خبير نفسي: ضحايا سجون الأسد قد يحملون معهم قوقعة من الخوف والاكتئاب ترافقهم دائما

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 11 دقيقة للقراءة

مع فرار الرئيس المخلوع بشار الأسد، تمكنت المعارضة المسلحة من تحرير ما يقدّر بأنه آلاف المعتقلين من سجون النظام السوري. وظهر العديد منهم في فيديوهات وهم في حالة صدمة، ومنهم من فقد الذاكرة ومنهم من أصبح عاجزا عن النطق.

وفي ظل ذلك تُطرح أسئلة حول أبرز الأمراض النفسية التي قد تظهر لدى ضحايا سجون الأسد، والعلاج النفسي اللازم للمعتقلين الخارجين من معتقلات الأسد، وما مدة العلاج التي يحتاجها هؤلاء الأشخاص؟ وهل يمكن التعافي من الظروف النفسية التي مر بها هؤلاء الضحايا؟

يقول الدكتور وليد سرحان، مستشار أول الطب النفسي إنه “لا بد أن يكون هناك خطة نفسية واضحة للتعامل مع المحررين من السجون في سوريا بعد نجاح الثورة”.

من جهته يقول رئيس جمعية الأطباء النفسيين الأردنية والاختصاصي الأول في الطب النفسي وعلاج الإدمان الدكتور علاء الفروخ، عن مدة العلاج التي يحتاجها ضحايا سجون نظام الأسد، إنه قد يستمر لأشهر، وفي بعض الحالات لسنوات.

وقال الدكتور عامر الغضبان الأخصائي النفسي والمرشد الأسري التربوي إن ما حدث مع سجناء النظام السوري هو أمر غير مسبوق، ولذلك لا توجد دراسات علمية بحثت في شيء مشابه، فالسجناء كانوا كأنهم مسجونون عند مافيا، وليس دولة.

ما حدث في سجون الأسد غير مسبوق

وأضاف الغضبان -في حوار خاص مع الجزيرة صحة- “لذلك ما يقال عن السجين أو ما يكتب من دراسات عن حالات السجناء وغير ذلك قد لا ينطبق تماما على هذه الشريحة (من كان في سجون الأسد). هذه الشريحة لها ظروف مختلفة. حالات الحرمان أشد. حالات الاستهداف أكثر شراسة. وبالتالي يمكن أن نتوقع أن تكون الاضطرابات الناتجة أكثر شدة”.

وتابع الغضبان مستدركا “مع ذلك هذا لا يعني أن هذا الإنسان سيخرج مريضا وعاجزا، ففي بعض الحالات فإن هذه الظروف الصعبة تستثير عند الشخص مزيدا من المقاومة وتحفز عندهم آليات جديدة للتكيف مع طروف السجن الصعبة”.

وقال الغضبان -الذي سبق له أن عالج ضحايا كانوا في سجون الأسد- إن هؤلاء الأشخاص تعرضوا لما تعرض له الآخرون من عمليات الحرب والمداهمة والهروب واللجوء وغير ذلك، ثم مروا بعملية الاعتقال -وهي صدمة كبيرة بذاتها- ضمن هذه الظروف وهذه الصراعات الشرسة، وفي سوريا كان كثير من المعتقلين يمر بعملية الاعتقال لفترات طويلة.

وتابع “أيضا عملية الإفراج المفاجئ بنفسها والعيش في ظروف أيضا جديدة هو شيء يشكل أيضا نوعا من الصدمة. هذا تحدّ وصدمة جديدة. ربما تشعر بأنه عبء جديد عليه؛ يريد أن يرجع مرة أخرى ليمارس حياته في مجتمعه”.

القوقعة

وقال الدكتور الغضبان “إنه لو أردنا أن ندخل أكثر في الأمراض التي توجد عند فئة من هؤلاء المعتقلين نتحدث عن الاكتئاب وهو سيطرة المشاعر السلبية والمزاج السلبي والتوقعات السلبية عن الحياة وعدم الثقة بأن الشخص قادر على الخروج من هذه المشاعر، وحتى لو خرج منها، تبقى المشاعر السلبية ترافقه”.

وتحدث الدكتور عن أن “حالة المسجون قد تنطبق عليها رواية “القوقعة”، والتي تحدثت عن السجناء السياسيين في سوريا، حيث إن المفرج عنه يحمل معه القوقعة، هو كالحلزون الذي يبقى ضمن قوقعته. ما ترسّب عليه في حالة السجن أصبح كالمحارة التي حوله ترافقه  في الخارج. هذه فكرة الرواية وهي قصة حقيقية تحدثت عن سجين كان في سجن تدمر في سوريا”.

وأضاف أن هناك سجناء يستطيعون التحرر من قوقعتهم. ولكن هذه الظاهرة يجب أن ننتبه لها.

الرعاية المطلوبة

قال الغضبان إن هناك الرعاية المختصة التي يقدمها الأطباء والتي يقدمها المختصّون النفسيون. كما أن هناك عمليات الدعم النفس والاجتماعي ويقدمها بعض المتطوعين، هذه العمليات ليست مهمة فقط للفرد، بل مهمة أيضا للمجتمع الذي يقدم الدعم، حتى يدرك المجتمع أنه أصبح قادرا على التعافي والنهوض من جديد.

وقال الغضبان “عمليات العلاج النفسي المتخصصة مهمة وعمليات الدعم مهمة لذلك نحتاج إلى جهود مكثفة وجهود مترابطة.. نحتاج مؤسسات إدارية تنسق حالة المريض الذي يكون موجودا بالمستشفى، وعندما يخرج يجب يكون موجودا عند أهل أو أصدقاء. هذا المريض يحتاج إلى المتابعة”.

وختم الغضبان بكلمة أخيرة يوجهها لمن كان له معتقل محرر من سجون الأسد: إنه “يجب علينا أن نفهمه قبل أن نطلب منه أن يفهمنا، يجب ألا نيأس من تعافي المرضى، ربما يتعافى بعض المرضى ببطء. وبعضهم يتعافى بسرعة ويشجعنا نحن أيضا على التعافي”.

ما أبرز الأمراض النفسية التي تصيب المعتقلين؟

سألنا رئيس جمعية الأطباء النفسيين الأردنية والاختصاصي الأول في الطب النفسي وعلاج الإدمان الدكتور علاء الفروخ، عن أبرز الأمراض النفسية التي تصيب المعتقلين، فقال إن المشاكل التي من الممكن أن يتعرض لها الأسرى المحررون من سجون الأسد والذين تعرضوا للسجن الطويل والتعذيب هي مشاكل نفسية كثيرة جدا.

وقال الفروخ -في تصريحات خاصة للجزيرة صحة- إنه يحدث لدى بعض الأشخاص شيء يسمى اضطراب كرب ما بعد الصدمة وهو نوع من القلق النفسي الذي يجعلهم على درجة عالية من التوتر والقلق والترقب والانتباه، ويتذكر المعتقلون لحظات التعذيب والصدمات التي عاشوها وكأنها تحدث الآن، يكون دائما لديهم شعور بالترقب. وتكون حواسهم وانتباههم دائما متيقظة وكأنه سيحصل شيء من مظاهر التعذيب التي حصلت لهم سابقا ويكون عندهم شيء من تذكر المواقف واستعادة الذكريات الصادمة باستمرار.

ويضيف الفروخ “كما قد يستعيدونها على شكل صور مرئية يشاهدونها بخيالهم أو أحيانا في الأحلام، ولذلك يكون عندهم صعوبة كبيرة في النوم، يكون عندهم أعراض التوتر وقلق دائم يصبح عندهم صعوبة في القدرة على التعامل بشكل طبيعي مع الناس لأنهم يشعرون بنوع من الانفصال عن المحيط تفقدهم القدرة على التواصل الاجتماعي الطبيعي، ويصبح عندهم نوع من التجنب لأي شيء ممكن أن يذكرهم بالحادث الصادم، فمثلا إذا رأوا مكانا يشبه السجن أو حتى وجدوا قضبانا مثلا بجانب بعضها تشبه قضبان السجن، أو أحيانا إذا شاهدوا شخصا يرتدي زيا عسكريا، فهذا يمكن أن يذكرهم بما مروا به”.

كما قد يصاب المعتقلون المحررون من سجون الأسد باضطرابات القلق العام والاكتئاب الشديد. وكذلك في بعض الحالات، ممكن أن يصبح لديهم نوع من الحالات الذهانية. ونقصد بالاضطرابات الذهانية الاضطرابات التي يكون الإنسان فيها منفصلا عن واقعه، يتوهم أشياء غير موجودة أو يصبح عنده هلاوس حسية.

ويشرح الفروخ “هؤلاء الأشخاص أحيانا يتوهمون المراقبة، أي يظنون أن هناك أشخاصا يريدون إيذاءهم، أو أن هناك أشخاصا يتبعونهم. وأحيانا يصبحون يسمعون أصواتا غير موجودة أو يرون خيالات غير موجودة. هذا نتيجة التعذيب الشديد، وخصوصا عند الناس الذين يكونون في الحبس الانفرادي لفترة طويلة دون أي تفاعل حسي مع الآخرين، فيصاب مثل هذا الشخص بالاضطراب الذهاني”.

ويقول الفروخ “طبعا، هناك اضطرابات نفسية أخرى ممكن تصيبهم، لكن هذه الثلاثة التي تم ذكرها، القلق العام، الاكتئاب الشديد، والاضطرابات الذهانية، تعد من أبرزها.”

وسألنا الدكتور الفروخ “كم يتوقع نسبة الأشخاص الذين سيصابون بأمراض نفسية بين معتقي سجون الأسد؟”، ليجيب “بناء على ما سمعنا في الأخبار عن حجم التعذيب في السجون، وللأسف، الغالبية من المعتقلين، أو يمكن القول كلهم تقريبا، تعرضوا لتعذيب شديد. أنا أتوقع أن غالبية الناس الذين خرجوا من السجون سيكون لديهم مشاكل نفسية ويحتاجون إلى تقييم نفسي دقيق”.

وقال الفروخ إن “العلاج الذي يجب تقديمه للمعتقلين المحررين يعتمد على حالاتهم، لأنه كما ذكرت، هناك اضطرابات نفسية مختلفة ومتفاوتة من شخص لآخر. ورغم أن حجم الأذى والتعذيب كان كبيرا لمعظم المعتقلين، فإنه من المنطقي أن يكون هناك مستويات مختلفة من التعذيب. ليس كل المعتقلين تعرضوا لنفس النوع من التعذيب، فذلك يعتمد على الوضع الذي كانوا فيه، نوع السجن، وطبيعة التهم الموجهة لهم”.

فقدان الذاكرة

وفي حوارنا مع الفروخ سألناه “شهدنا الكثير من الحالات لأشخاص خرجوا من سجون الأسد وهم فاقدون للذاكرة أو فاقدون للقدرة على النطق، هل يمكن عبر العلاج استعادة الذاكرة والقدرة على النطق؟”، ليجيب أنه “يحدث لبعض المعتقلين نوع من الاضطرابات النفسية المرتبطة بالتوتر والقلق الشديد، مثل فقدان الذاكرة النفسي. هذا يحدث نتيجة العذاب الشديد الذي يتعرضون له، وهو نوع من الوسائل الدفاعية النفسية”.

وأضاف الفروخ “كثير من البشر أحيانا يستخدمون وسائل دفاعية نفسية تعمل بشكل لا واع. هذه الوسائل تحدث داخل النفس ولها وظائف نفسية لحماية كيان الشخص من الانهيار. فقدان الذاكرة النفسي هو مثال على ذلك، حيث يصبح الشخص غير قادر على تحمل العذاب الشديد، فيساعده عقله على فقدان الذاكرة بشكل لا واع. هذه الحالة تسمى بالإنجليزية dissociative amnesia، (فقدان الذاكرة التفارقي)”.

وعن مدة العلاج التي يحتاجها هؤلاء الأشخاص قال الفروخ “أعتقد أن العلاج سيستمر لأشهر، وفي بعض الحالات، سيستمر لسنوات”.

وأضاف “بوجود تقنيات العلاج النفسي والعلاج السلوكي والعلاج المعرفي وحتى التحليل النفسي أحيانا، وفوائد بعض الأدوية، قد تشفى بعض الحالات بإذن الله، هناك أمل بالشفاء وعودة الشخص إلى طبيعته بإذن الله”.

العزلة

ويقول الدكتور وليد سرحان، مستشار أول الطب النفسي -في تصريحات خاصة للجزيرة صحة- “إن العزلة لسنوات طويلة في ظروف صعبة وفقدان الأمل في الخروج من السجن تجعل الإنسان يصل إلى مرحلة من فقدان التواصل والإدراك للواقع والوقت والزمان والمكان، وهذا يحتاج إلى أيام وقد يكون أسابيع أو شهورا لبعض الأشخاص ليخرجوا من العزلة بعد انتهائها الفعلي”.

ويضيف إن البقاء في السجن لفترات طويلة في ظروف صعبة والتعرض للتعذيب يؤدي للكثير من المشاكل النفسية التي ستكون ظاهرة على من يخرج من السجن. ولا بد من تقييم كل حالة على حدة ويصعب أن نعطي تشخيصا وعلاجا عاما لكل هؤلاء.

ويؤكد الدكتور سرحان أن التعامل مع المساجين الذين أفرج عنهم في سوريا يتطلب تعاونا من كل العاملين في الصحة النفسية داخل وخارج سوريا من أجل الوقوف على حاجاتهم ومشاكلهم والتعامل المهني معها بكل كفاءة وجدارة.

ويختم بالقول “أي سجين خرج من السجون السورية بعد سنوات طويلة من الناحية النفسية المسؤولية تقع على المختصين في الصحة النفسية وليس على الجمهور والمتطوعين لأن هذا عمل احترافي يتطلب خبرة ودراية كبيرة”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *