وسط توتر عراقي إسرائيلي.. تحركات مريبة للميليشيات في سنجار

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 11 دقيقة للقراءة

على وقع المخاوف من تصعيد بين إسرائيل والعراق بعد تأكيد وزير الخارجية الإسرائيلي أن لبلاده “الحق في الدفاع عن نفسها” في حال استمرت الهجمات من الأراضي العراقية، يخشى سكان قضاء سنجار من تبعات كارثية في حال استخدمت ميليشيات موالية لإيران من جبل سنجار، قاعدة لشن هجمات على إسرائيل ومصالح أميركية في المنطقة.

ويحتل جبل سنجار موقعا استراتيجيا مهما يطل على الحدود العراقية السورية، ويمتد لمسافة تبلغ أكثر من 73 كيلومترا، تبدأ من الجهة الشمالية الغربية إلى الجنوبية الشرقية من قضاء سنجار.

والجبل، الذي يبلغ ارتفاعه أكثر من 1400 مترا، يحتضن العشرات من القرى والمزارع والحقول. وتنتشر على قمته مواقع عسكرية، بدأت ميليشيات باستغلالها منذ عام 2017، بالإضافة إلى وجود مواقع ومقرات وحدات مقاومة سنجار “اليبشة”، أحد اجنحة حزب العمال الكردستاني المعارض لأنقرة، المصنف جماعة إرهابية في الولايات المتحدة.

وتحدث موقع الحرة مع مصادر محلية، بينهم مواطنون وزعماء عشائر من سنجار، بالإضافة إلى ضباط في قوات الأمن، وقد أجمع هؤلاء على أن المنطقة تشهد نشاطا متصاعدا للميليشيات.

الرئيس العراقي: حان الوقت لتعيش شعوب المنطقة بعيدا عن الحروب

أكد الرئيس العراقي، لطيف رشيد، الجمعة، أن بلاده والمنطقة يمران بظروف عصيبة، تتطلب وضع حلول مناسبة لها ودراسة الأوضاع بشكل جيد.

وطلبت المصادر التي تحدث معها موقع الحرة عدم الكشف عن هويتها خوفا من التعرض للاستهداف من قبل الميليشيات.

وأبلغ مواطنون وشخصيات عشائرية يسكنون قرى الجبل وآخرون في المجمعات المحيطة به موقع “الحرة” بأنهم شاهدوا خلال الأسابيع الماضية وصول العديد من الشاحنات المغلقة الكبيرة إلى مقرات الفصائل المسلحة في أطراف الجبل ليلا وسط حراسة مشددة من قبل مسلحي الفصائل.

وأكدت المصادر المحلية أن وصول هذه الشاحنات إلى الجبل لم يكن مألوفا من قبل.

كما أكد الضباط، الذين تواصل معهم موقع “الحرة” في سنجار، أن المعلومات التي حصلوا عليها من الجبل عبر علاقاتهم مع مسلحي الفصائل، كشفت أن “الشاحنات كانت محملة بصواريخ وطائرات مسيرة متطورة إيرانية الصنع، وزعت ما بين مقرات الفصائل في أطراف الجبل وقمته استعدادا لاستخدامها في شن هجمات مستقبلية على المصالح الأميركية في سوريا وعلى إسرائيل”.

وحاول موقع “الحرة” الحصول على تصريح من قبل الجهات الحكومية والأمنية في قضاء سنجار ومحافظة نينوى عن تحركات للميليشيات في جبل سنجار، دون أي جدوى.

بيد أن نوابا حاورتهم “الحرة” على هامش فعاليات المنتدى الخامس للسلام والأمن في الشرق الأوسط الذي تستضيفه الجامعة الأميركية في محافظة دهوك، أكدوا أن ثمة مخاوف في هذا الإطار، وطالبوا 
بضرورة تطبيق “اتفاقية سنجار”.

وقال النائب عن محافظة نينوى، شيروان الدوبرداني، للحرة إن “المخاوف من التصعيد في محلها لاسيما في ظل نشاط بعض الفصائل وشن هجمات على إسرائيل من داخل العراق..”.

مع استمرار الهجمات على إسرائيل.. هل فشل العراق في تفادي “الحرب”؟

رغم تأكيدات الحكومة العراقية على إبعاد شبح الحرب عن البلاد ومحاولة إنهاء التوترات في المنطقة إلا أن الحكومة العراقية لم تتمكن حتى الآن من الحد من الهجمات التي تشنها المليشيات الموالية لإيران بشكل شبه مستمر على إسرائيل والمصالح الأميركية.

وأضاف “خلال الفترة السابقة استخدمت أراضي سنجار وزمار وسهل نينوى لشن هجمات على القواعد العسكرية في الإقليم، وكذلك القواعد الأميركية في سوريا لذلك فإن تطبيق اتفاقية سنجار هو كفيل بإنهاء تواجد أي فصائل أو ميليشيات أو قوات غير عراقية قد تستخدم الأراضي العراقية لشن هجمات على مواقع سواء داخل أو خارج العراق”.

وفي الإطار نفسه، قال النائب عن قضاء سنجار، ماجد شنكالي، للحرة إن “الحكومة العراقية وأغلب القوى السياسية تعمل على تجنيب العراق الدخول في الصراع الإقليمي، ولكن هنالك فصائل مسلحة تدعي المقاومة تعلن بين فترة وأخرى عن عمليات عسكرية ضد إسرائيل، لذلك فإن على الحكومة الاتحادية أن تكون أكثر حزما وبالتأكيد فإن تطبيق اتفاقية سنجار سيوجد الكثير من الحلول لهذه المنطقة”. 

وكان الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، اللواء يحيى رسول، قال، في بيان الأربعاء، إن “رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني وجه القوات المسلحة والأجهزة الأمنية كافة بمنع وملاحقة أي نشاط عسكري خارج إطار سيطرة الدولة”.

وأشار رسول إلى أن السوداني وجه بتعزيز الحدود العراقية الغربية من خلال النشاط المكثف والانتشار السريع ووضع الخطط اللازمة والعمل على تهيئة وضمان عمق أمني فعّال.

وأكد استمرار الحكومة في إجراءاتها لمنع استخدام الأراضي العراقية لشنّ أي هجوم، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الإجراءات الأمنية أثمرت بالفعل عن ضبط أسلحة معدّة للإطلاق، لكنه لم يكشف عن مكان ضبط الأسلحة المعدة للإطلاق.

واعتبر الضابط في جهاز المخابرات العراقي السابق، سالم الجميلي، منطقة سنجار موقعًا استراتيجيًا نظرًا لقربها من الحدود السورية وتوسطها بين الممرات التي تستخدمها إيران وفصائلها المسلحة لنقل الأسلحة والموارد إلى حلفائها في سوريا ولبنان.

وقال الجميلي لموقع “الحرة”، “في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، تزداد المخاوف من استغلال إيران لهذه المنطقة لتنفيذ هجمات تستهدف المصالح الأميركية في شرق سوريا وضرب إسرائيل. كما تُشكّل المنطقة معبرًا هامًا نحو شرق سوريا، حيث تتمركز القوات الأميركية في قواعد مثل التنف وحقول النفط”.

ويشير الجميلي إلى أن تضاريس سنجار الجبلية تجعلها منطقة مثالية لنقل الأسلحة وإخفاء الصواريخ بعيدة المدى، ويُعزّز ذلك وجود شبكات أنفاق قديمة كانت تُستخدم سابقًا من قِبَل تنظيمات إرهابية.

ويلفت الجميلي الى أنه ورغم بُعد سنجار عن شمال إسرائيل بحوالي 800 كلم جوًا، إلا أنها تُعد بيئة ملائمة للاختباء والتخفي، فضلاً عن كونها نقطة لنقل الأسلحة والصواريخ من إيران عبر العراق إلى سوريا، باستخدام معابر غير رسمية قريبة من سنجار.

ويرى الخبير الأمني بديع محمد أن التضاريس الجغرافية لمنطقة سنجار تمنح الميليشيات ميزة استراتيجية في شن هجمات على أهداف في شرق سوريا وشمال إسرائيل، مقارنة بالمناطق المفتوحة في غرب العراق، مثل الأنبار والنخيب، التي يمكن مراقبتها جويًا بسهولة ورصد التحركات فيها بدقة. وأشار الخبير إلى أنه “لهذا السبب ظهرت مؤشرات على تحول الجهد العملياتي للفصائل التابعة لإيران من غرب العراق إلى منطقة سنجار”.

وتتمركز العديد من الميليشيات الموالية لإيران في قضاء سنجار ومن ضمنه الجبل، في مقدمتها مليشيات كتائب حزب الله العراق والنجباء، وكتائب سيد الشهداء وعصائب أهل الحق وبدر وكتائب الإمام علي.

وقال العضو العامل في الفرع الـ17 للحزب الديمقراطي الكردستاني في سنجار، إدريس زوزاني، لموقع “الحرة”، “بالنسبة لاستخدام سنجار كمنطلق للهجوم على المصالح الأميركية، بالتأكيد هناك تواجد لمجاميع من الحشد الشعبي والمليشيات العراقية الأخرى الموالية لإيران، وايران قد تحرك هذه المليشيات في أي وقت لزعزعة الأمن في المنطقة”.

ويلفت زوزاني إلى تواجد للمليشيات ومسلحي العمال الكردستاني في أطراف الجبل، مشيرا إلى أن تحركاتهم في الجبل ليست علنية وهي تحركات خفية.

وتابع زوزاني أن “مسلحي العمال الكردستاني حفروا العديد من الأنفاق الطويلة في أطراف الجبل وفي مناطق عدة من سنجار كمناطق خانصور وسنوني وتل عزير والمناطق المجاورة لها، وهي تحتضن في الوقت نفسه مقرات للمليشيات الموالية لإيران أيضا”.

وتعرضت سنجار عام 2014 لهجوم تنظيم داعش، الذي نفذ عمليات إبادة جماعية ضد سكانها الإيزيديين وقتل وخطف الآلاف منهم، لكن بعد تحرير المنطقة من التنظيم في نوفمبر عام 2015 لم يتمكن غالبية سكانها من العودة اليها حتى الآن، بسبب تعدد القوات العسكرية المنتشرة هناك بالإضافة إلى الدمار الذي ألحقته المعارك.

وتشير إحصائيات رسمية حصل موقع “الحرة” عليها من إدارة مدينة سنجار الى أن عدد النازحين العائدين اليها حتى الآن بلغ نحو 40% من سكانها، بينما لايزال 60 % منهم نازحين في مدن إقليم كردستان.

اتفاقية سنجار

ووقعت الحكومة الاتحادية في بغداد مع حكومة إقليم كردستان في أكتوبر 2020، اتفاقية بإشراف دولي لتطبيع الأوضاع في سنجار، نصت على إخلائها من كافة المجموعات المسلحة، في مقدمتها حزب العمال الكردستاني والفصائل التابعة للحشد الشعبي، وتسليم ملفها الأمني للشرطة المحلية، تمهيدا لإعادة النازحين والبدء بالإعمار، لكن الاتفاقية لم تنفذ حتى الآن.

ويؤكد زوزاني أن لإيران الحصة الأكبر في عرقلة تنفيذ اتفاقية سنجار، وتساند المليشيات وحزب العمال الكردستاني، كي يكونوا عائقا أمام عودة أهالي سنجار النازحين الى مدينتهم بأمان.

وفي السياق ذاته، يقول النائب الإيزيدي في مجلس النواب العراقي، محما خليل، لموقع “الحرة” إن “الفصائل الموالية لإيران وقسما من الحشد وأتباع حزب العمال الكردستاني هم الذين يعيقون تطبيق اتفاقية سنجار حتى الآن”.

وانضمت وحدات مقاومة سنجار “اليبشة” نهاية عام 2020 إلى صفوف الحشد الشعبي ضمن الفوج “80”، وقد قتل اثنان من قادة الفوج في غارات للطيران المسير التركي استهدفتهما في سنجار خلال الأعوام الأربعة الماضية، بحسب بيانات سابقة لهيئة الحشد الشعبي.

ورأى المحلل السياسي في مركز “رامان” للبحوث والاستشارات، شاهو قرداغي، أن إيران لن تجازف وتستهدف إسرائيل من جبل سنجار.

وأوضح قرداغي لـ”الحرة” أن “إيران تعلم أن خيار استخدام جبل سنجار قد يجر معه تداعيات تضر بمصالحها داخل العراق، بدلاً عن ذلك تعتمد طهران حاليا على الساحة السورية واللبنانية وتحاول إبقاء العراق بعيداً عن دائرة الصراع، نظراً للمصالح الاقتصادية الكبيرة التي توفرها العلاقات التجارية لها”.

وكان وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، أعلن، في 18 نوفمبر الجاري، أنه وجّه رسالة إلى مجلس الأمن الدولي يحضّه فيها على الضغط على الحكومة العراقية لوضع حدّ لهجمات تشنّها على إسرائيل “مليشيات موالية لإيران”.

وفي الأشهر الأخيرة، أعلنت فصائل مسلحة عراقية موالية لإيران معروفة باسم “المقاومة الإسلامية في العراق”، مرارا عن هجمات بطائرات مسيّرة على أهداف في إسرائيل تضامنا مع قطاع غزة. وأعلنت إسرائيل اعتراض دفاعاتها الجوية عددا منها.

وأكّد ساعر، في رسالته، أنّ “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، على النحو المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، واتخاذ كل التدابير اللازمة لحماية نفسها ومواطنيها من الأعمال العدائية (…) للمليشيات المدعومة من إيران في العراق”.

في المقابل، أعربت السلطات العراقية عن رفضها “بشكل قاطع” للرسالة، معتبرة أنها “تصعيد خطير ومحاولة للتلاعب بالرأي العام الدولي لتبرير العدوان”، داعية “جميع الأطراف الفاعلة إلى رفض التصعيد وإعطاء الأولوية للحوار والالتزام بمبادئ القانون الدولي”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *