تساؤلات حول تراجع الجيش السوري وانسحاباته السريعة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 12 دقيقة للقراءة

شهدت خرائط السيطرة العسكرية على الساحة السورية تغيرات متسارعة جدا منذ الـ27 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد إطلاق المعارضة المسلحة عملية “ردع العدوان” التي قالت إن هدفها توسيع رقعة المناطق المحررة وحماية المدنيين من الاعتداءات المتكررة للنظام عبر توجيه ضربة استباقية مدروسة لقواته والمليشيات التابعة له.

وتمكنت قوات المعارضة في اليوم الثالث للعملية من السيطرة على مدينة حلب، وبسطت سيطرتها بعد ذلك على نقاط إستراتيجية كمطار حلب الدولي ومطار كويرس، إضافة إلى معامل الدفاع في السفيرة، لتبدأ في اليوم السادس تقدمها نحو حماة التي باتت على مسافة أقل من 10 كم منها وذلك بعد إتمام السيطرة على كامل مدينة إدلب وريفها.

وكان الجانب الأبرز في هذا التقدم المتسارع لقوات المعارضة هو الانسحابات المتوالية لقوات النظام السوري، وحالة الانهيار التي أصابته على مستوى القيادة والأفراد، مما سهل للمعارضة دخول حلب مثلا دون قتال.

حالة التراجع السريع هذه والانسحابات المتتالية أثارت كثيرا من التساؤلات عن مدى جهوزية قوات النظام وفاعليتها، رغم وجود حلفاء إقليمين ودوليين.

المعارضة تطور قدراتها العسكرية

تطور أداء المعارضة كثيرًا في السنوات الماضية فقد اكتسبت خبرات واسعة في القتال، وصارت أفضل تنظيمًا وأكثر انضباطًا، إلى جانب التطور البارز في مجال التصنيع المحلي للأسلحة والمعدات والآليات العسكرية، وكذلك التطور في التكنولوجيا العسكرية؛ المتمثل في أجهزة الرؤية والاتصال.

وقد بدا هذا التطور واضحًا من خلال سير المعركة وانضباطها من جهة، كما يمكن ملاحظته في مقاطع الفيديو التي تنشرها غرفة “إدارة العمليات العسكرية” والتي تضم كل الفصائل المشاركة في عملية “ردع العدوان” وعلى رأسها هيئة تحرير الشام.

ومن التطورات المهمة التي شهدتها هذه الصناعات استخدام الناقلات المدرعة للجنود بكثرة، وهي في أغلبها مدرعات صُنعت وطوّرت محليا، مما أسهم في نقل الجنود إلى خطوط التماس بطريقة آمنة، إلى جانب تطور آليات القتال الليلي لدى تلك الفصائل ومنها معدات الرؤية الليلية والقناصات الحرارية التي سهلت استغلال الفترات الليلية للتقدم ورصد تحركات النظام ومليشياته.

ويقول الخبير العسكري والإستراتيجي عبد الله الأسعد -في حديثه للجزير نت- إن هذه القناصات الحرارية تعمل تحت الأشعة الحمراء (الأشعة السينية) إذ يستطيع العنصر المتمترس خلف ساتر أن يقوم استنادًا إلى المنظار بعملية قنص دقيقة تمكّن من تقييد تكتيكات قوات النظام.

وإلى جانب التطور بعمليات التصنيع المحلي، شهد الواقع الأمني والعسكري حالة من “المأسسة”، قائمة -كما أوضح المسؤولون- عند تأسيسها على مناهج ودورات تدريبية تناسب الواقع السوري.

ومن ذلك إصدار ما تسمى “حكومة الإنقاذ” في إدلب التابعة لهيئة تحرير الشام في مارس/آذار 2021 قرارًا بتشكيل “كلية عسكرية”، وقد تخرجت أول دفعة فيها في سبتمبر/أيلول 2022، وضمت 400 ضابط من مختلف الفصائل العسكرية في إدلب وريف حلب الغربي.

السر في المُسيرات

أما التطور الأبرز في مجال الصناعات العسكرية للمعارضة فتمثل بطائرات “شاهين” المسيرة، فمنذ اليوم الأول لانطلاق المعركة نشرت “إدارة العمليات العسكرية” مقطعًا مصورًا لما سمته “كتائب شاهين” بعنوان “نصلكم أينما كنتم”، أعلنت من خلاله استخدام المسيرات في الأعمال الهجومية، فقد أظهر المقطع طائرات مسيرة أطلقت بدفع أولي من قبل شخص، ومسيرات أخرى ذات الأربع مراوح أطلقت من منصة مخصصة.

وإلى جانب مسيرات “شاهين”، نشرت “إدارة العمليات العسكرية” مقطع فيديو يظهر مسيرات تحمل اسم “سرايا العقاب” مشابهة لمسيرات شاهين خلال إطلاق عملية “فجر الحرية” ضد قوات النظام و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في ريف حلب الشرقي.

وباستخدام هذه المسيرات تمكنت قوات المعارضة من تحقيق أهداف نوعية، منها استهداف رئيس فرع الأمن العسكري في مدينة حماة يوم الأحد الأول من ديسمبر/كانون الأول الجاري، أعقبه في اليوم الثاني استهداف تجمع كبير لضباط النظام في قمة جبل زين العابدين بشمال حماة، وذلك بحسب ما أفادت به “إدارة العمليات العسكرية”.

وإلى جانب استهداف قيادات وغرف عمليات لقوات النظام، استخدمت هذه المسيرات في قصف دبابات وتحصينات عسكرية ومستودعات ذخيرة وأرتال عسكرية، إضافة إلى تدمير مروحيتين في مطار النيرب قبل إقلاعهما، وإلقاء مناشير في مناطق وجود قوات النظام تدعو العناصر للانشقاق عنه.

وفي هذا السياق، كشف الباحث في الشؤون العسكرية بمركز جسور للدراسات رشيد حوراني أن هذه المسيرات استخدمت في تنفيذ اختراقات أمنية دقيقة وخاطفة، أسهمت في خلخلة صفوف قوات النظام.

تجلّت هذه العمليات في إعلان “إدارة العمليات العسكرية” استهدف المقر 30 في مدينة حلب، وذلك في اليوم الأول من بدء توجه قوات المعارضة باتجاه المدينة، مما أدى إلى مقتل عدد كبير من ضباط القيادة في حلب، وهذا أفضى -بحسب حوراني- إلى انسحاب كبير وهروب للعناصر الذين انقطع التواصل بينهم وبين القيادة.

ويشار إلى أنه في اليوم الذي بدأ فيه هجوم المعارضة على حلب الخميس 28 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أعلنت وكالة تسنيم الإيرانية عن مقتل أحد كبار المستشارين الإيرانيين القيادي في الحرس الثوري العميد كيومرث بور هاشمي، بهجوم شنه المسلحون على حلب، على حد قولها.

سيطرة المعارضة على أسلحة نوعية

تمكنت قوات المعارضة من السيطرة على مخازن أسلحة ضخمة تضم صواريخ مضادة للدروع والطائرات، وقذائف صاروخية، وما يزيد على 100 دبابة، وراجمات صواريخ، وغيرها من العتاد النوعي والثقيل، وذلك إثر انسحاب النظام من مطارات مدنية وعسكرية وأفواج وكليات ومعامل تصنيع أسلحة وذخائر من أبرزها: مطار حلب العسكري، ومطار كويرس، والكليات العسكرية ومعامل الدفاع والبحوث العلمية في حلب، والفوج 46، والفوج 80 دفاع جوي.

وتعليقا على ما سبق، يؤكد الباحث رشيد حوراني أن كمية السلاح الذي تمت السيطرة عليه من غرفة “ردع العدوان” وخاصة في الفوج 46 تتجاوز الكميات التي خصصتها الغرفة لبدء العملية، وهذا ما دفع المعارضة إلى السيطرة على أكبر قدر من المساحة الجغرافية.

وأما عن أسلحة الدفاع الجوي التي تمت السيطرة عليها، فيكشف الباحث حوراني أنه من خلال تواصله مع “إدارة العمليات العسكرية” تم التأكيد له أن هناك كثيرا من الضباط أبدوا استعدادهم لتنفيذ رمايات على الطيران بواسطة هذه الأسلحة والصواريخ المحمولة على الكتف، إضافة إلى أن هناك دورات “رماة” لتدريب المقاتلين على استخدام هذه الصواريخ.

وكان تقرير لمجلة نيوزويك الأميركية الأحد الماضي قد ذكر أن استيلاء قوات المعارضة في شمال سوريا على معدات عسكرية متطورة، كمنظومة الدفاع الجوي الروسية “بانتسير-إس 1″، يعد تحولا كبيرا ومعقدا في الصراع الدائر، إذ سيعزز هذا السلاح المعارضة بقدرات دفاعية كبيرة وهو ما سيصعب العمليات الجوية للجيش السوري، التي تعد نقطة قوة لديه، بحسب نيوزويك.

العقيدة القتالية

لا تقتصر عوامل الانهيار المتسارع لقوات النظام على العوامل المتعلقة بالمعارضة من حيث حالتها العسكرية والتنظيمية، والتي تجلت في ضم كل فصائل المعارضة المشاركة في العملية (على رأسها هيئة تحرير الشام، وحركة أحرار الشام، وجيش العزة) في غرفة عمليات واحدة منذ عام 2019 أُطلق عليها غرفة “عمليات الفتح المبين” لتنسيق الجهود العسكرية بين الفصائل في إدلب وريف حلب الغربي.

