الحرمان من أبسط الحقوق والتهميش وفرض الحجاب عليهن ومهاجمتهن بماء النار واعتقالات وتعذيب بشتى الطرق وصولا إلى إعدامهن، هذا أبرز ما تواجهه النساء داخل إيران منذ تولي نظام الولي الفقيه الحكم في البلاد عام 1979.
على مدى أكثر من 45 عاما الماضية لم يتوانى النظام الحاكم في إيران عن فرض القيود على الإيرانيين بمختلف فئاتهم، لكن النساء كان لهن حصة الأسد من هذه القيود، التي لطالما استخدم النظام وأجهزته الأمنية العنف بمختلف أشكاله لتطبيقها، وتعاقب النساء اللاتي ترفضن هذه القيود بالسجن والتعذيب والإعدام.
ولا تتوقف الطرق المستخدمة من قبل الأجهزة الأمنية الإيرانية لمعاقبة النساء عند السجن والإعدام، بل تشمل مهاجمة النساء بماء النار بحجة عدم الالتزام بالحجاب.
“اشعر بالألم كلما شاهدت الحروق على رقبتي وأتذكر ذلك اليوم قبل سنوات، عندما كنت في زيارة إلى طهران، حيث مرت دراجة نارية على متنها شخصين رماني أحدهما بمحلول الأسيد (ماء النار) وهرب، تسبب المحلول بحروق في رقبتي” تقول، شهناز ميرزايي، لـ”الحرة”، وهي فتاة من محافظة كرمانشاه في كردستان إيران.
تحاول شهناز التي تعيش حاليا في محافظة السليمانية في إقليم كردستان العراق، إخفاء الحروق عبر شد رقبتها بقطعة قماش أثناء ممارستها العمل في أحد الصالونات النسائية، وتؤكد أن السلطات الإيرانية أغلقت ملف قضيتها ولم تحقق فيه، مشيرة إلى أن عناصر من
“البسيج” (قوات تابعة للحرس الثوري) هي التي تقف خلف هذه الهجمات.
وإلى جانب عناصر البسيج تشن شرطة الأخلاق الإيرانية والاستخبارات “الاطلاعات” يوميا حملات واسعة لضرب النساء والفتيات واعتقالهن بحجة عدم الالتزام بالزي الإسلامي، وقد أسفرت إحدى هذه الحملات في سبتمبر 2022 عن مقتل فتاة كردية إيرانية تدعى، مهسا أميني، التي فارقت الحياة بعد تعرضها للاعتقال والضرب المبرح من قبل شرطة الأخلاق الإيرانية، وأصبحت فيما بعد أيقونة لاندلاع الاحتجاجات الشعبية التي عرفت بانتفاضة “المرأة، الحياة، الحرية”.
جينا صالح، ناشطة كردية إيرانية، كانت ضمن المشاركات في الانتفاضة وساهمت في معالجة المتظاهرين الجرحى، واصيبت إصابة بالغة خلال الاحتجاجات، لكنها لم تتمكن من تلقي العلاج، لأن السلطات الإيرانية كانت تلاحق الجرحى في المستشفيات، واضطرت بعد تلقي العلاج الأولي إلى سلك طريق الجبال الوعرة واللجوء لكردستان العراق.
وتوضح جينا لـ”الحرة”، “يفرض علينا الحجاب نحن الإناث في إيران منذ سن السابعة ويفصل الذكور عن الإناث في المدارس، التمييز الكبير في التعامل بين النساء والرجال في كافة مجالات الحياة داخل إيران، أثر على وضع المرأة داخل العائلة، وأصبحت مهمشة فيها أيضا”.
وتلفت جينا إلى أنها واحدة من الفتيات اللاتي أجبرن على الزواج في سن مبكر جدا، ومن شخص يكبرها بنحو 20 عاما، مشيرة إلى أنها ما زالت تعاني من آثار زواجها الذي تصفه بالتجربة “الصعبة التي لن تنساها أبداً”.
ومنذ مطلع عام 2023 كثفت السلطات الإيرانية من عملياتها للقضاء على حركة النساء لمناهضة الحجاب الإلزامي في إيران، التي توسعت وتصاعدت بعد مقتل مهسا أميني، وشمل التكثيف زيادة في دوريات الأجهزة الأمنية الراجلة وعلى الدراجات النارية وسيارات الشرطة وشن حملات اعتقالات وقمع ضد النساء بحجة عدم الالتزام بالحجاب في الشوارع والأماكن العامة. وأطلقت في أبريل الماضي حملة واسعة في هذا المجال تحت مسمى “خطة نور”.
وتشير، دلجين بوكاني، وهي الأخرى فتاة من إيران تعيش في كردستان العراق منذ سنوات، إلى أن المرأة في ظل النظام الإيراني تعتبر إنسانة من المرتبة الثانية، ولا يوجد أي توازن بينها وبين والرجل.
وتوضح دلجين لـ”الحرة”، “المرأة في إيران ليس لها حق الكلام والإبداء عن رأيها، عشت بنفسي ما تتعرض له المرأة من إهانة واعتداءات وسحل من الشعر في الشوارع والأماكن العامة، والمطالبة بحقوق المرأة وحريتها في إيران يستقبله النظام بالسجن والتعذيب”.
من جهتها تعتبر، هيفي عبد اللهي، الهاربة هي الأخرى من القمع في إيران، “النظام الإيراني أكبر عائق أمام النساء وحريتهن”.
وتردف هيفي لـ”الحرة”، “ضاع 18 عاما من عمري في ظل هذا النظام، عانيت من ظروف صعبة وتقييد، ولم أكن أشعر بوجودي في ظل ما يفرضه من قوانين على النساء، التي تسببت في جعل الاعتداء على المرأة ظاهرة يومية في شوارع إيران”.
وفي سبتمبر الماضي، صادق “مجلس صيانة الدستور” على قانون “حماية الأسرة من خلال تعزيز ثقافة الحجاب والعفة”، الذي سيدخل حيز التنفيذ قريبا، وكان البرلمان الإيراني قد أقر القانون في 20 سبتمبر 2023.
وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقرير أصدرته في 14 أكتوبر الماضي إن “السلطات الإيرانية أضافت قيودا جديدة وفرضت عقوبات صارمة جديدة على منتهكي قوانين اللباس الإلزامي في البلاد”، مشيرة إلى أن القانون يعزز العديد من التدابير القائمة أصلا لفرض الحجاب ويفرض عقوبات إضافية صارمة، مثل الغرامات وأحكام السَّجن الأطول، فضلا عن القيود المفروضة على فرص العمل والتعليم للمخالِفات.
وترى الناشطة، كيجان شكري، أن انتفاضة مهسا أميني لم تتمكن من تحقيق أهدافها بالكامل، والأسباب التي أدت الى اندلاعها ما زالت باقية.
وتضيف لـ”الحرة”، “لم تطرأ أي تغييرات في تعامل وسياسة النظام الإيراني، لكن من ناحية جذب انتباه المجتمع الدولي وزيادة وعي النساء كان للانتفاضة تأثير جيد ودفعت بالنساء في كردستان وإيران إلى الإصرار على حقوقهن وتحقيق أهدافهن”.
وبحسب هيومن رايتس ووتش، يحدد قانون الحجاب والعفة الجديد أشكالا مختلفة من الحجاب “غير اللائق”، مع عقوبات متفاوتة بحسب نوع الحجاب “غير اللائق” الذي تتهم النساء بارتدائه. مثلا، تتناول المادة 47 الأفراد المتهمين بارتداء ملابس “غير محتشمة”، بالنسبة للنساء والفتيات، يعني ذلك ارتداء ملابس ضيقة، أو ملابس تكشف أي جزء من الجسم أسفل الرقبة، أو فوق الكاحلين.
ويواجه أي شخص يظهر بمثل هذه الملابس في الأماكن العامة، بما فيها الفضاءات الافتراضية، غرامة بين 20 مليون ريال إيراني (31 دولار أميركي) إلى 500 مليون ريال (790 دولارا) اعتمادا على تكرار المخالفة. إذا تكررت المخالفة أكثر من أربع مرات، تتصاعد العقوبات لتشمل غرامة تصل إلى مليار و500 مليون ريال (2,380 دولارا)، ومنع السفر حتى عامين، وحظر الأنشطة عبر الإنترنت حتى عامين، والسجن حتى خمسة أعوام.