الجزائر – كشفت الحكومة الجزائرية من جانب واحد عن قبول السلطات النيجرية رسميا وساطتها الرامية إلى بلورة حل سياسي للأزمة في إطار المبادرة التي تقدم بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون نهاية أغسطس/آب الماضي.
وأوضحت الخارجية الجزائرية، في بيان لها مساء الاثنين، أنه بعد أخذ العلم بهذه الموافقة عن طريق مراسلة من نظيرتها النيجرية، كلف الرئيس تبون مسؤول جهازه الدبلوماسي أحمد عطاف بالتوجه عاجلا إلى نيامي بهدف الشروع في مناقشات تحضيرية مع كافة الأطراف المعنية حول سبل تفعيل المبادرة.
وترتكز الوساطة المعلنة من الجزائر بتاريخ 29 أغسطس/آب الماضي على 6 محاور كبرى، حيث “تؤكد على ضرورة مشاركة وموافقة جميع الأطراف في النيجر دون إقصاء لأي جهة مهما كانت، على ألا تتجاوز مدة الترتيبات 6 أشهر، وتكون تحت إشراف سلطة مدنية تتولاها شخصية توافقية تحظى بقبول كل أطياف الطبقة السياسية في النيجر، وتُفضي إلى استعادة النظام الدستوري في البلاد”.
وتضمنت كذلك “السعي لتنظيم مؤتمر دولي حول التنمية في الساحل تحت رعاية الأمم المتحدة كتتويج للعملية السياسية”.
لكن المجلس العسكري الحاكم في النيجر سارع في أقل من 24 ساعة لنفي موافقة نيامي على مهلة الشهور الستة المقترحة في المبادرة الجزائرية، بل نقلت وكالة الأنباء النيجرية أن وزارة الخارجية تفاجأت من بيان نظيرتها في الجزائر.
ويذكر أن بيان الخارجية الجزائرية أعلن عن “قبول السلطات في النيجر للوساطة في إطار المبادرة”، دون الخوض في موقفها من البنود التفصيلية، مما يعني -بحسب مراقبين- وجود التباس إعلامي فقط بين الجانبين.
بيان وزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج #النيجر pic.twitter.com/XDvmNBnbpx
— وزارة الشؤون الخارجية| MFA-Algeria (@Algeria_MFA) October 2, 2023
إبعاد شبح التدخل العسكري
وعن أهمية هذا التطور الجديد في الردود الوازنة تجاه مبادرة الجزائر، قال المحلل وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر حمزة حسام إن إعلان القبول في هذا التوقيت من شأنه إحباط مساعي التدخل العسكري الذي يجري التلويح به إلى غاية الآن من داخل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس”، لاسيما من غينيا بيساو وساحل العاج.
ويرى المحلل، في تصريح للجزيرة نت، أن الموافقة على الوساطة الجزائرية تنطوي تلقائيا على قبول “المجلس الوطني لحماية الوطن” النيجري بمبدأ إعادة الحكم للمدنيين والعودة للشرعية الدستورية، لأن جوهر المبادرة يقوم على ذلك.
ويعتقد حسام أن “هذه المبادرة من حكام النيجر هي إعلان حسن نية يُفترض أن يترتب عليها انتفاء حجة استعادة الحكم الديمقراطي التي يستدعيها دعاة التدخل العسكري”.
وقال الأستاذ بجامعة الجزائر للعلوم السياسية والعلاقات الدولية توفيق بوقعدة، للجزيرة نت، إن “مسار الحل السياسي للأزمة في النيجر انطلق بقبول المجلس العسكري الانتقالي الوساطة الجزائرية”.
واعتبر أن الخيار العسكري، الذي رافعت من أجله بعض دول إيكواس وفرنسا، انتهى بخروج سفير باريس من النيجر، والإعلان عن سحب القوات الفرنسية في أجلٍ أقصاه نهاية العام الجاري.
أولوية الوضع الدستوري
وبشأن الخلاف على مهلة الفترة الانتقالية، أوضح حسام أن الوزير عطاف ألمح حين استعراضه مرتكزات المبادرة الجزائرية، قبل نحو شهر، إلى أنها يمكن أن تخضع لتعديلات وفقما يناسب السياق والظروف المحلية في النيجر.
لذا فإن الاحتكام إلى الوساطة الجزائرية، مع تعديل آجال العودة إلى الحكم الدستوري، يبقى أمرا ممكنا، والاتفاق عليه وارد بين مختلف الأطراف، على حد تعبيره.
وأكد المحلل أن “الأهم من الآجال هو ضمان العودة إلى وضع دستوري جديد مستقر، يحقق الحد الأدنى من التوافق بين النيجريين ويجنبهم ظروف وقوع الانقلاب”.
تحديات أمام الوساطة
يرى بوقعدة أن السلطة العسكرية في النيجر تواجه الآن تحديات أخرى لا يمكنها النجاح فيها إلا بالإسراع في “وضع خارطة سياسية لتسيير المرحلة الانتقالية، بما يفضي إلى استئناف الشرعية الدستوية”.
ومن أجل تحقيق ذلك، فإنها بحاجة إلى وسيط محايد ومقبول لدى كل القوى السياسية والمدنية في البلاد، والجزائر هي الخيار الأكثر واقعية وجدية للقيام بهذه المهمة، من أجل التعجيل برفع الحصار الاقتصادي والعزلة الدولية التي يعيشها المجلس العسكري الانتقالي لإدارة البلاد، وتلبية الحاجيات الأساسية لمواطنيه، على حد تعبير بوقعدة.
وتابع أنه إذا كان الترحيب بالجزائر من كل الأطراف السياسية والمدنية النيجيرية عاملا مهما لتعزيز فرصها في حل الأزمة، فإن ثمة أيضا 3 معضلات لابد من العمل عليها لخلق التوافق داخل المكون السياسي النيجري.
وذكّر بوقعدة بالمدة الزمنية للمرحلة الانتقالية التي تقترحتها الجزائر بثلاثة أشهر، في حين يريدها المجلس العسكري النيجري 3 سنوات.
وثاني التحديات أمام المبادرة، وفق المتحدث، هي الشخصية التوافقية المدنية لقيادة المرحلة القادمة، فرغم وجود شخصيات وازنة في النيجر لها القدرة والكفاية للقيام بذلك، فإن الإجماع على شخصية بعينها صعب في مجتمع تقليدي، لا تزال سطوة القبلية والمناطقية نافذة فيه.
ويتمثل التحدي الثالث، في تقدير المحلل، في تحديد الأطراف المعنية بالحوار الوطني، ومدى قدرة المجلس الانتقالي على استيعاب أنصار المرحلة السابقة في المشهد السياسي القادم.
ولم يغفل بوقعدة، في رصده التحديات الواقعية، مسألة أخرى لها أثرها في التسويق السياسي للمرحلة الانتقالية، تتعلق بمصير الرئيس السابق محمد بازوم، ومدى استعداد السلطة العسكرية لإطلاق سراحه أو تسهيل خروجه من البلاد.
ولتذليل كل هذه العقبات، يشدد بوقعدة على أن الجزائر، بالإضافة إلى تعاون المجلس العسكري واستعداده لتقديم تنازلات ملزمة لإنجاح الانتقال إلى المرحلة الدستورية، تحتاج إلى دعم القوى الإقليمية والأطراف القبلية والدينية لدول الجوار.
كما أبرز المحلل تأثير إسناد العناصر الدولية لجهود الجزائر، و”ضرورة عدم الانخراط في عمليات التموقع داخل النيجر قبل الحسم النهائي لمسألة الشرعية في البلاد، وبعدها للسلطة القادمة خياراتها في تحالفاتها وتعاقداتها مع الجهات التي تريد”.
الفرصة الأخيرة
من جانب آخر، نبّه الخبير الأمني في شؤون الساحل الأفريقي نسيم بلهول إلى أن قبول الوساطة الجزائرية تزامن مع هجوم “إرهابي” على جنود نيجريين قرب الحدود مع مالي.
وقال المحلل الأمني إن “الواقعة توحي بردّ جاد من أطراف خارج القارة بأدوات إقليمية، لا تزال تسعى إلى تحييد أي دور جزائري فاعل في المنطقة”.
وحذر الخبير بلهول، فيه تصريح للجزيرة نت، من تعطيل جاهزية تنفيذ المقاربة الجزائرية القائمة على التنمية قبل الأمن، لاعتبارات تعود أساسا لمحاولة أطراف مهمة -مثل “الإليزيه” ومجوعة إيكواس- الثأر من مثل هذا التنمر النيجري، على حد وصفه.
وشدد بلهول على أن اقتراح الجزائر، في حقيقة الأمر، بمثابة الفرصة الأخيرة للنيجر والمنطقة معا بالنظر للأجواء المشحونة التي توحي بمعالم حرب قادمة لن يعرف أي أحد كيف ومتى ستنتهي.