وفي مقابل ذلك، أدت حالة الانشقاق الكبيرة التي شهدتها قوات النظام إضافة إلى سنوات الخدمة الطويلة للعناصر وسوء أوضاعهم الاقتصادية إلى “ترهل” هذه القوات، وزاد من الأمر سوءا -بحسب مراقبين عسكريين- اعتماد النظام على المليشيات الطائفية وعمليات التطويع العسكري لتغطية النقص في قواته على الجبهات.

وبالحديث عن تفكك الحالة التنظيمية والعقائدية لقوات النظام، يوضح العميد عبد الله الأسعد أن جيش النظام السوري تحول إلى “مليشيا، وآلت عقيدته إلى عقيدة المليشيات التي كانت تعمل على الأرض السورية، وكان وما زال همها تأمين مصالحها ومكتسباتها الخاصة عن طريق السرقة والنهب وفرض الإتاوات على المدنيين”.

ويتابع الأسعد حديثه بالقول إن الحالة العقائدية لهذا الجيش تغيرت، فبدل أن تكون مهمته الدفاع عن الوطن وحماية أبنائه بوجه الاعتداءات والتهديدات الداخلية والخارجية، “تحول إلى مليشيا بيد النظام الذي استخدمها لقمع الشعب السوري”.

من ناحيته، يشير الباحث رشيد حوراني إلى أن النظام يعاني من نقص كبير وانهيار بالأعداد البشرية ظهر من خلال المراسيم التي حاول بها النظام ترميم نقص الكوادر البشرية لديه والإعلان عن عقود تطوع في قواته لتلافي النقص في الخدمة الإلزامية الناتج عن الانشقاق والفرار أو التخلف عن الخدمة في الجيش.

هذه الحالة النفسية والعقائدية لقوات النظام يقابلها، برأي الحوراني، روح معنوية وعقائدية مرتفعة جدا لدى قوات المعارضة، ناتجة عن سنوات من الإعداد العقائدي من جهة، ولأن أغلب الذين يشاركون في عملية “ردع العنوان” هم من أبناء المناطق التي هجّرهم منها النظام من حلب وإدلب وحماة وحمص وغيرها، مما منحهم دافعا معنويا ونفسيا قويا لتحرير مناطقهم.

وفي سبيل سعي النظام السوري لتعزيز مؤسسته العسكرية ورفد قواته على المستويات كلها بالمتطوعين لتعويض الخسائر البشرية التي تكبدها جيشه على مدى السنوات الماضية، أعلنت وزارة الدفاع السورية مرات عدة عن عقود تطوع في صفوف الجيش، كان آخرها في سبتمبر/أيلول الماضي، حيث تم تحديد العقد لمدة 5 و10 سنوات، ويتضمن استحقاقات وميزات ومكافآت مالية.

الحوراني: الحالة النفسية والعقائدية لقوات النظام يقابلها روح معنوية وعقائدية مرتفعة جدا لدى قوات المعارضة (رويترز)

محدودية الدعم العسكري من الحلفاء

أما العامل الأبرز الذي أدى إلى الانهيار السريع لقوات النظام فكان غياب الغطاء الجوي الروسي الذي وفّر لقوات النظام تفوقًا عسكريا كبيرًا منذ تدخله في الحرب السورية عام 2015.

فقد دفع التورط الروسي في الحرب الأوكرانية موسكو إلى سحب جزء كبير من قواتها وخاصة سلاح الجو من سوريا، من ذلك سحب روسيا بطارية دفاع جوي طراز “أس 300″، وهي غير مؤثرة في القتال الحالي بقدر تأثير توجيه موسكو لنخبة الطيارين الروس إلى أوكرانيا بدلا من سوريا.

من جانب آخر، أدت الاستهدافات الإسرائيلية للقيادات والكوادر الإيرانية في سوريا، إلى جانب سعي الولايات المتحدة لتحجيم أو إنهاء النفوذ الإيراني في المنطقة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وترافق ذلك مع تدمير القدرات العسكرية لحزب الله في لبنان بعد التصعيد الإسرائيلي واضطراره إلى سحب عدد كبير من مقاتليه المنتشرين على جبهات حلب وإدلب باتجاه لبنان بسبب المعارك على جبهة الجنوب؛ كل ذلك أدى إلى إرباك الدفاعات السورية على نحو كبير كما خلق فراغًا بشريا وعسكريا لم يستطع النظام أن يملأه على الجبهات.

ومن ناحيته، يرى المحلل العسكري والإستراتيجي حاتم الفلاحي -في لقاء مع الجزيرة نت- أن ما يحدث الآن على الساحة السورية هو شبه توافق تركي روسي، فتركيا ضغطت خلال الأيام الماضية للوصول إلى توافق مع النظام السوري ولكنه رفض، ومن ثم أرادت روسيا أن تثبت لإيران وللنظام أن عليهما تحمل مسؤولية القرارات التي يمكن أن تكون مؤلمة.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *