المفكر المغربي حسن أوريد: الاستعباد الطوعي نتاجٌ للكبوات العربية

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 18 دقيقة للقراءة

في كتابه الجديد “إغراء الشعبوية في العالم العربي” الذي يحمل عنوانا فرعيا صارخا “الاستعباد الطوعي الجديد” يدق المؤرخ والأكاديمي والأديب المغربي حسن أوريد ناقوس الخطر.

ويحذر أوريد من الشعبوية والسلطوية كبديل يلوح في الأفق العربي بعد هجير الكبوات العربية العديدة من استنفاد السرديات الجامعة وتشوّه السياسة وكساد الاقتصاد وكبوة الثقافة.

اقرأ أيضا

list of 2 items

list 1 of 2

“رسالة إلى المنافقين في أوروبا”.. الفلسفة الغربية واختبار طوفان الأقصى

list 2 of 2

لماذا كُتبت “لا إله إلا الله” على دينار إنجليزي قبل ألف عام؟

end of list

ويعتبر المفكر المغربي أن السلطوية المتلفعة بلبوس شعبوي هي استعباد طوعي إذ تقود الجماهير نفسها إليه رغم أنفها. مشيرا إلى أن كل القوى التي استندت إلى حضارة، شقّت طريقها بعد إذ انعتقت من نير الاستعباد وإصر الإذلال، كما الصين والهند.

وحتى قوى هي نتاجٌ لقوّة دفع الحضارة الإسلامية، كما إيران وتركيا، فلماذا إذن تقدم غير العرب وتراجع العرب؟

ولد حسن أوريد، عام 1962 في المغرب، وشغل مناصب سياسية مهمة، حيث كان أول ناطق رسمي باسم القصر الملكي في عهد الملك محمد السادس، بالإضافة إلى توليه منصب والي جهة مكناس تافيلالت في 2005، وعين لاحقا مؤرخا للمملكة.

ويتميز المفكر المغربي بغزارة إنتاجه وكثرة تآليفه، إذ تتنوع أعماله بين الفكر السياسي، والرواية، والتاريخ. ومن أبرز مؤلفاته كتاب “رواء مكة” الذي يصفه بأنه سيرة ذاتية أقرب للرواية، يتناول فيها تجربته الروحية في مكة.

إعلان

وللكاتب عدة مؤلفات أخرى في السياسة، كالـ”الحديث والشجن” فقد عرض أوريد من خلاله تحليلات حول الوضع العربي والإسلامي، و”الإسلام السياسي في الميزان” الذي يناقش الحركات الإسلامية.

كما كتب روايات مثل “ربيع قرطبة” عن تاريخ الأندلس و”سيرة حمار”، فضلا عن تناوله قضايا حضارية من خلال “أفول الغرب” و”عذاب في عالم بلا معالم”.

وأهم ما يميز الكاتب المغربي حسن أوريد هو أسلوبه العميق في التحليل، إذ يتناول قضايا الهوية، والتاريخ، والسياسة، والثقافة في سياقي العالم العربي والإسلامي.

وفي حواره مع الجزيرة نت، سلّط المفكر المغربي حسن أوريد الضوء على التحديات الراهنة التي تواجه العالم العربي في سياق قضية النهضة والتقدم، والشعبوية، والتحولات السياسية.

وقد تناول بالحوار كتابه الأخير “إغراء الشعبوية في العالم العربي”، محاولا تحليل العوامل التاريخية والثقافية والسياسية والاقتصادية التي أسهمت في هذا الواقع.

كما يناقش أوريد أيضا أسئلة حول فشل محاولات الدمقرطة في الدول العربية، والبحث في الأسباب الجوهرية التي حالت دون نجاح هذه التجارب.

وإلى الحوار:

  • كتابكم الأخير يطرح سؤالا قديما متجددا: لماذا تقدم غير العرب وتأخر العرب؟ نود أن نسمع منكم عن كتابكم الجديد، خاصة أننا نشرنا أيضا عن مؤلفاتكم السابقة مثل “رواء مكة” و”أفول الغرب”

في الحقيقة، كما تفضلت، يتمحور الكتاب حول هذا السؤال، تماما كما سبق أن طرحه شكيب أرسلان حين تساءل: “لماذا تأخر المسلمون؟” فقد كان حديثه منصبا على المسلمين بالأساس، لكنني قمت بتحوير السؤال إلى: “لماذا تقدم غير العرب وتأخر العرب؟” مشيرا بذلك إلى أن التأخر لم يكن مقتصرا على المسلمين فقط، بل شمل العالم العربي والإسلامي عموما.

بعض الأطراف التي اشتركت تاريخيا وحضاريا تمكنت من شق طريقها، وهذا هو السؤال الذي حاولت إثارته في كتاب “إغراء الشعبوية في العالم العربي”، الذي جاء متمما لكتابي السابق عن الشعبوية، إذ كانت هذه الظاهرة مثيرة للاهتمام، وكان يعتقد أنها تشكل خطرا مهيمنا.

إعلان

والسؤال الذي طرحته هو: هل سيكون العالم العربي بمنأى عن موجة من الشعبوية؟ وما أشكال هذه الشعبوية؟ من هنا انطلق الكتاب، الذي عنونته “إغراء الشعبوية في العالم العربي”، مع عنوان فرعي هو “الاستعباد الطوعي الجديد”.

قد يكون هذا الكتاب، في بعض جوانبه، متجاوزا للراهن، إذ كتبته قبل أحداث طوفان الأقصى، وهو ما أدى إلى تغيرات على المستويين السياسي والثقافي، لكن مع ذلك، تظل هناك عناصر موضوعية قائمة.

بطبيعة الحال، نحن لا نكتفي بطرح إجابات، بل نطرح أسئلة أيضا، لأن العالم العربي لم تعد لديه اليوم سردية أو فكرة جامعة تحفزه على النهوض. فالقومية العربية انتهت، وهناك أزمة في خطاب الإسلام السياسي، فهل ستكون الشعبوية هي البديل في غياب بدائل أخرى؟

والحقيقة أن الشعبوية، في بعض تجاربها على الأقل، ليست سوى متحور عن السلطوية. غالبا، عندما نتحدث عن الشعبوية في العالم العربي، نجد أنها سلطوية في جوهرها، ويمكن القول إنها، في نهاية المطاف، مجرد شكل جديد من السلطوية يعتمد على استدعاء الشعب أو الزعم بالاستناد إلى الشرعية الشعبية، لكنه يقود في النهاية إلى تكريس السلطوية.

بطبيعة الحال، كانت النتيجة أن كل المحاولات والموجات الأولى للدمقرطة باءت بالفشل. الموجة الأولى، التي انطلقت بعد سقوط جدار برلين، لم تحقق نجاحا؛ إذ شهدت الجزائر واليمن والأردن، وإلى حد ما المغرب، حراكا ديمقراطيا، لكن هذه التجارب جميعها فشلت. ثم جاءت موجة ثانية إبان الربيع العربي، لكنها لم تكلل بالنجاح أيضا، وآخر تلك المحاولات كانت التجربة التونسية، التي نعرف جميعا مآلها.

إذن، هذا يطرح سؤالا جوهريا: لماذا فشلت هذه التجارب؟ لا يمكن أن يكون الأمر مجرد صدفة. الاكتفاء بوصف الواقع لا يكفي، وإلا سأكون خارج دائرة اهتمامي كباحث في العلوم السياسية. من هنا، كان لا بد من تحليل الأسباب واستنباط العوامل التي أدت إلى فشل الانتقال الديمقراطي في العالم العربي.

إعلان

يبدو لي، أولا، أن هناك قضايا سياسية معطلة، مثل عدم اكتمال العقد الاجتماعي، وعدم اكتمال بنية الدولة ذاتها. وهذا ما أشار إليه تقرير إيكونوميست عام 2014، الذي استند إلى دراسة أعدها الباحث المصري سامر سليمان حول مصر، حيث أشار إلى أن هناك نظاما قويا، لكن الدولة نفسها هشة وضعيفة.

ويمكن تعميم هذا الوصف على العالم العربي بشكل عام، حيث إن الدولة موجودة كأدوات وسلطات، لكنها نادرا ما تكون متكاملة كمؤسسات ذات فلسفة واضحة.

اقتصاديا، لا يزال الاقتصاد العربي ريعيا، إذ يرتبط تلازم السلطوية بالفساد وتغول الأوليغارشية (حكم الأقلية). أما ثقافيا، فبالرغم من تفشي الأمية وضعف التعليم في العالم العربي، تظل الثقافة قائمة ومحافظة، لكنها لم تندمج بشكل فعّال مع التحولات الاقتصادية. هذه قضايا بنيوية تقع ضمن مسؤولية المثقفين والمفكرين.

إلى جانب ذلك، هناك عوامل أخرى تحول دون بروز الشعب كفاعل في السياسة، مثل بنية الجيش والهيمنة العسكرية، التي لم تعد مجرد عنصر في المعادلة السياسية، بل أصبحت الفاعل المهيمن على جميع المجالات.

درستُ في هذا الكتاب الوضع في مصر والجزائر، وتطرقت، إلى حد ما، إلى الحالة السورية وما يتصل بها من أبعاد طائفية، إضافة إلى حالات أخرى من التفكك.

فالواقع أن العالم العربي انتقل من الطائفية المجتمعية إلى الطائفية المؤسسية. كانت الطائفية المؤسسية تتركز سابقا في لبنان، لكنها أصبحت واقعا في العراق بعد التغيرات التي طرأت هناك، لا سيما مع الدستور الذي تم تبنيه عام 2005.

كل هذه العوامل عرقلت ظهور الشعب كقوة سياسية فاعلة، وأدت إلى فشل محاولات التحول الديمقراطي. بطبيعة الحال، الديمقراطية لا تقتصر على الانتخابات فقط، بل تتطلب إصلاحات عميقة للمؤسسات السياسية.

وعلى الرغم من التطورات التي حدثت بعد أحداث طوفان الأقصى وما رافقها من تحولات عالمية، يظل هذا الكتاب وثيقة مهمة لفترة زمنية معينة، حيث يناقش قضايا لا تزال ذات صلة بالواقع العربي الراهن.

إعلان

  • يطرح الكتاب، إلى جانب بعض مقالاتكم، فكرة نهاية السرديات الكبرى أو الجامعة، سواء كانت يسارية أو يمينية. فهل ظاهرة “أفول السرديات الجامعة” تقتصر على العالم العربي أم أنها تمتد لتشمل العالم بأسره؟

هذه الظاهرة ليست خاصة بالعالم العربي، بل هي ظاهرة كونية. حتى السردية التي بزغت لفترة، وهي الليبرالية، تعيش اليوم أزمة، إذ لا يوجد بديل واضح عنها، أو ربما تمثل أفقا غير متجاوز، إذا استخدمنا التعبير الذي استعمله سارتر بشأن الماركسية، أو ما طرحه فوكوياما.

فالليبرالية تواجه أزمة حقيقية، سواء على المستوى الاقتصادي، حيث بدأت منذ أزمة 2008، أو على المستوى السياسي، إذ تعاني الديمقراطية من أزمة أخرى تعرف بـ”كساد الديمقراطية”.

كذلك، هناك فراغ سردي عالمي يؤثر على المشهد السياسي، إلى جانب ضعف ما يعرف بالوسائط التقليدية، فقد كانت السياسة في السابق شأنا تنظمه الأحزاب، والنقابات، والمجتمع المدني، لكن هذه الوسائط فقدت دورها وتأثيرها.

هناك أيضا عنصر آخر يجب أخذه في الاعتبار، وهو الثورة الرقمية وتأثيرها على الحياة السياسية. وقد تناولت دراسات غربية هذا الموضوع، من بينها دراسة فرنسية-تونسية للباحثة أسما مهنا، التي بحثت بشكل دقيق تأثير الثورة الرقمية على الواقع السياسي.

إذن، نحن نتحدث عن ظاهرة لا تقتصر على العالم العربي، بل هي جزء من التحولات التي يشهدها العالم ككل، وتؤثر عليه. ومع ذلك، هناك حاجة إلى دراسات متعمقة تركز على السياق العربي، لأنه يتميز بعوامل خاصة تجعل تأثير هذه التحولات مختلفا عن باقي أنحاء العالم.

  • في العالم العربي، نواجه ظاهرة يمكن تسميتها بـ”أفول المجال العام” أو تراجع المكان الثالث، في ظل ضعف النقابات، والعمل الأهلي، والمجتمع المدني. فهل لهذا التراجع تأثير مباشر على تصاعد ظاهرة الشعبوية؟

إعلان

في نهاية المطاف، الطبيعة تأبى الفراغ، وغياب السرديات الكبرى يخلق طلبا عليها. لذلك، نشهد نوعا من الإرهاق الجماهيري، ولنكن صرحاء، لم تعد الديمقراطية اليوم مطلبا شعبيا رئيسيا، فالجماهير باتت تبحث عن الأمن والخبز، وهما القضيتان الأساسيتان اللتان تشغلهما.

كما أشرت في الكتاب، نحن نعيش الآن في إطار عقد اجتماعي أقرب إلى المفهوم الهوبزي (نسبة إلى توماس هوبز، أحد فلاسفة العقد الاجتماعي)، حيث تلتفت الشعوب إلى من يضمن لها الأمن والاستقرار المعيشي، مما يجعل العقد الاجتماعي القائم يغلب فيه عنصر الأمن على غيره.

بالتالي، لم تعد الديمقراطية، في السياق العربي، تمثل مطلبا جماهيريا حقيقيا. ومن المؤكد أن تراجع ما أسميته المجال الثالث قد أسهم في هذا الواقع.

لا أريد الخوض في قضايا العالم العربي ككل أو الحديث عن دول لا أفقهها بدقة، لكن يمكنني التطرق إلى المغرب. في التسعينيات، شهدت البلاد فترة ذهبية لنشاط المجتمع المدني والأحزاب، حيث طرحت قضايا جوهرية تتعلق بالانتقال الديمقراطي، ووضع المرأة، والشأن الثقافي، وحقوق الإنسان. آنذاك، حمل المجتمع المدني هذه القضايا وطرحها بعمق.

أما اليوم، فيمكنني القول، بلا مجازفة، إن مجال النقاش في المغرب قد تقلص، أو على الأقل لم يعد بنفس الحدة والعمق اللذين شهدناهما في السابق. فالعالم تغير، ولم تفرز بعد الأدوات القادرة على حمل المشعل.

هذا التحول يعود إلى عدة عوامل، منها أفول السرديات الكبرى، وأزمة الهيئات الوسيطة، إضافة إلى تأثير الثورة الرقمية التي أعادت تشكيل الثقافة السياسية. هذه الظواهر جرت دراستها في الغرب بشكل مكثف، لكنها لم تحظ بنفس المستوى من البحث والتحليل في العالم العربي.

  • كيف ينعكس هذا الوضع على النقاشات؟ فعلى سبيل المثال، في المغرب، هناك نقاش دائر حول مدونة الأسرة، وهو النقاش السائد حاليًا، لكن يبدو أنه يتسم بشيء من الفوضى، مما يثير التساؤل حول كيفية تناول ومعالجة المشكلات داخل المجتمع؟

إعلان

طبعا، أحسنت بطرح السؤال حول هذه القضايا المصيرية، لأنها تتعلق بمصير المجتمع. فالأسرة ليست مجرد مسألة تقنية، ولا يمكن أن يناقش موضوع مدونة الأسرة بنفس الطريقة التي نناقش بها، على سبيل المثال، مدونة تجارية.

نحن نتحدث عن قضايا ترتبط باستمرارية المجتمع وقيمه. ويبدو لي، دون الخوض في التفاصيل، أن المقاربات المتبعة قد غلب عليها الطابع التقني، في حين أن الأسرة، كما عبرت عنها في صورة مجازية، أشبه ببيت متكامل، لا يمكن تجزئته إلى غرف منفصلة، بل ينبغي النظر إليه كوحدة متماسكة.

ومع ذلك، فإن النهج المتبع في النقاش قد ركز على جانب واحد، وانطلق في بعض الأحيان من سوء نية، بينما الأصل في بناء الأسرة هو حسن النية، حيث ينطلق الزوج والزوجة، الرجل والمرأة، في تأسيس عش مشترك بروح من التفاهم والتكامل.

ويبدو أن من عملوا على مشروع الإصلاح انطلقوا من معالجة أوضاع قائمة تتسم بما أسميته بـ”الفوضى”، فبقوا في إطار إصلاح بعض الأعطاب، دون تقديم رؤية شاملة.

لهذا السبب، قوبل المشروع بانتقادات واسعة من مختلف الفعاليات المجتمعية، إذ كان من المفترض أن يكون هناك حوار مسبق قبل طرح أي مسودة، لكن ما حدث هو العكس، حيث تم تقديم المسودة وكأن النقاش يأتي بعد التسليم.

آمل أن تتم مراجعة هذه المسودة، لأنها كما ذكرت غلبت عليها نظرة تجزيئية للأسرة، حيث تم التعامل معها باعتبارها مجرد علاقة بين زوج وزوجة وأبناء، بدلا من النظر إليها بوصفها كيانا مترابطا. هذا النهج عكس رؤية قاصرة، بل ربما متوجسة، تجاه الأسرة، وهو ما انعكس في مضمون المسودة المطروحة للنقاش.

ما نواجهه هنا يعكس مشكلة أوسع، مشابهة لما نراه في مجال التعليم. فنحن اليوم عالقون في دوامة إصلاح الإصلاح دون تحقيق تقدم حقيقي. وأعتقد أن هناك أزمة في فضاءات النقاش.

ففي الماضي، كانت الأحزاب السياسية، والمؤسسات المنتخبة كالبرلمان، والصحافة المكتوبة، تشكل ساحات للنقاش الجاد. أما اليوم، فقد تراجعت هذه الفضاءات، وحلت الثورة الرقمية محلها، لكنها لم تصبح فضاء للنقاش الهادئ، بل فضاء للصخب.

إعلان

ومع ذلك، يبقى من الضروري أن تخصص المجتمعات فضاءات للنقاش الهادئ والعميق، لأن ذلك هو السبيل الوحيد لاستشراف المستقبل وبناء رؤى إصلاحية مستدامة.

  • وفقا لما اقتبسته من الراحل سامر سليمان “نظام ضعيف ودولة قوية”، وفي سياق سؤال الاستقلال: هل ترى أن الوضعية الحالية في العالم العربي هي نتاج لغياب الاستقلال؟

أرى ذلك كما قلت في كتابي وفي مناسبات عدة، في “عالم بلا معالم” و”إغراء الشعبوية في العالم العربي”، أن العالم العربي يشكو من لعنة عدم الاستقلالية. بتعبير علمي، “التيرونلومي”، وهو يعني “اتيرو” الذي يشير إلى الآخر، و”نوموس” الذي يصوغ القاعدة. ولا بد لكي تكون فاعلا ومؤثرا أن تكون صاحب استقلالية، أي أن تكون “الأوتونوموس”، صاحب الرأي.

وأسباب عدم الاستقلالية عديدة، وهي تؤثر سلبا على العالم العربي. وتحليل “سامر سليمان” لا يزال يحتفظ براهنيته، ليس فقط فيما يخص طبيعة الأنظمة، ولكن أيضا تواري بعض الفاعلين السياسيين مثل النقابات، فقد تراجعت أدوارها في البرلمانات لصالح الأوليغارشيات.

أظن أن دور النقابات في جميع الحالات لم يكن سلبيا، لأنه كان ينبع من هاجس العدالة الاجتماعية، بينما الأوليغارشيات شيء آخر.

ليس فقط نقابات الاتحادات العملية والاتحادات الطلابية التي أسهمت في المجال العام، بل كل هؤلاء الفاعلين قد تواروا.

  • لاحظنا اهتمامكم بالفكر أكثر من الأدب حاليا، فهل تراجع قلمكم الأدبي لصالح الفكر؟

“رواء مكة” هي ربما سيرة ذاتية في قلب رواية، إذا كان ينبغي أن نستخدم هذا التعبير. هي مهمة لأنها شهادة ميلاد شخص جديد، صفحة جديدة من حياته. ولذلك، فإن هذا الاحتفاء والاهتمام ربما يكون مشابها لما يتم في العقيقة أو حفلة ميلاد.

لكنني عادة ما أكتب كتابا فكريا يعقبه كتاب أدبي، فكتبت بعض الأعمال، منها رواية “الموتشو”، والموتشو هو الفتى، وقد دارت حول قضايا مرتبطة بتلك الفترة مثل العلاقة مع إسرائيل، ويهود المغاربة، وقد قرئت مجتزأة لدى بعض الأطراف.

كلمة “الموتشو” هي كلمة إسبانية في الأساس، تستخدم في المغرب وفي الجزائر بمعان مختلفة في بعض مناطق المغرب من الشمال، بينما لا نستخدمها في الجنوب. الموتشو هو الفتى، وقد تستخدم أيضا في تعبيرات أخرى كناية عن شخص، كان صحفيا من رعيل الربيع العربي.

إعلان

وأخيرا، كتبت رواية “الباشادور”، وهي سيرة تقليدية لشخص من بنية السلطة المغربية في القرن الثامن عشر، وهو “أبو القاسم الزياني”. كان شاهدا على العصر، كما تقولون أنتم، لأنه عاش حرب القرم في الأستانة (إسطنبول).

وكذلك كان شاهدا على بداية الحركة الوهابية في الحجاز، وعاش في مصر قبيل حملة نابليون، وتحدث عن الجبرتي، وعرف مؤرخ حملة نابليون، وكان مؤرخا وأديبا، وكان كذلك سفيرا ووزيرا، فقد زاوج بين القلم والسيف، وفضل القلم في نهاية المطاف.

وعاش في الجزائر قبل إنزال الفرنسيين، وعاش التجارب التي عرفتها تلك المنطقة. وهو شخصية فريدة، وقد ضممتها في رواية سميتها بما كان يلقب به السفير “الباشادور”، أي “أمباسادور” باللغات الأوروبية.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *