وزير الخارجية الأذري السابق للجزيرة نت: يريفان أخطأت في رهانها على موسكو

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 10 دقيقة للقراءة

موسكو- قال وزير الخارجية الأذربيجاني السابق توفيق ذو الفقاروف، إن أرمينيا بالغت في الرهان على تدخل روسي في الأزمة الأخيرة بقره باغ لأنها اعتادت على مدار 30 عاما تلقي دعم عسكري وسياسي ومالي من موسكو.

وكشف الوزير الأذربيجاني السابق في مقابلة خاصة مع الجزيرة نت، عن أن المقاربة الروسية للأوضاع في جنوب القوقاز بدأت تتغير منذ عدة سنوات، عندما لم تعد موسكو ترى في أرمينيا رأس حربتها المتقدمة في المنطقة.

وأوضح أنه إذا واصلت إيران تهديد باكو، فإن بلاده لن تتردد في طلب المساعدة من أصدقائها، ومنهم إسرائيل.

وحسب تصريحه، فإن التحالف العسكري التركي الأذربيجاني سيكون الأهم والحاسم في آسيا الوسطى وجنوب القوقاز، وإذا خرجت القواعد الروسية من أرمينيا، فإن الرابح سيكون الغرب، الذي يسعى منذ زمن طويل لإزاحة موسكو وإخراجها من المنطقة.

وفيما يلي النص الكامل للمقابلة:

تركيا وأذربيجان تربطهما مصالح إستراتيجية إلى جانب الروابط التاريخية والعرقية الراسخة بينهما (أسوشيتد برس)
  •  كيف قرأتم الموقف الروسي تجاه التطورات في إقليم قره باغ؟ وهل فوجئتم بما وصف بأنه تخلي روسيا عن أرمينيا في المواجهة الأخيرة وسيطرة أذربيجان على الإقليم؟

لم يشكل هذا الموقف أيّة مفاجأة بالنسبة لنا، دعني أقول إنه منذ سنوات بدأ عدد كبير من الخبراء الروس بوصف أرمينيا “بالحقيبة التي لا مقبض لها”، أي بتعبير آخر شيء لم يعد صالحا للاستخدام.

وقد ترافق ذلك بعملية إعادة قراءة للحقائق القائمة حاليا، ومفادها أن الروس أدركوا أنه يمكنهم ضمان أمنهم الإستراتيجي من خلال تعزيز العلاقات مع أذربيجان وتركيا وإيران، في حين “البيدق” الأرمني لم يعد له حاجة بالنسبة لهم.

بموازاة ذلك قطعت العلاقات التحالفية بين أذربيجان وتركيا شوطاً كبيراً إلى الأمام، وبات يُنظر إلى باكو كحليف عسكري قوي لأنقرة. وعليه، إذا كانت روسيا معنية في تعزيز العلاقات مع تركيا، فإن ذلك سيمر كذلك من خلال البوابة الأذربيجانية.

هنا تبدلت نظرة روسيا إلى جنوب القوقاز، وفي المقابل، بقيت السلطات الحاكمة في يريفان تحت تأثير أوهام الماضي بأنها تشكل رأس حربة موسكو في المنطقة، لكن حساباتها تبين أنها خاطئة، وحصل ما حصل، الآن اليد العليا في هذه المنطقة هي للتحالف العسكري بين أذربيجان وتركيا.

كما أن قول البعض بأن الحرب ضد أرمينيا كانت بطلب روسي لمعاقبة يريفان شيئا من الصعب الموافقة عليه، لأننا نرى كيف تبدلت الأوضاع في قره باغ، وأن قوات حفظ السلام الروسية لم تعد لازمة هناك، وعلى الأرجح ستغادر المنطقة.

في أرمينيا الانتقادات لا تتوقف ضد روسيا، وهناك احتمال بأن تغادر القواعد العسكرية الروسية الأراضي الأرمنية، وعندها يبرز السؤال: من سيكون الرابح من هذا التطور؟ نحن نرى أن الرابح هو الغرب، الذي يسعى منذ زمن طويل لإزاحة روسيا وإخراجها من المنطقة.

في نفس الوقت، موسكو ترى دورها في المنطقة ليس كما كان عليه الحال قبل 20 عاما، أي من خلال نشر قواعد عسكرية، بل عبر بناء علاقات متعددة الأوجه مع بلدان المنطقة، لا سيما مع تعاظم أهمية منطقة آسيا الوسطى بالنسبة للعالم، كما بدا ذلك جليًا في استقبال الصين لقادة بلدان هذه المنطقة قبل نحو شهرين، وأيضا لقاء الرئيس الأميركي جو بايدن معهم في مدينة نيويورك، والشيء ذاته قام به الاتحاد الأوروبي.

التوتر والمواجهة المتصاعدة بين الصين والولايات أصبحت واضحة الآن وأكثر من أي وقت مضى، وبالتالي فإن مواقف بلدان آسيا الوسطى كذلك أصبحت محط أهمية استثنائية، ومن غير الممكن أن يبني الغرب علاقاته مع بلدان هذه المنطقة دون بناء علاقات مع دول جنوب القوقاز، وعلى رأسها أذربيجان.

الآن، يمكن للمنظومة الغربية أن تتحرك في آسيا الوسطى بالاعتماد على تركيا، العضو في الناتو والشريك القديم للاتحاد الأوروبي في المنطقة، ومن شأن التحالف العسكري التركي الأذربيجاني أن يؤمّن الأسس السياسية واللوجستية وعنصر المواصلات للسياسات والتحركات الغربية في آسيا الوسطى.

  • ما الذي تضيفه التحولات الأخيرة في جنوب القوقاز إلى الدور التركي في منظومة العلاقات الجديدة التي بدأت تتشكل في جنوب القوقاز وآسيا الوسطى؟

من الضروري الإشارة في البداية إلى أن أرمينيا حاولت لعب الأداة التي سعت عدة دول لاستخدامها في ألاعيب جيوسياسية ضد تركيا.

ولكن، رغم أن تركيا عضو في الناتو وجزء مكون في التحالف الغربي، فإنها في الوقت نفسه ستكون مضطرة لإدارة سياسة مستقلة تجاه روسيا وإيران، وأنا على ثقة أنه في المستقبل القريب سيكون الشيء ذاته مع الصين.

وعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار أنه عندما نتحدث عن التحالف التركي الأذربيجاني، فإننا نعني أن وضعا وحقائق جديدة قد نشأت، فمنظمة الدول التركية (تضم الدول الناطقة بالتركية)، أغلبها من بلدان آسيا الوسطى، بالتالي، نحن أمام رابطة ومجموعة جيوسياسية جديدة ستحدد مسار الأوضاع ومستقبل الإقليم خلال العقود القادمة.

وأود أن ألفت الانتباه كذلك إلى أن العنصر التركي موجود أيضا على حدود هذه المنطقة، وهو موجود في إيران وأفغانستان، وفي روسيا نفسها، ومعنى ذلك أن هذا العامل سيتحول ليصبح واحدا من أهم عناصر العمليات السياسية في المستقبل.

  • لكن ما تعليقكم على التصريحات الإيرانية الأخيرة، والتي حذرت فيها من أي تغيرات جيوسياسية في جنوب القوقاز، رغم أن طهران اعترفت بسيادة باكو على إقليم “قره باغ”؟

عندما تقول طهران إنها تعارض تغيير الحدود، أو إحداث تغير جيوسياسي، فإن هذا الموقف ليس منطقيا، لأن بحث مسألة ترسيم الحدود مع أرمينيا سيكون مع يريفان حصرا، وليس مع إيران أو أي دولة أخرى.

كما يجب أن ألفت إلى أن الحديث عن ترسيم الحدود مع أرمينيا هو حديث عن 4 حدود ليس مثبتا حتى اليوم بشكل واضح ونهائي من الجانب الأرمني، الذي يتحدث تارة عن الحدود الإدارية التي كانت قائمة لحظة انهيار الاتحاد السوفياتي، أو تلك التي تم إقرارها في مؤتمر كازاخستان وغيرها.

إيران تطلب منا الاعتراف بالحدود التي كانت قائمة أيام الاتحاد السوفياتي، ولكنها نفسها لا تعترف إلى اليوم بالحدود التي تم ترسيمها لبحر قزوين، إذ تطالب بـ20% منها، في حين نصت معاهدة الترسيم على إعطاء 9% لإيران.

خلفية الموقف الإيراني تكمن في واقع الحال بالمخاوف من خروج روسيا نهائيا من المنطقة، وبالتالي سيبرز السؤال حول: من الذي سيحل مكانها، ويسد الفراغ الناشئ، وسيمتلك حينها النفوذ والتأثير الحاسم هناك؟

هم يرون أن ما يسمى “بالعامل التركي” يتنامى بشكل متسارع، فإذا أصبح ممر زنغزور الإستراتيجي جزءا من أذربيجان، فإن نفوذ تركيا في آسيا الوسطى سيتعاظم بطبيعة الحال. لذلك الحديث يدور عن خطط جيوسياسية بعيدة المدى لدى طهران، ليس أكثر.

كما أن لدى إيران مشاكل كبيرة. نعم، هم يستطيعون إطلاق التهديدات، لكنهم لا يستطيعون عمل أي شيء، لأنهم يدركون بشكل لا غبار عليه بأنه يعيش في هذه المنطقة (داخل إيران) -حسب معطيات المخابرات الأميركية- نحو 35 مليونا من الأذربيجانيين الأتراك، فكيف يمكن لإيران شن حرب ضد أذربيجان أو تركيا، في الوقت الذي يشكل فيه أصحاب الأصول الأذرية نصف سكان البلاد ونصف القوات المسلحة الإيرانية.

على هذا الأساس، نحن نرى بأن التهديدات الإيرانية لا تعدو كونها تحمل طابعا دعائيا فحسب، بالإضافة إلى ذلك، هم يدركون أنهم إذا تمادوا في ممارسة الضغوط علينا، فإننا في المقابل سنقوم بتعزيز علاقاتنا مع جميع خصوم إيران، وكما تعلمون، لدى إيران كثير من الخصوم في المنطقة، فمن الممكن أن تنضم إلينا في هذا السياق دول كإسرائيل وباكستان وأفغانستان، التي لديها مشاكل كثيرة مع إيران.

  • بالإشارة إلى إسرائيل، ما الذي يفسر هذه العلاقة المتينة التي تربطكم بها، لدرجة أن البعض يصف أذربيجان برأس حربة إسرائيل؟ أليست العلاقات مع طهران أكثر فائدة لكم بحكم البعد المذهبي والجوار والعلاقات الاقتصادية؟

في البداية يجب أن أشير إلى أن أذربيجان تؤكد دائما أن أراضيها لن تكون نقطة انطلاق لتهديد أي من البلدان، ولكن إذا قام أحد بالاعتداء علينا، فإننا سنستدعي الدول الصديقة، أي كل من يستطيع أن يقدم لنا المساعدة.

أذربيجان ترتبط تقليديا بعلاقات جيدة مع إسرائيل، لأنه في القدم كانت هناك دولة الخزر اليهودية، وكانت أذربيجان جزءا منها، وهي تعد من الدول التي لم تشهد حالات معاداة للسامية طوال تاريخها، بهذا المعنى نحن نستفيد من تلك العلاقات في تعزيز قدراتنا الدفاعية والتصدي للتهديدات التي يمكن أن نتعرض لها.

لدينا علاقات عملية مع إسرائيل، في ذات الوقت نفسه ننطلق في سياستنا الخارجية من أن علاقاتنا مع تل أبيب يجب ألا تضر بعلاقاتنا مع البلدان العربية، وأعتقد أننا نمارس هذا التوازن في العلاقات بشكل جيد.

وأقولها بصراحة: إسرائيل لم تطلب منا في أي يوم من الأيام ما يمكن أن يضر بعلاقاتنا مع البلدان العربية، والتي نرتبط معها بعلاقات جيدة جدا.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *