ما مستقبل العلاقات الصينية السورية بعد عملية “ردع العدوان”؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

بكين- في مؤتمر صحفي لمجلس الأمن حول العراق أمس الجمعة، قال غينغ شوانغ نائب الممثل الدائم للصين لدى الأمم المتحدة إن بكين تشعر بالقلق تجاه التأثير المحتمل للتطورات الأخيرة في سوريا على العراق، وتدعم حكومته المركزية وحكومة إقليم كردستان في مواصلتهما تعزيز الحوار والتشاور بشأن القضايا العالقة والبحث عن حلول مستدامة.

ونشرت صحيفة “ساوث تشاينا مورنينغ بوست”، أمس الجمعة، دعوة صينية رسمية لرعايا بكين في سوريا لمغادرتها في أقرب فرصة ممكنة، وأكد المتحدث باسم الخارجية الصينية لين جيان -في مؤتمر صحفي في اليوم نفسه- أن بلاده تراقب عن كثب التطورات في سوريا وتأمل أن يستعيد البلد استقراره قريبا.

من جانبها، أصدرت السفارة الصينية في دمشق تذكيرا عاجلا قبل يومين نصحت فيه مواطنيها بالعودة أو مغادرة البلاد سريعا، واصفة الوضع الميداني لعملية “ردع العدوان” بـ”المتوتر وأنه يزداد تدهورا”.

ظروف استثنائية

ويحذر دبلوماسيون صينيون من أنه “نظرا لهذه الظروف الاستثنائية، فقد يواجه المواطنون الصينيون الذي يصرون على السفر إلى المناطق المتضررة أو البقاء فيها مخاطر أمنية عالية للغاية، مما قد يؤثر أيضا على إمكانية تلقيهم أي عون”.

كما نشرت الصحيفة ذاتها، اليوم السبت، مقالا لأليساندرو أردوينو، محاضر بمعهد لاو الصيني في كلية الملك بلندن، قال فيه إن “سقوط مدينة حلب بيد قوات الثوار السوريين سيكون له آثار بعيدة على إستراتيجية الصين في الشرق الأوسط”.

وأضاف “في حين قد تظهر الصين اهتماما هامشيا بنظام الرئيس بشار الأسد، فإن تداعيات الأزمة السورية ستمتد بلا شك إلى ما هو أبعد من المنطقة المحيطة بشكل مباشر، ورغم دعوة دمشق الشركات الصينية لريادة أعمال إعادة الإعمار في البلاد، فإن تجدد عدم الاستقرار يجعل أي مشاركة كبيرة من قبل هذه الشركات المملوكة من قبل الدولة غير مرجحة في المستقبل القريب”.

لكن الكاتب لم يذهب في تحليله بعيدا إلى إمكانية أن يتواصل الدور الصيني في القيام بمشاريع عمرانية وتبادل تجاري مع سوريا إذا ما حصل فيها تغيير سياسي، خاصة أن المعارضة السورية تؤكد في خطابها على تطلعها لبناء علاقات خارجية بناءة وتعاونية.

ويضيف أن بكين كانت قد أظهرت في السابق دعمها للأسد عبر استضافته في مدينة هانغتشو أثناء موسم الألعاب الآسيوية العام الماضي، داعية إلى تسوية سياسية “بقيادة سورية ومملوكة لسوريا”، كما أعلن الرئيس شي جين بينغ والأسد عن شراكة إستراتيجية بين بلديهما.

مخاوف

وأشار أليساندرو إلى “مخاوف الصين من انتفاضة تشبه الربيع العربي ومن انضمام الإيغور -المسلمين من سكان إقليم شنغيانغ– إلى الجماعات الجهادية في سوريا”. وتحدث عن “ارتباط الأهداف المباشرة لاستثمارات بكين بأهمية ميناءي طرطوس واللاذقية، وقيمتهما الإستراتيجية بسبب قربهما من محطات الحاويات الرئيسية، التي تشكل جزءا لا يتجزأ من مبادرة الحزام والطريق الصينية”.

وقال “تؤدي سوريا دورا مهما في إستراتيجية الصين لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط، فهي تسعى إلى ملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة. لكن تجدد أعمال العنف والتقدم السريع لقوات الثوار وضع توقعاتها على المحك وقد يوقف الطموحات الإقليمية على المدى القريب والبعيد”.

وبشأن تعامل بكين مع التوسع الجغرافي للمعارضة السورية المسلحة، يقول كاتب المقال إنها تتبنى نهج “الانتظار والترقب” متسائلا عن أي تواصل صيني تركي في الشأن السوري. ويرى أن الوضع السوري “يسلط الضوء على معادلة العلاقة المتوترة بين سياسة عدم التدخل التي تنتهجها الصين وبين دورها المتزايد في الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط”.

ويختم بالقول إن سقوط حلب يسلط الضوء على مدى نفوذ الصين بالمنطقة المعتمد أولا على القوة الاقتصادية، ويطرح تساؤلات عن توازنات تطلعاتها لقيادة دول عالم الجنوب عبر مجموعات مثل بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، مع ترددها في اتخاذ إجراءات حاسمة. وإن تجدد الفوضى في سوريا ينال من التوازن الإقليمي الهش، كما يقدم المشهد في الشرق الأوسط تحديا لقدرة بكين على الانتقال من الدبلوماسية الرمزية إلى العملية.

ورغم أهمية سوريا من حيث الجغرافيا الاقتصادية والسكانية والتجارية، فإن للصين حضورا في مرافئ ومدن دول عربية وأفريقية وآسيوية أخرى عديدة. ويمكن أن تؤدي الأوضاع في سوريا إلى تعزيز اعتماد بكين وشركاتها بصورة أكبر على بدائل في دول أخرى بالمنطقة لبعض الوقت، سواء كان ذلك لشهور أو سنوات إذا ما تأثرت -فرضا- العلاقات الصينية السورية في الأشهر المقبلة.

الشريك الأكبر

وتشير الأرقام الرسمية المنشورة في صحيفة الشعب اليومية، في مايو/أيار الماضي، إلى أن الصين هي الشريك التجاري الأكبر للدول العربية اليوم، وقد لا يؤثر تراجع حضورها في سوريا -لفترة وجيزة- كثيرا على ذلك التواصل التجاري والاستثماري ككل مع الدول العربية.

وارتفعت قيمة التبادل التجاري من 36.7 مليار دولار في عام 2004، إلى 398 مليار دولار في عام 2023، وهو صعود بنسبة تجاوزت الـ800%، خلال عقدين من الزمن، وتجاوز حجم الاستثمارات المباشرة بين الصين والعالم العربي أكثر من 30 مليار دولار العام الماضي، حسب هذه الصحيفة الرسمية.

ونقلت وكالة شينخوا للأنباء الرسمية، عن الإدارة العامة للجمارك الصينية في تقرير لها بمايو/أيار الماضي، أن التبادل التجاري بين بكين والدول العربية مثّل 7% من تجارتها الخارجية مطلع هذا العام، وفي مقدمة تلك الدول قطر والعراق وعمان والإمارات ومصر والسعودية، وتمثل حصتها 84.8% من مجموع التبادل التجاري الصيني مع كل الدول العربية، وفق المصدر نفسه.

وبينما تُصدّر بكين كل ما تنتجه مصانعها التقنية والكهربائية والاستهلاكية والمنزلية، فإن الدول العربية تمثل 38% من استهلاكها من مصادر الطاقة كالنفط والغاز حسب أرقام الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام.

وقبل بضعة أيام، أبرمت مؤسسة “قطر للطاقة” وشركة شل اتفاقا جديدا طويل الأمد يتم بموجبه تزويد الصين بـ3 ملايين طن سنويا من الغاز الطبيعي المسال. وحسب بيان المؤسسة، فإن عمليات تسليم هذا الغاز تبدأ اعتبارا من يناير/كانون الثاني 2025، وهو ما يسلط الضوء على النمو المستمر لسوق هذه المادة في الصين، والتي يتوقع لها أن تكون الأكبر في العالم.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *