“المقاومة بالقرى” نمط آخر من نضال الفلسطينيين ضد الاحتلال

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

لم يكن حدثا عابرا استهداف جندي إسرائيلي برتبة رقيب أول وقتله وجرح اثنين آخرين بينهم قائد كتيبة 8211 في بلدة طمون شمال الضفة الغربية، في الـ20 من الشهر الماضي، بعد أن فجَّرت المقاومة عبوة ناسفة برتل عسكري إسرائيلي اقتحم القرية.

لم تتوقف “مقاومة القرى” وخاصة بشمال الضفة الغربية عند المواجهة الشعبية في التصدي لاقتحامات الاحتلال، بل توسعت وتطورت في شكلها وأدوات نضالها خاصة بعد طوفان الأقصى.

وانتقلت المقاومة بقرى الضفة من أفراد ومجموعات إلى خلايا وكتائب منظمة ومسلحة، أثخنت جراح الاحتلال، بإعدادها الجيد وعددها الذي يزداد مع كل اغتيال واعتقال لعناصر فيها.

وتصدرت طمون قرب مدينة طوباس شمال الضفة الغربية مشهد المقاومة بكتائبها المختلفة، وقدَّمت منذ الحرب على غزة قبل 15 شهرا 29 شهيدا، منهم 10 استشهدوا دفعة واحدة قبل أيام، إضافة لعشرات الجرحى وأكثر من 200 معتقل يقبعون بسجون الاحتلال.

 

جانب تحطيم الاحتلال لصرح الشهداء في بلدة طمون (الجزيرة)

رد فعل

ويعتبر ناجح بني عودة رئيس مجلس بلدية طمون تشكل المقاومة في قريته كرد فعل على اقتحامات الاحتلال وسياساته التنكيلية ضد الفلسطينيين، واستخدامه أراضي طمون التي توصف بأنها “البوابة الشرقية” للأغوار الفلسطينية ومحافظة طوباس كممر، واحتكاكه المباشر مع الأهالي.

كما حرم الاحتلال المواطنين من أكثر من ثلثي أراضيهم المقدرة بنحو 93 ألف دونم (الدونم يساوي 1000 متر مربع)، وهجَّرهم منها بعد تحويلها لمناطق عسكرية ومناطق ومستوطنات زراعية وغير ذلك.

ويقول بني عودة، في حديث مع الجزيرة نت، إن المقاومة أمر طبيعي بحد ذاتها، وإن البوادي والقرى تتأثر كغيرها بالحالة الوطنية العامة للمخيمات والمدن الفلسطينية، وساعدها أكثر عمقها التاريخي بالنضال.

الأمر ذاته يؤكده ثامر سباعنة، الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، للجزيرة نت، موضحا أن ظلم الاحتلال وغطرسته ضد الشعب الفلسطيني وتراكم انتهاكاته للمقدسات سارع بانتشار هذه المقاومة، وأصبحت القرى تورث العمل المقاوم. إضافة لعامل التأثر والتأثير بين الأصحاب وخاصة الشهداء.

 

عاطف دغلس- المقاومة بالارياف ظهرت وبقوة مستمدة من قوتها من تجربة المخيمات المدن- الضفة الغربية- نابلس- الجزيرة نت1
المقاومة بالقرى تستمد قوتها من تجربة المخيمات بالمدن (الجزيرة)

نماذج منظمة

وظهرت نماذج مقاومة منظمة ومسلحة أيضا في بلدات فلسطينية كعزون شرق مدينة قلقيلية، وقباطية قرب جنين شمال الضفة الغربية، تعدى دورها حمل البنادق الخفيفة وإلقاء المتفجرات المحلية الصنع كـ”الأكواع”، إلى زرع عبوات ناسفة ضخمة أصابت وقتلت جنودا إسرائيليين وأعطبت آلياتهم العسكرية.

وكانت بلدة قباطية أقرب لمشهد “مقاومة القرى”، بل إنها تصدرته في السنوات القليلة الماضية، وظهرت فيها عناصر مسلحة، ضمن أطر مشكلة من فصائل مختلفة، وتميزت أكثر بإيوائها واحتضانها مقاومين من مناطق أخرى.

وحسب، ثامر سباعنة، تنامى هذا الشكل من المقاومة وتطور فعلا، مؤكدا أنه لن يندثر مهما حاول الاحتلال إنهاء وجوده أو محاصرته.

ويضيف سباعنة المنحدر من بلدة قباطية، للجزيرة نت، أن مقاومة القرى برزت أكثر بشمال الضفة بعد معركة سيف القدس عام 2021 وانتصاراتها.

وانتقلت المقاومة بالقرى من الأعمال الفردية إلى نمط جديد أكثر تنظيما ودقة باختيار الأهداف ودرجة عالية من اللامركزية، مستفيدة من تجربة كتيبة جنين وعرين الأسود بنابلس وغيرها، وهي لا تعبر بالوقت نفسه عن التشكيلات العسكرية المعتادة.

وفقدت قباطية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 نحو 40 شهيدا، وعديد الشهداء الذين ارتقوا داخلها من مناطق أخرى، واعتقل الاحتلال المئات منها ولا يزال يطارد عشرات المقاومين.

عاطف دغلس- مقاومة الارياف استمدت وجودها وانتشارها من ارثها التاريخي- صرح شهداء اغتالهم الاحتلال قبل أكثر من عقدين في طمون- الضفة الغربية- طوباس- بلدة طمون- الجزيرة نت4
صرح شهداء اغتالهم الاحتلال قبل أكثر من عقدين في طمون (الجزيرة)

عوامل داعمة

وثمة عوامل أخرى أوجدت هذه المقاومة وحافظت عليها أيضا حسب سباعنة، منها:

  • الإرث التاريخي والنضالي للقرى والفخر به.
  • جغرافية المكان وتضاريسه التي شكلت حصنا للمقاومين للاختباء والتخفي.
  • والحاضنة الاجتماعية بحكم العلاقات القوية والمتقاربة بين المقاومين.
  •  الإعلام وخاصة مواقع التواصل، التي لعبت أيضا دورا في إبراز “مقاومة القرى” وتصدرها كغيرها من المواقع الحالة النضالية الفلسطينية.
  • ضعف سيطرة السلطة الفلسطينية الأمنية على القرى، وهو عامل لا يقل أهمية حسب المحلل ذاته.

ويقول سباعنة إن قباطية ردت بأول عملية استشهادية على مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994، وشكلت منبعا لمجموعة الفهد الأسود المقاومة في ثمانينيات القرن الماضي.

وذهب سباعنة في تعليقه على تنامي “مقاومة القرى” إلى أن مشاهد انتصار المقاومة بغزة وتحرير الأسرى، وبالوقت نفسه مشاهد الاحتلال العسكرية بالضفة ستكون ملهمة للشباب المقاوم في القرى والمدن، وبالتالي رفع رصيد المقاومة عند الشباب الفلسطيني.

وبظل إمكانياته المتواضعة، بات الفلسطيني يدرك أن الحل يكمن في تمسكه بخيار المقاومة للبقاء بأرضه واستعادة حقوقه، فضلا عن روح التحدي الموجودة عند الشعب الفلسطيني، والتي يستغربها الاحتلال نفسه، حسب سباعنة.

 

طور جديد

من جهته، يرى نهاد أبو غوش المحلل السياسي أن المقاومة دخلت “طورا جديدا” لم يكن مثله قائما من قبل، يعبر عن نفسه من خلال مجموعات حلقية صغيرة العدد منتشرة بمعظم المناطق الفلسطينية، بدأت بشمال الضفة الغربية ومن ثم اتسعت لتتشكل بأغلب المناطق.

ويقول أبو غوش، للجزيرة نت، إن إسرائيل وبالرغم من سيطرتها الشاملة عسكريا وتقنيا على الضفة الغربية عجزت عن اجتثاث المقاومة وكسرها، فانتشرت بمظهر جديد وحالات فردية.

وذلك نابع من أن المقاومة “أمر وجداني” يعكس إرادة الشعب بصرف النظر عن إمكانياته المادية، وأن الفلسطينيين تجرعوا ولا يزالون اعتداءات الاحتلال واقتحاماته الموسومة بالاغتيال والاعتقال، وانتهاكات مقدساتهم، فأجج ذلك الرغبة لديهم بالرد عليه، بحسب تحليل أبو غوش.

كما أن هذه المقاومة تنامت عبر الأجيال التي تتبلور، وشقت لنفسها طريقها الخاص بالرد على الاحتلال، ولم يعد مقنعا لها المسار السياسي “الفاشل” عبر اتفاق أوسلو، ولا أي من أشكال العمل الأخرى التي كانت متاحة ولم تعد تُجدي أمام وحشية الاحتلال وجرائمه. يضيف المحلل.

وردا على سؤال ما إذا كانت “مقاومة القرى” مكتملة، قال أبو غوش إنه لا شيء يولد مكتملا، لكنه ينضج ويتطور بالتجربة والخبرة وتعلم الدروس.

 

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *