مسلسل “موعد مع الماضي”.. لماذا تلجأ “نتفليكس” إلى التعريب لا الإنتاج الأصيل؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

ما إن يبدأ عرض مسلسل عربي جديد على “نتفليكس” حتى يحتل قائمة الأعلى مشاهدة في معظم الدول العربية، وهو أمر مفهوم تماما في ظل اشتراك شريحة كبيرة من متحدثي العربية بالمنصة واحتفائهم بما يمثل هويتهم وثقافتهم.

لكن هل تقدم “نتفليكس” بالفعل تمثيلا فنيا لهذه الهوية أم نسخا مدبلجة من أعمال أخرى؟

عُرض مسلسل “موعد مع الماضي” مؤخرا على “نتفليكس”، وهو من إخراج السدير مسعود، وبطولة كلٍّ من آسر ياسين، ومحمود حميدة، وشيرين رضا، وشريف سلامة، وصبا مبارك، وركين سعد، وتامر نبيل.

والعمل هو إعادة إنتاج لمسلسل إسباني بعنوان “من قتل سارة؟” (?Who Killed Sara)، وأتى هذا العرض على المنصة بعد عرض الحلقتين الأولى والثانية منه خلال فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي.

نسخة حديثة من الكونت دي مونت كريستو!

تدور أحداث المسلسل من خلال خطين زمنين، الأول عام 2007 نتعرف في أثنائه على مجموعة من الأصدقاء من أعمار متقاربة، خلال عطلة في إحدى المدن الساحلية حيث يقومون بالغطس في مياه البحر الأحمر، وبشكل مفاجئ تغرق إحداهن.

نتعرف سريعا على خارطة علاقات القوة التي تجمع هذه الصحبة، فأحدهم الشاب الثري علي (عبد الله أشرف/ شريف سلامة) والذي تجمعه علاقة عاطفية بالمتوفاة، نادية (هدى المفتي)، ووالده ياسين (محمود حميدة) الرجل الثري وذو النفوذ السياسي، بينما والدته سوسن (شيرين رضا) ولديه أختان أصغر منه عمرا، بينما على الجانب الآخر نجد يحيى (يوسف رأفت/ آسر ياسين).

وفي حبكة مكررة يضغط ياسين على يحيى حتى يتحمل مسؤولية حادث غرق أخته أمام القضاء مقابل مبلغ كبير من المال، ويتغير الوضع عندما تكشف النيابة خلال المحاكمة أن موت نادية ليس مجرد حادث غطس، بل قتل عمد لضرر تم إحداثه في أنبوب الغطس، فيصبح يحيى متهما في جناية، ويحكم عليه القاضي بـ15 عاما من السجن.

تنتقل الأحداث في المشاهد التالية إلى حاضر أبطال المسلسل في عام 2022، والذي يتزامن مع خروج يحيى من السجن، والمحمل بغضب شديد ونية انتقامية تجاه العائلة التي دمرت حياته، ويعتزم البحث عن القاتل المسؤول عن مقتل نادية، وبالفعل ينفذ خطة وضعها مسبقا، ولا يدخل عليها سوى تغيير واحد هو التعاون الذي يتم بينه وبين ليلى (خديجة أحمد/ ركين سعد) الابنة الصغرى لياسين التي كانت طفلة خلال زمن الحادثة.

كبرت الفتاة مع بقعة سوداء في ذاكرتها حول هذه الفترة، الأمر الذي يثير حيرتها ويدفعها نحو البحث عن الحقيقة حتى وإن أدت في النهاية لإيذاء أفراد أسرتها.

ويتابع المشاهد عبر 8 حلقات قصة من المفترض أن يسودها التشويق والإثارة، وإن اعتراها في الحقيقة الكثير من الملل والفتور والعيوب الفنية الأخرى.

تتمثل أهم مزايا المسلسل في اختيار الممثلين، حيث يقدم الشخصيات الرئيسية طاقمان من الممثلين، طاقم للخط الزمني 2022 وآخر للماضي، وقدم الممثلون الشباب أداء أفضل بشكل ملحوظ من الممثلين الأكبر عمرًا وخبرة، وذلك على الرغم من المساحة المحدودة التي حصلوا عليها في مشاهد الفلاش باك التي تهدف إلى كشف تفاصيل من الماضي تلقي الضوء على أحداث الحاضر.

تعريب أم تغريب؟

تقديم مسلسلات أو أفلام عربية على المنصات العالمية لا يعني بالضرورة أن تتشابه هذه الأعمال مع السائد على المنصات، بل إن العكس هو المفترض، كما لا يعني أن هذه الفرص المتاحة لأعمال من مناطق مختلفة من العالم تثري محتوى المنصة بتنوعها الثقافي.

غير أن ما يُلاحظ في عدد من الأعمال العربية المعروضة على منصة “نتفليكس” ميلها الواضح إلى التغريب، والتأثر الشديد بالأفلام والمسلسلات الأميركية على وجه الخصوص.

تنتمي قصة مسلسل “موعد مع الماضي” لثيمة “من فعلها؟” وهي ثيمة شائعة في أعمال الإثارة والتشويق، وفيها يسعى البطل ومن خلفه المشاهدون للبحث عن الفاعل في جريمة قتل بشكل أساسي، ويمزج العمل كذلك بين هذه الثيمة وجانب الانتقام الذي يحيل إلى مئات الأعمال الأدبية والفنية منذ رواية الكونت دي مونت كريستو وما بعدها، حول البطل الخارج من السجن لينتقم ممن أدخلوه ظلما.

هناك الكثير من الأعمال العربية التي قدمت هذه الثيمات، غير أن صناع مسلسل “موعد مع الماضي” أداروا ظهورهم لهذا التراث الفني وحولوا القصة البسيطة إلى نسخة مدبلجة من المسلسل الإسباني، بداية من الحوار المصطنع للغاية وحتى باقي عناصر المسلسل الفنية.

وعزز ذلك أسلوب الإخراج وحركة الكاميرا التي تهدف إلى إبهار المشاهد بالشاكلة التي تؤخذ بها الكادرات مع إهمال ما يحدث داخل هذه الكادرات.

فعلى سبيل المثال، نجد الكاميرا تلف حول الممثلين في زاوية 360 درجة، أو تقترب من وجههم بشكل بطيء، أو تأخذ لقطات لهذه الوجوه بشكل مقرب للغاية، وتضعهم داخل إطارات تبدو فنية مع استخدام الحركة البطيئة (Slow Motion) بشكل متكرر وبصورة لا تتناسب مع مسلسل إثارة وتشويق، كل ما سبق ظهر بشكل استعراضي لأنه لا يتصل بأي معنى حقيقي داخل سياق المسلسل، أو يخدم الدراما.

انعكس ذلك بالتأكيد على الأداء التمثيلي، والذي لا يقارن بأداء الممثلين أنفسهم في أعمال أخرى، وإن كان عبء ذلك لا يقع على هؤلاء الممثلين قدر توجيه المخرج، وقد جاء الأداء ليتسق مع أسلوب التصوير وكتابة السيناريو في جعل العمل يحاكي المسلسلات الإسبانية التي تعتمد على تقديم تفاصيل قليلة وبأسلوب شديد الدرامية في كل حلقة.

ينضم مسلسل “موعد مع الماضي” إلى أعمال “نتفليكس” الأخرى مثل “جن” و”مدرسة الروابي للبنات” و”البحث عن علا” -العربية اسما والغربية معنى- والتي تقدم مدنا تشبه مدننا وممثلين عربا من الصف الأول، ولكن دون مجهود حقيقي لتقديم مسلسلات عربية حقيقية تتناول قصصا من داخل المجتمع، وبالسمات الفنية للمسلسلات العربية، بيد أن ما نشاهده هو مسلسلات أميركية أبطالها يتحدثون العربية!

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *