روز الخالدة.. رحلة كيت وينسلت من التنمر إلى المجد

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 11 دقيقة للقراءة

لم تكتفِ الممثلة البريطانية كيت وينسلت ببطولة مسلسل “وداعا يونيو”، الذي بدأ تصويره الأسبوع الماضي، بل تخوض أيضا تجربة الإخراج، حيث تتولى بنفسها قيادة العمل الذي كتبه جو أندرس. وتدور أحداث المسلسل في إنجلترا حول أشقاء يجتمعون مجددا بعد فراق طويل، وسط ظروف مفاجئة وصعبة.

بهذه الخطوة، تقتحم وينسلت عالم الإخراج بعد 28 عاما من تألقها في فيلم “تايتانيك”، الذي تجاوز كل التوقعات وكرّس نجوميتها عالميا وهي في الـ22 من عمرها. ورغم مرور السنوات، لا تزال صورة الفتاة الجميلة “روز” محفورة في أذهان عشاق الفيلم.

وجسدت كيت وينسلت شخصية روز بحيوية وحساسية مؤثرة، مما جعلها فتاة أحلام أجيال كاملة، وأعاد “تايتانيك” بفضلها وهج الرومانسية التي كانت قد تلاشت في أواخر القرن الـ20.

وفي أحد أكثر المشاهد أيقونية، تعكس نظراتها حبا عميقا، بينما تتشبث بالحياة وسط المياه الجليدية في المحيط الأطلسي، في حين يطمئنها جاك مؤكدا لها أنها ستعيش حتى تشيخ. ثم يخيم الصمت فجأة على المشهد، حيث يستسلم جاك لانخفاض حرارة جسده، بينما تظل عيناه مغمورتين بحب لا حدود له. تحاول روز إيقاظه، يائسة من تقبل الحقيقة، فتهمس باسمه، ثم تهزه مرارا، لكنه لا يستجيب. وبينما تصرخ “لن أتركه أبدا”، ينزلق جسده ببطء نحو أعماق المحيط، تاركا خلفه قصة حب خلدها الزمن.

كان نجاح كيت وينسلت مفاجئا لها، وجاءت الشهرة كما لو كانت موجة عاتية من المحيط، لتمنحها القليل من السعادة، والكثير جدا من البؤس والشقاء، إذ بدأت رحلة الصحافة للتفتيش في أدق تفاصيلها الشخصية والحياتية. وواجهت النجمة الصاعدة انتقادات تتعلق بكونها لا تملك المقاييس الجسدية للنجمات، وأن عليها أن تخفي أجزاء من جسدها بسبب زيادة وزنها، لكنها لم تستسلم، وقادت اتجاها يدعو إلى تصوير الحقائق وليس تزييفها.

ويصل رصيد كيت وينسلت إلى 34 جائزة، بينها أوسكار أفضل ممثلة عن فيلم “القارئ” 2009 (The Reader) وجائزة الغولدن غلوب عن فيلم “الطريق الثوري” 2008 (Revolutionary Road).

عائلة فنية فقيرة

ولدت كيت إليزابيث وينسلت عام 1975 في ريدينغ بإنجلترا، لعائلة فنية، حيث كان والدها، روجر وينسلت، ممثلا صغيرا، عمل في كثير من المهن لرعاية أسرته، بينما عملت والدتها، سالي بريدغز وينسلت، مربية ونادلة، لكن التمثيل كان في دمها لأن أجدادها كانوا يديرون فرقة مسرحية، وكان عمها ممثلا مسرحيا مشهورا. ورغم العمل بمجال الفن، واجهت عائلة وينسلت صعوبات مالية، وعاشت حياة متواضعة، ولكن حياة الكفاف هذه لم تمنع كيت من متابعة شغفها بالتمثيل، بل غرست فيها شعورا بالعزيمة والمرونة اللذين سيعززان مسيرتها المهنية لاحقا.

نشأت وينسلت مع شقيقتيها آنا وبيث وشقيقها الأصغر غوس، واتجهت الفتيات الثلاثة إلى التمثيل، لكن الشهرة كانت من نصيب كيت، التي التحقت بمدرسة ابتدائية في ريدينغ، واشتهرت بحبها للدراما ورواية القصص، وأظهرت موهبة طبيعية في الأداء، وكانت تقدم مسرحيات صغيرة في المنزل مع شقيقاتها.

وبدأت دراسة الفن في سن مبكرة، حيث قبلت في مدرسة تابعة لمؤسسة متخصصة في الدراما وفنون الأداء. ولم توفر لها المدرسة تدريبا رسميا على التمثيل فقط، بل أعطتها أيضا فرصا للمشاركة في العروض.

ولم تكن سنوات الدراسة خالية من الصراعات، فقد واجهت وينسلت التنمر بسبب وزنها، مما ترك تأثيرا دائما على احترامها لذاتها، ورغم المضايقات، ظلت تركز على أحلامها، رافضة السماح للتنمر والسخافات بإعاقتها، بل استخدمتها كدافع للمزيد من الاجتهاد. واتخذت كيت وينسلت قرارا جريئا في عمر الـ16، إذ رأت أنها اكتفت من الدراسة وقررت التفرغ تماما للتمثيل، وحصلت على أدوارها في المسلسل البريطاني “موسم الظلام” 1991 (Dark Season)، والذي يمثل بداية رحلة ستقودها في النهاية إلى هوليود.

ورغم الخبرة التي اكتسبتها في طفولتها، فإن رحلة النجاح لم تكن سهلة، فقد واجهت الرفض كثيرا، وهو ما دفعها للعمل في محل بقالة لإعالة نفسها في البداية، وابتسم الحظ لها مرة أخرى عام 1994، حيث أثمرت مثابرتها عن الحصول على دور في فيلم “المخلوقات السماوية” (Heavenly Creatures)، وجسدت خلاله دور جولييت هولم، الفتاة المراهقة المتورطة في قضية قتل حقيقية.

وحظي أداء وينسلت بثناء نقدي واسع، حيث أظهر قدرتها على تحمل أدوار عاطفية مكثفة ومعقدة. ووضع هذا الدور كيت وينسلت على طريق فرص أعظم، وسرعان ما حصلت على دور ماريان داشوود في فيلم “العقل والعاطفة” 1995 (Sense and Sensibility)، بطولة إيما طومسون وهيو غرانت، وحقق الفيلم نجاحا كبيرا، وحصلت وينسلت عنه على أول ترشيح لجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة مساعدة في الـ20.

وفي نهاية مرحلة المراهقة، كانت “روز” قد تركت بصمة كبيرة في عالم التمثيل. ومهدت من خلال العمل الجاد الطريق للحظة حاسمة في حياتها المهنية وهي دورها في “تايتانيك” (Titanic)، والذي حولها إلى نجمة عالمية.

الطريق إلى قلب المحيط

استمرت وينسلت في مسيرتها في الدراما التاريخية، حيث لعبت دور البطولة في فيلم “جود” 1996 (Jude)، وهو فيلم مقتبس عن رواية توماس هاردي “جود الغامض”، وفيلم “هاملت”، حيث لعبت دور أوفيليا.

وبينما نالت هذه العروض المبكرة ثناء النقاد، كان فيلمها التالي هو الذي غيّر حياتها إلى الأبد وهو “تايتانيك” للمخرج جيمس كاميرون. وقد دفع اختيار وينسلت لدور “روز ديويت بوكاتر”، المرأة الشابة المستقلة المتمردة التي تقع في حب جاك داوسون الذي يجسده ليوناردو دي كابريو، إلى النجومية العالمية. وعلى عكس العديد من الممثلات اللاتي ربما ترددن في تولي مثل هذا الدور، قاتلت وينسلت بشدة من أجل الحصول عليه. وأصبح الفيلم ظاهرة ثقافية، حيث حقق أكثر من ملياري دولار في جميع أنحاء العالم وحصلت على ثاني ترشيح لجائزة الأوسكار عنه.

وقد أثبتت اختيارات وينسلت السينمائية المبكرة أنها ممثلة لا تخشى الأدوار المعقدة والأداء العاطفي المكثف، وكانت بداياتها في مجال السينما مزيجا من المخاطرة والتفاني وغريزة سرد القصص القوية، مما ميزها عن أقرانها وضمن إرثها الدائم في السينما.

وكان دور كيت وينسلت في دور “روز ديويت بوكاتر” في “تايتانيك” لحظة فارقة في حياتها المهنية، حيث قفزت من ممثلة جيدة إلى نجمة عالمية، وأصبح الفيلم، الذي أخرجه جيمس كاميرون، أحد أكثر الأفلام شهرة ونجاحا في تاريخ السينما، حيث حقق أكثر من ملياري دولار على مستوى العالم، وفاز بـ11 جائزة أوسكار. وظل أداء وينسلت لدور الأرستقراطية الشابة المستقلة المتمردة التي تقع في حب جاك داوسون (ليوناردو دي كابريو) غير قابل للنسيان. ولم تكن وينسلت هي الاختيار الأول لدور روز، فقد سبقتها كل من كلير دينيس وجوينيث بالترو، ولكن وينسلت، التي كانت تبلغ من العمر آنذاك 21 عاما فقط، كانت عازمة على لعب دور روز.

وإدراكا منها لعمق الشخصية وتعقيدها العاطفي، فقد دافعت بإصرار عن الدور، حتى إنها اتصلت بجيمس كاميرون مباشرة لإقناعه بأنها الخيار الصحيح. وقد أتى تفانيها بثماره، وتم اختيارها إلى جانب ليوناردو دي كابريو، لتشكل بذلك أحد أكثر الثنائيات شهرة على الشاشة في التاريخ.

وكان أداء كيت وينسلت لدور روز ملهما وآسرا للقلوب، حتى إن أغلب مراهقي وشباب التسعينيات وبداية الألفية توحدوا حول حلم العيش في قصة شبيهة، وخاصة بعد مشاهدة المشهد الآسر الذي تقف خلاله روز على مقدمة السفينة، وذراعاها ممدودتان، بينما يقف خلفها جاك، ويهمس، “أنا أطير”، كما كانت لحظة الوداع المفجعة التي ضحى فيها جاك بنفسه في المياه المتجمدة، مع وعد روز، “لن أتركه أبدا” نموذجا للقدرة على نقل المشاعر العميقة.

ولم تحقق كيت وينسلت نجاحا في أدائها كممثلة فقط، من خلال الدور، وإنما ارتبط الجمهور بها بشكل عاطفي، ومع تحول الفيلم إلى واحد من أعظم كلاسيكيات السينما العالمية، تربعت النجمة الجميلة في قلب الجمهور.

وتكمن المفارقة الغريبة أنه رغم كل ذلك النجاح، كانت كيت وينسلت التي أصبحت أشهر وجوه هوليود منزعجة بشدة بعد التركيز الإعلامي عليها، حتى إنها ابتعدت عمدا عن الإنتاجات الضخمة، واتجهت إلى الأفلام المستقلة والأدوار المعقدة في أفلام “أشعة الشمس الأبدية للعقل الطاهر” 2004، وأطفال صغار” 2006، و”القارئ” 2008، والذي فازت عنه بأول جائزة أوسكار. وقد أثبتت أنها لم تكن مجرد نجمة أفلام ناجحة، بل ممثلة جادة ومجتهدة.

LOS ANGELES, CALIFORNIA - NOVEMBER 17: Kate Winslet seen at "Lee" Special Screening at Private Residence on November 17, 2024 in Los Angeles, California. (Photo by Stewart Cook/Roadside Attractions via Getty Images)

روز وجاك.. صداقة بريئة

تقول كيت وينسلت في لقاء تليفزيوني عام 2016 “لقد تركت فيلم “تايتانيك” وفي جعبتي واحدة من أعظم الصداقات في حياتي، وهي ليوناردو دي كابريو، نحن قريبان جدا، جدا، وأحيانا نقتبس سطرا غريبا من الفيلم أثناء حديثنا، لأننا وحدنا من يستطيع ذلك، ونجد الأمر مضحكا حقا”. وقد بدأت صداقة كيت وينسلت وليوناردو دي كابريو في عام 1996 أثناء تصوير فيلم تايتانيك، حيث نشأت بينهما رابطة عميقة خارج الشاشة استمرت لعقود من الزمن، وعلى مر السنين، تحدث الممثلان بحب عن علاقتهما.

في فيلم قصير عام 2023 بعنوان تايتانيك: قصص من القلب، تحدثت روز عن علاقتها بجاك، وأكدت على دعمهما الثابت لبعضهما البعض. وأشارت إلى أنه على الرغم من جداولهما المزدحمة، فإنهما دائما يعطيان الأولوية لمكالمات بعضهما البعض، قائلة: “إنها فورية. وهذا في الواقع شيء رائع حقا”. امتد تعاونهما إلى ما هو أبعد من تايتانيك عندما اجتمعا على الشاشة في فيلم” الطريق الثوري” (Revolutionary Road)، من إخراج زوج وينسلت آنذاك، سام مينديز.

كيت وينسلت أم لـ3 أطفال من 3 زيجات، كبرى أطفالها هي ميا هوني ثريبلتون من زواجها الأول من المخرج جيم ثريبلتون. وعلى خطى والدتها، سعت ميا إلى مهنة التمثيل، وظهرت في فيلم “ظلال” لعام 2020 (Shadows). وقد أعربت وينسلت عن فخرها بإنجازات ابنتها وتفانيها في هذه المهنة.

والطفل الثاني هو جو ألفي وينسلت مينديز ووالده هو زوجها الثاني المخرج سام مينديز، وأبدى جو اهتماما بالفنون، وفي لقاء تليفزيوني عام 2022، ذكرت وينسلت أن كلا من ميا وجو من محبي فيلمها “أشعة الشمس الأبدية للعقل الطاهر”، وغالبا ما يستمعون إلى الموسيقى التصويرية للفيلم. أما الابن الثالث فهو بير بليز وينسلت، فهو من زوجها الثالث، إدوارد آبل سميث.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *