طلاب وأطباء أزهريون يناقشون تعريب العلوم.. قفزة للأمام أم ردة للوراء؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 9 دقيقة للقراءة

القاهرةـ تجدد الجدل حول تعريب مقررات العلوم بالأزهر مع قرار مجلس جامعة الأزهر بدراسة تعريب المواد العلمية بقسم الطب النفسي بكلية الطب، باعتباره بداية لتعريب بقية مقررات كليات الطب.

وبدأ تدريس الطب في مصر باللغة العربية منذ تأسيس مدرسة الطب في أبي زعبل عام 1827، واستمر ذلك حتى نقلت المدرسة إلى القصر العيني عام 1837، حيث تمت مواصلة التدريس بالعربية. ومع الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882، فُرض التدريس باللغة الإنجليزية عام 1887.

وتعود المناقشات حول قضية التعريب لسنين عديدة مضت، وبرزت القضية بشكل كبير في أثناء صياغة دستور ما بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني في مجلس النواب الذي تمخضت عنه الثورة عام 2012، وتضمن مادة تنص على ضرورة تعريب العلوم بشكل عام في مؤسسات التعليم المصرية، وتم حذف هذه المادة بعد 2013 في التعديلات التي أُدخلت على مشروع دستور عام 2014.

وواجه قرار مجلس جامعة الأزهر انتقادات حادة من عدد من الجهات المعنية بالقطاع الطبي، منها شخصيات نقابية وكبار الأطباء، إضافة إلى أصوات معروفة بدعوتها لاستمرار اللغة الإنجليزية مادة للعلوم في التعليم.

اعتبر هؤلاء أن تعريب الطب يشكل ضربة قاضية لمهنة الطب في مصر، ويساهم في تراجع مستوى الطب المصري، ويخلق صعوبات في مواكبة المستجدات العلمية الحديثة.

من أبرز الرافضين للقرار عميد كلية طب جامعة الأزهر حسن أبو الغيط، الذي أعلن أنه لم تتم استشارته أو التشاور معه قبل إقراره.

وشدد أبو الغيط على صعوبة تدريس مقررات الطب باللغة العربية، خاصة أن أغلب المصطلحات العلمية طبية ذات أصول لاتينية، مما يجعل ترجمتها أمرا معقدا.

وأشار أبو الغيط إلى أن الخريجين المصريين يشاركون في مؤتمرات داخلية وخارجية تُعقد باللغة الإنجليزية، متسائلا في تصريحات صحفية: “كيف يمكن للطبيب تطوير نفسه والاطلاع على أحدث الأبحاث العلمية في ظل التعريب؟”.

أكد مسؤولون بمجلس جامعة الأزهر أن القرار لا يزال في مرحلة الدراسة، وأنه سيتم التريث في تنفيذه وإخضاعه لمزيد من المشاورات المعمقة.

تجارب الطب بالعربية

وكانت عدة بلدان عربية قد عرفت تجارب في تعريب الطب، منها سوريا والعراق والسودان، حيث دُرِّست المقررات الطبية باللغة العربية، غير أن هذه التجارب لم تحقق نجاحا ملموسا وفقا لمعارضي التعريب.

وليست تجربة تعريب العلوم جديدة على مستوى العالم، فقد نجحت ألمانيا، وفرنسا، واليابان، والدول الإسكندنافية في تدريس الطب بلغاتها الأم، مع امتلاكها مؤسسات بحثية قوية تدعم النشر العلمي بهذه اللغات. لكن في العالم العربي، حيث تعتمد معظم الأبحاث العلمية على المصادر الأجنبية، يظل نجاح التعريب مرهونا بمدى القدرة على توفير مراجع عربية حديثة وتعزيز الإنتاج العلمي باللغة العربية.

من جانبه، قدم أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر محمد المهدي لمحة تاريخية عن تجربة تعريب الطب داخل قسم الطب النفسي بالجامعة.

وأوضح أن هذه التجربة بدأت مع عودة الأكاديمي محمد شعلان، الذي كانت لديه رغبة في تدريس الطب النفسي بالعربية، وهو ما تحقق بالفعل.

وأضاف المهدي أن الدراسة داخل القسم كانت تُجرى بالعربية، وتم تسجيل عشرات رسائل الدكتوراه والماجستير باللغة العربية، بيد أن التجربة واجهت صعوبات جمة، منها:

المجهود المضاعف للطلاب: وكان يبذله الطلاب في أثناء إعداد الرسائل العلمية، حيث كانوا يضطرون إلى الرجوع للمصادر الأجنبية، ثم إعادة ترجمتها إلى العربية، مما ضاعف من الوقت والجهد المبذولين.

غياب التأثير البحثي

الرسائل العلمية المكتوبة باللغة العربية لم تجد صدى على مؤشرات البحث العالمية، وبالتالي، كان هذا الجهد العلمي يُبذل في الظل من دون أن يحقق قيمة مضافة تُذكر على المستوى الدولي.

  • صعوبة مناقشة الرسائل: واجهت الرسائل العلمية المكتوبة بالعربية تحديات، خاصة أن أغلب أعضاء هيئات التدريس في الجامعات الأخرى يدرسون الطب النفسي باللغة الإنجليزية، وكان هذا الوضع يُعقّد إمكانية استقدام مناقشين أكفاء من خارج جامعة الأزهر.
  • نظرة الطلاب السلبية: كان الطلاب ينظرون نظرة دونية إلى الرسائل العلمية والمؤلفات المكتوبة بالعربية، واعتبروها غير ملائمة للمجال الطبي، مشيرين إلى أنها تُناسب العلوم النظرية أكثر من العلوم التطبيقية.

عقبات

أكد المهدي في حديثه للجزيرة نت أن تعريب العلوم الطبية الآن يواجه صعوبات كبيرة، أبرزها:

  • ضعف الإنتاج العلمي باللغة العربية: فهناك نقص حاد في الإنتاج العلمي باللغة العربية، مما يجعل من الصعب تحقيق الاكتفاء الذاتي من المراجع العلمية الطبية.
  • فقدان التواصل مع التطور العالمي: تعريب الطب يُضعف تواصل الطلاب مع التطورات الطبية العالمية ويُعقد مشاركتهم في المؤتمرات الدولية التي تُعقد باللغة الإنجليزية.
  • الاعتماد على المراجع الأجنبية: ثمة حاجة ماسة للاعتماد على المراجع الأجنبية المكتوبة بالإنجليزية، مما يُشكل عقبة إضافية أمام التعريب.

بدوره، أعرب الطبيب إبراهيم الزيات، أستاذ جراحة التجميل بكلية طب القصر العيني ووكيل نقابة الأطباء المصريين، عن رفضه المطلق للقرار.

وأوضح أن مصر ليست منتجة للعلوم الطبية، بل متلقية لها، مشددا على أهمية تدريس الطب بلغة البلدان المنتجة لهذا العلم، وهي اللغة الإنجليزية.

واستشهد الزيات بتجربة سوريا في تعريب الطب، إذ إنها لم تحقق نجاحا يُذكر، مطالبا في حديثه للجزيرة نت بالمقارنة بين مستوى الأطباء السوريين ومستوى نظرائهم المصريين والسودانيين الذين يدرسون الطب باللغة الإنجليزية.

وأكد الزيات أن تعريب الطب سيؤدي إلى صعوبة الاستفادة من المراجع الطبية العالمية المكتوبة باللغة الإنجليزية، مما يمنع الأطباء من مواكبة التطورات الحديثة.

دفاع عن التعريب

في المقابل، دافع الأكاديمي المصري وعضو مجلس نقابة الأطباء السابق، أحمد حسين، عن فكرة تعريب الطب، واعتبرها خطوة إيجابية تعزز الإبداع والإنتاج العلمي باللغة الأم، وتسهم في توطين العلوم الحديثة في البلاد.

لكنه استدرك قائلا -في حديثه للجزيرة نت- إن نجاح هذا المشروع يحتاج إلى وقت طويل ودراسات معمقة، مع ضرورة تهيئة البنية التحتية اللازمة ودعم جهود الترجمة العلمية.

وأشار حسين إلى تجارب ناجحة لدول مثل السويد، والدانمارك، والنمسا، وألمانيا، وتركيا، واليابان، حيث تُدرَّس العلوم الطبية بلغاتها الأم، وقد حققت هذه الدول تقدما ملحوظا في المجال الطبي.

من جانبه، دعا استشاري العظام بوزارة الصحة المصرية الطبيب أحمد عمار إلى تبني موقف وسط بين المؤيدين والرافضين للتعريب.

وأكد أن التعريب، رغم أهميته، يجب أن يتم تدريجيا وعلى مراحل، خاصة في ظل صعوبات ترجمة المصطلحات الطبية اللاتينية إلى اللغة العربية.

وأوضح عمار أن بعض المصطلحات الطبية تثير جدلا حتى بين المتخصصين، ضاربا المثل في حديثه للجزيرة نت بإحدى العظام تُسمى “الزند” وأخرى تُعرف بـ”الثلث”.

ودعا إلى الحفاظ على توازن بين تدريس الطب باللغتين العربية والإنجليزية، لضمان قدرة الباحثين والخريجين على المشاركة في المؤتمرات واستكمال دراساتهم بالخارج، مع عدم الانقطاع عن التطورات العلمية العالمية.

آراء الطلاب

على صعيد الطلاب، تبنى عديدون ممن التقتهم الجزيرة نت موقفا متحفظا تجاه تعريب مقررات الطب، ورأت ميرفت عقل، الطالبة بالسنة الخامسة بكلية طب عين شمس، أهمية استمرار تدريس المقررات الطبية باللغة الإنجليزية، بوصفها نافذة أساسية لمواكبة التقدم الطبي المتسارع.

وأضافت أن التعريب في هذا التوقيت قد يُسهم في تراجع مستوى الطلاب والخريجين، ويعقد مهام النواب وطلاب الدراسات العليا في متابعة المستجدات العلمية.

وفي السياق نفسه، قال محمد عبد الهادي، الطالب بكلية طب قصر العيني، إن اللغة العربية، رغم أهميتها كوعاء حضاري للعالم الحديث وقدرتها على مواكبة التطور العلمي، فإنه من الأفضل حاليا الاستمرار في تدريس الطب باللغة الإنجليزية.

وعلّل ذلك بأنها توفر للخريجين فرصة لاستكمال دراساتهم بالخارج والمساهمة في قطاع البحوث والدراسات، مما يُمكنهم من الإسهام في تقدم المجال الطبي.

وأشار إلى أن التركيز على التعريب، رغم أهميته، قد يؤدي إلى تراجع مستوى الأطباء، خاصة في السنوات الأولى من تطبيق التعريب، إذا ما تم اعتماده.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *