من الأزقة إلى اكتشاف الآثار.. عدسة الزمن لآرا غولر توثق تحولات تركيا

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 11 دقيقة للقراءة

قدمت متاحف قطر، بالتعاون مع متحف آرا غولر في تركيا، معرض “على خُطى آرا غولر: بصمة مصور”، لمدة 4 أشهر بدءا من أغسطس/آب الماضي، حيث ضم مجموعة واسعة من أعمال المصور الفوتوغرافي والمصور الصحفي العالمي الشهير آرا غولر، الذي ولد عام 1928 وتوفي عام 2018.

نشأ غولر في كنف عائلة أرمنية تركية، متأثرا بوالده الصيدلاني الذي شجعه على استكشاف عالم التصوير. ورغم انجذابه الأولي للسينما والمسرح، فإن القدر قاده إلى عالم الصحافة المصورة، ليصبح أحد أبرز المصورين الصحفيين في العالم.

بدأ مسيرته المهنية في صحيفة “يني إسطنبول” عام 1950، وارتقى سريعا في سلم النجاح. ففي عام 1961، صنفته مجلة “فوتوغرافي أنوال” البريطانية أحد أفضل 7 مصورين في العالم.

وثقت عدسة غولر لحظات تاريخية فارقة وشخصيات عالمية بارزة، من ونستون تشرشل إلى بابلو بيكاسو. كما أبدع في تصوير معالم إسطنبول وتراثها الغني، مخلدا روح المدينة في صور خالدة. ورغم شهرته العالمية، ظل غولر متواضعا، رافضا لقب “فنان التصوير” ومفضلا وصف نفسه بـ”المصور الصحفي”، إذ كان يؤمن بأن مهمته هي توثيق اللحظة، وليس خلق الفن.

وترك غولر وراءه إرثا بصريا ثريا يروي قصة تركيا وثقافتها عبر عدسته الفريدة. واليوم، تُعرض أعماله في متاحف عالمية، شاهدة على عبقرية رجل استطاع أن يجمع بين الصحافة والفن في مزيج فريد، جاعلا من الصورة لغة عالمية تتخطى حدود الزمان والمكان.

ولم يقتصر المعرض، على إبراز الاحترافية في عدسة غولر فحسب، بل جسد أيضا اجتهاده في تصوير روح تركيا وتراثها الثقافي. ومن خلال صوره البديعة لمدينة إسطنبول، وللاكتشافات الأثرية، وتصويره لبورتريهات معبّرة التقطها لشخصيات عالمية، سيخوض الزوار تجربة تُقرّبهم من المصدر الأصلي للأثر العميق الذي أحدثه غولر في مجال التصوير الفوتوغرافي، ولحرصه على حفظ الذاكرة الثقافية المشتركة.

ولد غولر في إسطنبول عام 1928، وحظي بشهرة واسعة على المستويين الوطني والدولي بصفته أستاذا بارعا في التصوير الصحفي وفن التصوير الفوتوغرافي. وبعد 90 عاما في هذه الحياة، كان غولر شاهدا على تاريخ تركيا الحديثة بالكامل تقريبا. فقد امتدت مسيرته المهنية لـ70 عاما، لتمثّل بذلك أعماله سجلا تاريخيا مصورا حافلا لتركيا وما يحيط بها.

وقدم معرض “على خُطى آرا غولر: بصمة مصور” نظرة شاملة لأعمال الفنان التي تصور سكان إسطنبول، وتكشف معالمها التاريخية، المخلّدة في عينيْه الفضوليتيْن. ويضم المعرض 155 صورة فوتوغرافية إلى جانب عدد من المراسلات، ومعدات التصوير، وكاميرات، وغيرها من تذكارات تابعة لمركز آرا غولر للأرشيف والأبحاث في إسطنبول.

معرض "على خُطى آرا غولر: بصمة مصوّر"

ونُظّم المعرض في 4 أقسام، يتناول أول قسم فيه صورا لإسطنبول، وهي المدينة التي أصبح اسم غولر مرتبطا بها. ويأخذ هذا القسم زواره في رحلة ثقافية وتاريخية بالمواقع التراثية الأثرية الغنية في تركيا، ومع صور بورتريهات لشخصيات شهيرة من القرن الـ20. ويختتم معرض هذا القسم بالكشف عن جانب مغمور من حياة الفنان، يقدّم فيه عرضا لفيلمه التجريبي “نهاية البطل”.

معرض "على خُطى آرا غولر: بصمة مصوّر"

نسيج خالِد

وقدم القسم التعريفي للمعرض، المعنون باسم “نسيجٌ خالِد”، أشهر صور التقطها آرا غولر للمسارات المفضلة لديه في إسطنبول، وتصاحبها مطبوعات تاريخية من المجموعات العامة لمتاحف قطر. وعلى خلفية تتزين بالمعالم المقدسة وجماليات الهندسة المعمارية الحضرية، يعكس غولر صورة لمدينة دائمة الحركة، أصواتها وروائحها تأبى أن تبقى قابعة في حواجز إطارات الصور.

معرض "على خُطى آرا غولر: بصمة مصوّر"

ويمدّ “نسيجٌ خالِدٌ” جسر الترابط بين العصور والآفاق، ويجمع بين بورتريهات لإسطنبول ذات اللمسة الدافئة ومقتنيات من مجموعة متاحف قطر العامة والشهيرة. وسيطّلع الزوار على صور مجسمة وأخرى مطبوعة على ورق مقهّر يعود إلى القرن الـ19، التقطها مصورون رواد مثل غولماز فرير، وهم 3 إخوة لديهم أستوديو في إسطنبول يلتقط سحر المدينة وجمالها، ويعرضها على الجماهير الغربية عن طريق صور قديمة نُشرت ككتب تذكارية وبطاقات بريدية. إذ تُقدَّم مناظر القسطنطينية هذه بطابعها الرومانسي إلى جانب تجسيدات دافئة لإسطنبول مصوّرة من آرا غولر، وتتناول تطور صورة المدينة وقوة التصوير الفوتوغرافي في مد الجسور بين الثقافات. ويكشف هذا القسم عن دور إسطنبول الخالد باعتبارها ملتقى للشرق والغرب، جاذبا زواره إلى استكشاف المدينة من خلال عدسات متعددة عبر الزمن.

معرض "على خُطى آرا غولر: بصمة مصوّر"

القسم التالي في المعرض هو “أصداء من الماضي”، ويسلط الضوء على شغف غولر بالتاريخ والتوثيق، حيث أثمر اجتهاده واهتمامه بالآثار بعضا من أهم التقارير المصوّرة والمعبّرة، شملت ما يمكن أن نسمّيه إعادة اكتشاف لمدينة أفروديسياس في خمسينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى “جبل نمرود”، وهما موقعان مدرجان الآن ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي.

وصاحب هذين التقريرين المصوّرين، وهما من أهم أعمال غولر، مجموعة من صوره الفوتوغرافية لمواقع تاريخية أخرى داخل تركيا، يعود تاريخها من العصر الحجري الحديث إلى مراحل مهمة من العهد العثماني. كما تُبرز السرديات البصرية والصورة الشاعرية دور التصوير الفوتوغرافي في رفع مستوى الوعي حول أهمية الحفاظ على إرث الماضي.

معرض "على خُطى آرا غولر: بصمة مصوّر"

ودار قسم “بصحبة طيّبة” حول صور البورتريهات التي التقطها غولر لكبار الكتّاب والفنانين والسياسيين والفلاسفة وغيرهم من الشخصيات البارزة في عصره، والذين كانوا أصدقاء رافقوه في حياته. كما يشمل هذا القسم مجسّما لكتاب يدوي الصنع بعنوان “أساطير الدنيا السبع” (Seven Landmarks of the World)، وهو عبارة عن مجموعة من الصور الملتقطة لـ7 شخصيات مرموقة في العالم، من ضمنها بابلو بيكاسو، وتينيسي ويليامز، وسلفادور دالي. بالإضافة إلى بورتريه للفنانة فخر النساء زيد، وهي صورة حصرية لهذا المعرض، مرفوقة بباقة من أعمالها الفنية من مجموعة متحف: المتحف العربي للفن الحديث.

معرض "على خُطى آرا غولر: بصمة مصوّر"

واختتم المعرض بعرض فيلم “نهاية البطل” (1973-1975)، وهو من إخراج وكتابة وإنتاج آرا غولر، يروي فيه قصة تفكيك الطراد الحربي ياووز، الذي كان له دور محوري لدخول الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى (1914-1918). فالفيلم عبارة عن دمج سينمائي بين مصادر مختلفة ومنهجيات بصرية متنوعة مصحوبة بموسيقى تصويرية غير مألوفة. ويتميز الفيلم أيضا بأنغام للموسيقي الشعبي الشهير روهي سو، بالإضافة إلى رسومات وصور تاريخية، وصور سينمائية للوثائقي، يضم بعضها ممثلين خلال الأداء.

معرض "على خُطى آرا غولر: بصمة مصوّر"

جدير بالذكر أن معرض “على خُطى آرا غولر: بصمة مصوّر” بتقييم فني من الشيخة مريم آل ثاني وفريق متحف آرا غولر.

عدسة الحياة اليومية

وتعليقا على هذه المناسبة، قالت الشيخة مريم آل ثاني، قيّم فني مشارك للمعرض: “هذا المعرض هو ثمرة تعاون خاص بين كل من متحف آرا غولر، ومركز آرا غولر للأرشيف والأبحاث، ومتاحف قطر، حيث يجمع بين صور آرا غولر الرائعة وأغراضه، مع قطع منسقة بعناية من مجموعاتنا العامة والواسعة، وبذلك فإننا نوسع دائرة الحوارات المثيرة، التي تُقدم وجهات نظر جديدة حول أعمال غولر ومقتنياتنا الخاصة”.

وأكدت الشيخة مريم آل ثاني في حديثها مع الجزيرة نت على أهمية الصورة وقدرتها على إيصال المعلومات وإبراز الثقافات، وهو ما أبدع فيه “آرا غولر” عبر عدسة كاميرته مصورا جمال مدينته إسطنبول، وأجواء الحياة اليومية فيها.

معرض "على خُطى آرا غولر: بصمة مصوّر"

وأضافت تشاغلا ساراتش، المستشار الفني لمجموعة دوش القابضة: “من خلال متحف آرا غولر، الذي يعتبر أول متحف في تركيا مخصّص لمصور بهذه المكانة، تكمن رسالتنا في عرض أعمال المصور الصحفي المشهور عالميا آرا غولر على شريحة واسعة من الجمهور، مع نقل إرثه للأجيال القادمة. ويسرنا للغاية أن نتعاون مع متاحف قطر لافتتاح أول معرض لهذا المتحف في قطر، والذي يضم مجموعة واسعة من أعمال آرا غولر وأغراضه المستمدّة من أرشيفاتنا. ويشرفنا أن نعرض صورا فوتوغرافية تعكس مختلف الموضوعات البارزة في أرشيف غولر، ونُقدّم هويته الفنية متعددة التخصصات لجمهورنا الموجود حاليا معنا ولجماهيرنا الجديدة على حد سواء”.

معرض "على خُطى آرا غولر: بصمة مصوّر"

توفي آرا غولر عن عمر يناهز 90 عاما، وبدأ التصوير في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات. وتقول “تشاغلا ساراتش” في حديثها للجزيرة نت، أن “آرا غولر” قام بتصوير غالبية تركيا الحديثة والجمهورية، فقد شهد الانتقال والتغييرات التي حدثت على مر السنين، ونجح في أن يكون شاهدا ومسجلا بصريا للأزمنة، فمن خلال صوره، نستطيع أن نشهد الآن هذه التغييرات.

“آرا غولر” قام بتصوير غالبية تركيا الحديثة والجمهورية، فقد شهد الانتقال والتغييرات التي حدثت على مر السنين، ونجح في أن يكون شاهدا ومسجلا بصريا للأزمنة

وأضافت ساراتش أنه بسبب مولده ونشأته في إسطنبول، وأنه أمضى حياته فيها فقد كان على علم بكل زاوية وحجر هناك، وهو ما نراه منعكسا على صوره، فيمكننا من خلالها أن نتبع مسارا عبر الشوارع التي كان يتردد عليها، وملاحظة أنه كان مراقبا جيدا للناس أيضا. وتقول إنه في اقتباس مشهور عنه أوضح أنه لن يكون هناك صورة بدون وجود الناس. لذلك كان لديه نهج إنساني جدا في التصوير الفوتوغرافي. ويمكن أن نرى جميع جوانب الحياة في صوره، فقد لاحظ العمال، وشظايا من الحياة اليومية، وعمال الميناء، وزوارق البحارة.

معرض "على خُطى آرا غولر: بصمة مصوّر"

كان غولر دائما ما يردد أنه مصور صحفي أولا وليس فقط فنانا، وفي هذا الشأن توضح ساراتش أن غولر بدأ بالفعل مصورا صحفيا وكان يعمل في العديد من الصحف والمجلات المختلفة، لذلك كان يتلقى مهام من هذه الصحف في إسطنبول وفي تركيا وحول العالم، ولقد جاءت هذه الصور من مهامه مصورا صحفيا. لهذا كان يقول ذلك، لأنه كان هناك لتوثيق ما رآه.

وتضيف ساراتش أن غولر كان لديه حب للتاريخ والتوثيق، وكان دائما مهتما بالآثار، وتعلمها، وتوثيقها، فسافر حول العالم لتسجيل المواقع الأثرية، لكن بشكل رئيسي في تركيا، التي كانت تزخر بالمواقع الأثرية، مثل جبل نمرود، وهو أحد أشهر وأهم تقاريره المصورة.

معرض "على خُطى آرا غولر: بصمة مصوّر"

وعندما كان في متحف الآثار في إسطنبول، رأى كتابا عن جبل نمرود، وبدأ في البحث عن هذا المكان، واكتشف تاريخه كمقبرة ملكية بنيت في القرن الأول قبل الميلاد. وفي يوم ما، تصادف مع فريق تصوير فرنسي كان ذاهبا لتوثيق المنطقة. وذهب معهم لالتقاط صور للمكان والمواقع. وبعد نشر هذه الصور التي ترونها في المعرض في العديد من الصحف، أصبحت واحدة من أبرز تقاريره المصورة.

ولقد تأسس كلّ من مركز آرا غولر للأرشيف والأبحاث ومتحف آرا غولر على يد مجموعة دوش القابضة.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *