ذكر تقرير بصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية أن استفزازات المستوطنين الإسرائيليين المسلحين، غرضها تهجير الرعاة الفلسطينيين من قراهم، والاستيلاء على مساحات شاسعة من هذه الأراضي، وفق إستراتيجية جديدة للسيطرة على مناطق في الضفة الغربية.
وأعد التقرير كلّ من: باتريك كينغسلي، وهبة يزبك، وغابي سوبلمان، بعد أن زاروا القرى الفلسطينية المهجورة والمستوطنات الإسرائيلية، في المرتفعات الوسطى بالضفة الغربية المحتلة.
ووصفوا مشهد الحظائر المهجورة التي زاروها في الباقة، وهي قرية نائية في الضفة الغربية، وذكروا أن 54 من سكان القرية الفلسطينيين هدموا أكواخهم وابتعدوا بقطيعهم قليلا عن المنطقة، بعد أن أنشأ مجموعة من الرعاة الإسرائيليين المسلحين مزرعة منافسة بالقرب منهم، في شهر يونيو/حزيران الماضي.
وحسب تقرير الصحيفة الأميركية، فإن الفلسطينيين أكدوا أن ممارسات المستوطنين وترهيبهم المستمر، هو سبب قرارهم الابتعاد قليلا، حيث وصل بهم الأمر إلى اقتحام منازل السكان الفلسطينيين ليلا.
استفزاز وإرهاب
ونقل التقرير عن محمد مليحات، البالغ 59 عاما، وهو أحد زعماء القرية الذي نزل إلى واد على بعد 5 أميال قوله، “كانت مهمتهم أن يستفزونا، إنهم يريدون إخلاء المنطقة”. وأضاف “تخيل أن تغادر المكان الذي عشت فيه لمدة 40 عاما”.
وفي مقابلات أجراها المراسلون، روى فلسطينيون من 4 قرى كيف كان المستوطنون يدخلون إلى قراهم بشكل متكرر وهم يحملون الأسلحة، ويصرخون في وجوه السكان يشتمون ويهينون. وفي بعض القرى، حطم المستوطنون النوافذ وسرقوا الحيوانات وأدوات الزراعة.
وحسب نيويورك تايمز، اضطر الرعاة الفلسطينيون للرحيل -أيضا-؛ لأن العشب الذي كانت تأكل منه في السابق أغنامهم فقط، أصبح الآن شحيحا بسبب المستوطنين. كما أن الرعاة الإسرائيليين يمنعون الفلسطينيين من الوصول إلى الينابيع والبرك المائية، ما زاد الوضع تعقيدا بالنسبة للفلسطينيين.
ويُنشئ المستوطنون بؤرا استيطانية عشوائية بمستويات قياسية، بالقرب من القرى الفلسطينية غالبا، وفقا لتقييمات الأراضي التي أجرتها “كيرم ناڤوت”، وهي هيئة رقابية إسرائيلية مستقلة لمراقبة النشاط الاستيطاني. وتقول الهيئة، إنه أُنشئ ما لا يقل عن 20 موقعا استيطانيا جديدا منذ بداية العام الجاري.
وكشفت نيويورك تايمز عن أن هدف المستوطنين هو تقطيع مساحات واسعة من الأراضي، التي كانت القيادة الفلسطينية تأمل عند بدء عملية أوسلو للسلام قبل 30 عاما، أن تشكل العمود الفقري للدولة الفلسطينية المستقبلية.
وبحلول 2018، بدأت مجموعات صغيرة من المستوطنين في إقامة بؤر استيطانية رعوية بشكل ممنهج في مواقع نائية، إذ يبدؤون في التجول ومعهم عدة آلاف من الأغنام، ويحرصون على معاملة الرعاة الفلسطينيين الذين يعترضون طريقم بطريقة عنيفة.
نهج “جديد”
وقال زئيف هيفر، زعيم المستوطنين الذي قاد هذا النهج “الجديد”، في خطاب ألقاه في 2021، “سوف نتصرف كما لو كانت هذه الأرض هي آخر شيء نملكه في هذه الحياة. وستكون هذه هي الطريقة التي ستتعامل بها الدولة أيضا مع هذه الأرض”.
وفي بداية 2021، قدر هيفر أن إستراتيجيته ضاعفت نسبة الانتشار الجغرافي للمشروع الاستيطاني، بزيادة قدرها حوالي 40 ميلا مربعا في 3 سنوات تقريبا. ووفقا لتقديرات ناڤوت، تحتل أراضي الرعي في المزارع الآن 100 ميل مربع أخرى، لتصل النسبة إلى حوالي 6٪ من مساحة الضفة الغربية.
ومن جهة أخرى، قال شاؤول أرييلي، العقيد السابق في الجيش الإسرائيلي الذي شارك بشكل كبير في عملية أوسلو وعارض الجهود المبذولة لعرقلة السيادة الفلسطينية، “الهدف هو تعزيز الوجود اليهودي في المناطق الرئيسة في الضفة الغربية، لمنع إمكانية قيام الدولة الفلسطينية”.
ووفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ففي هذا العام تخلت 3 مجتمعات فلسطينية بأكملها -التي تضم نحو 370 فردا- عن مناطقها؛ بسبب الترهيب المتصاعد من المستوطنين الإسرائيليين المقيمين بالقرب منهم. وقال المكتب، إن أكثر من 700 فرد من مجتمعات أخرى فروا -كذلك- إلى مناطق أكثر أمانا منذ العام الماضي.
ومع أن وضع العديد من المجتمعات الفلسطينية في هذه القرى ليس مغريا؛ فإن هذه القرى تتمتع بموقع إستراتيجي، حيث إن سكانها حافظوا على الوجود الفلسطيني في مناطق واسعة من بقاع الضفة الغربية، التي جعلت بناء المستوطنات أمرا صعب التنفيذ في الأماكن ذات الأهمية الرئيسة.