياج، وغزوا إسرائيل بطريقة لم يتخيلها أي إسرائيلي. لقد أثبت بضع مئات من المقاتلين الفلسطينيين أنه من المستحيل سجن مليوني إنسان إلى الأبد، دون أن يتم دفع ثمن باهظ”.
مشاهد غير مسبوقة
ويؤكد “وكما هدمت الجرافة الفلسطينية البالية التي تصاعدت منها أعمدة الدخان، السياج والجدار وهو الأكثر تطورا بين كل الأسوار والجدران، فقد مزقت الجرافة أيضا عباءة الغطرسة والرضا عن الذات الإسرائيلية. كما أنها مزقت فكرة أنه يكفي من أجل الحفاظ على الأمن للإسرائيليين مهاجمة غزة بين الحين والآخر وقصفها بالطائرات المسيرة الانتحارية، وبيع المسيرات بعد ذلك إلى نصف العالم”.
ومع بدء عملية “طوفان الأقصى”، يقول ليفي “شاهدت إسرائيل صورا لم ترها من قبل، سيارات عسكرية فلسطينية تقوم بدوريات في البلدات الإسرائيلية، وقائدي دراجات من غزة يدخلون بواباتها. هذه الصور يجب أن تمزق حجاب الغطرسة. قرر الفلسطينيون في غزة أنهم على استعداد لدفع أي شيء مقابل الحصول على لمحة من الحرية. فهل تتعلم إسرائيل الدرس وتستخلص العبر؟ لا”.
وأضاف، “مع بدء الهجوم المفاجئ لحماس، كانوا يتحدثون عن محو أحياء بأكملها في غزة وعن احتلال قطاع غزة ومعاقبتها وكأنه لم تتم معاقبتها من قبل، فإسرائيل لم تتوقف ولو للحظة واحدة عن معاقبة غزة منذ عام 1948(النكبة)”.
وتابع، “75 عاما من الانتهاك بحق غزة، والأسوأ ينتظرها من جديد. إن التهديدات بتدمير غزة ومحوها تثبت أمرا واحدا فقط، أننا لم نتعلم شيئا. إن الغطرسة موجودة لتبقى، حتى بعد أن دفعت إسرائيل مرة أخرى ثمنا باهظا”.
وخلص الكاتب الإسرائيلي بالقول إن “نتنياهو يتحمل مسؤولية كبيرة جدا عما حدث، وعليه أن يدفع الثمن، لكن الأمر لم يبدأ معه، ولن ينتهي بعد رحيله. وعلينا الآن أن نبكي بمرارة على الضحايا الإسرائيليين. ولكن علينا أيضا أن نبكي على غزة التي معظم سكانها لاجئون؛ بسبب ممارسات إسرائيل وأفعالها، غزة التي لم تعرف يوما واحدا من الحرية”.