لماذا يعد فوز لوكاشينكو برئاسة بيلاروسيا انتصارا لموسكو وخسارة للغرب؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

موسكو- انتهت الانتخابات الرئاسية في بيلاروسيا بتحقيق الرئيس ألكسندر لوكاشينكو فوزه السابع على التوالي، بحصوله على 86.82% من الأصوات، مكرسا بذلك حضوره السياسي كأطول زعماء أوروبا في هذا المنصب، ومعززا في الوقت ذاته قوة أهم حليف لروسيا.

وبينما رفض الاتحاد الأوروبي نتائج الانتخابات في بيلاروسيا ووصفها بأنها “غير شرعية”، وهدد بفرض عقوبات جديدة، رد لوكاشينكو على اتهامه بتزوير الانتخابات بقوله إنه “لا يهمه، سواء اعترفت بلدان الاتحاد بنتائج الانتخابات أم لا”.

وفي تصريح لا يخلو من التهكم، قال لوكاشينكو إنه “لو أدليت بتصريح الآن بأنني لا أعترف بالانتخابات في الولايات المتحدة ولا أعترف بدونالد ترامب، فهل سيغير هذا أي شيء في أميركا؟ أو لو قلت إنني لا أعترف برئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، فماذا سيحدث في بريطانيا؟ لا شيء. لن يحدث نفس الشيء هنا في بيلاروسيا”.

وقالت كل من مفوضة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس ومفوضة التوسع بالاتحاد الأوروبي مارتا كوس، في بيان مشترك، إن “الانتخابات الصورية التي جرت اليوم في بيلاروسيا لم تكن حرة ولا نزيهة”، ودعتا الحكومة البيلاروسية إلى إطلاق سراح السجناء السياسيين، وقدرت عددهم بأكثر من ألف معتقل، بمن فيهم موظف في وفد الاتحاد الأوروبي بالعاصمة مينسك.

أما السكرتير الصحفي للرئيس الروسي ديمتري بيسكوف فاعتبر فوز لوكاشينكو “أكثر من مقنع”، مضيفا أن الكرملين واثق من شرعية الانتخابات الرئاسية وأن التصريحات في الغرب حول عدم الاعتراف بالانتخابات البيلاروسية متوقعة.

انقلاب السحر

اعتبر محلل الشؤون الدولية سيرغي بيرسانوف، في تعليق للجزيرة نت، أن نتائج الانتخابات البيلاروسية وفوز حليف روسيا الأقوى فيها أثبت أن الخيارات الغربية لانتزاع مينسك من “حضن” موسكو ليست بسيطة.

ويضيف أن الغرب كان يعتبر أنه إذا تمكن من الإطاحة بالنظام السياسي الحالي في بيلاروسيا، فإن روسيا ستكون الهدف التالي، وبالتالي فإن الاستقرار في بيلاروسيا من وجهة النظر الروسية يسهم إلى حد كبير كذلك في استقرارها.

ويتابع بأن موقع بيلاروسيا الإستراتيجي المحصور بين حلف شمال الأطلسي وروسيا، سيجعل من مينسك “مفتاحًا” لأي نقاشات بخصوص مستقبل الأمن الأوروبي، وهي ورقة مهمة تريد موسكو التمسك بها لوضع بصماتها على صياغة هذا المستقبل.

وحسب رأيه، فقد نتج عن السياسات الغربية ضد مينسك عبر سلاح الضغوط والعقوبات مفاعيل عكسية، فبدلًا من إبعادها عن موسكو أدت إلى تعزيز التعاون العسكري والتقني والاقتصادي، وإتمام خرائط الطريق لتعميق تكامل الاتحاد بين البلدين، وتموضع السلطات في البلاد بشكل كامل إلى جانب موسكو.

علاوة على ذلك، اتهم المتحدث الحكومات الغربية بأنها لم تتسامح مع مساعي لوكاشينكو للعب دور متوازن بين موسكو وبروكسل، لا سيما مع اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ولجأت إلى خيار “الثورات الملونة” لتطويعه، لكن النتيجة كانت أن بيلاروسيا أصبحت أكثر استفادة من الدعم الروسي، من توريد الطاقة الرخيصة إلى الاستثمار في الشركات البيلاروسية وغيرها من الامتيازات.

لوكاشينكو فاز بنسبة تجاوزت 86% من الأصوات (الفرنسية)

استقرار مشروط

من جانبه، يربط مدير مركز التنبؤات السياسية، دينيس كركودينوف، استقرار الأوضاع في بيلاروسيا ما بعد الانتخابات بالتطورات المحتملة على خط إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية.

ويقول إنه في حال التزم الرئيس الأميركي ترامب بتعهداته بإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا فإن العقوبات على بيلاروسيا والضغوط التي تمارس ضدها ستتراجع إلى حد كبير.

ويوضح في سياق الحديث أن أهمية بيلاروسيا لا ترجع إلى قوتها الاقتصادية أو عدد سكانها، بل إلى موقعها الإستراتيجي بين كتلتين متنافستين متعارضتين، الشيء الذي يفسر دخول هذا البلد في بؤرة اهتمام الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، لا سيما على ضوء دورها في الحرب الروسية الأوكرانية.

أما من وجهة نظر روسيا الإستراتيجية، فيرى كركودينوف أن بيلاروسيا تمثل منطقة عازلة أو موقعًا دفاعيا متقدما للأراضي الروسية، كما شهدت على ذلك تجربة الحرب العالمية الثانية، عندما هاجمت القوات الألمانية بيلاروسيا التي فقدت جزءا كبيرا من سكانها.

ويتابع بأنه “على الرغم من اختلاف الوضع السياسي الآن، فإن الحقيقة الجغرافية والإستراتيجية لا تزال دون تغيير، أو على الأقل مماثلة، فبالنسبة لموسكو، تعتبر العلاقة التحالفية مع مينسك أمرًا أساسيا، لأنها تمثل أيضا معقلا ضد أي ثورة ملونة ينظمها الغرب -وخاصة الولايات المتحدة- لتآكل الحاجز السياسي والإستراتيجي الروسي”.

ولذلك، فإن مفهوم العمق الإستراتيجي لروسيا يفترض أن تكون محاطة بسلسلة من الدول الحليفة أو الصديقة، أو على الأقل بدول محايدة أو غير معادية لحماية أمنها الإقليمي، فضلا عن الحصول على إمكانية توسيع نطاق نفوذها، حسب قوله.

ويشير إلى أن نجاح لوكاشينكو في الانتخابات يحافظ على دور بيلاروسيا بالنسبة لروسيا في كثير من النواحي العسكرية والسياسية، فهي تمثل ممرًا نحو الأراضي الروسية، والمعروفة باسم “بوابات سمولينسك” وهي حدود بطول 100 كيلومتر بين بولندا وليتوانيا، والتي تربط بيلاروسيا كذلك بجيب كالينينغراد الروسي.

أما على الصعيد السياسي، فيرى كركودينوف أن بيلاروسيا تعتبر بمثابة “نموذج مثالي” لإعادة التكامل التدريجي المحتمل بين روسيا والدول الأخرى، في منطقة ما بعد الاتحاد السوفياتي، وهو ما يفسر أنها باتت موضع اهتمام مكثف ومتزامن من جانب روسيا والغرب.

MINSK, BELARUS - NOVEMBER 23 (RUSSIA OUT) L-R: Belarussian President Alexander Lukashenko, Russian President Vladimir Putin and Tajik President Emomali Rakhmon enter the hall during the SCTO Summit on November 23, 2023, in Minsk, Belarus. Presidents of Russia, Belarus, Kazakhstan, Kyrgyzstan and Tajikistan gathered for the Collective Security Council Treaty Organization (SCTO) Summit in Minsk. (Photo by Contributor/Getty Images)
الرئيسان الروسي بوتين والبيلاروسي لوكاشينكو (يسار) تربطهما علاقة تحالف قوية ممتدة لسنوات (غيتي)

حقائق وأرقام

في السنوات التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي، وقّعت بيلاروسيا -تحت قيادة لوكاشينكو- وروسيا سلسلةً من الاتفاقيات نحو التكامل الاقتصادي والعسكري والسياسي، شملت معاهدة الاتحاد بين بيلاروسيا وروسيا عام 1997، تبعتها اتفاقية تشكيل دولة اتحادية بين البلدين عام 1999 لا تزال سارية حتى اليوم.

وتعد بيلاروسيا عضوًا في منظمة معاهدة الأمن الجماعي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، الذي أنشأته روسيا للرد على التحالفات العسكرية والاقتصادية في الغرب.

وتبلغ مساحة البلد الإجمالية 207 آلاف و600 كيلومتر مربع، أي حوالي 2% من إجمالي مساحة أوروبا، وهي الدولة الـ13 من حيث المساحة بين 44 دولة في أوروبا القارية، والدولة رقم 84 من حيث المساحة في العالم، تعادل مساحتها تقريبًا مساحة رومانيا وبريطانيا.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *