يعتبر علاء الدين سليم من المخرجين التونسيين الشباب الذين يسهمون اليوم في صناعة سينما تونسية جديدة، تحكي واقع المجتمع التونسي بتقنيات سينمائية جديدة وفريدة. ويعتبر فيلمه “طلامس” أحد أهم الأفلام التونسية في السنوات الأخيرة، وقد تميز بواقعية شديدة مزجت بخيال جامح، دفعت به إلى التتويج بعدد من الجوائز، منها جائزة أفضل فيلم في مهرجان الفيلم العربي في زيوريخ بسويسرا.
جندي هارب
يحكي “طلامس” قصة جندي تونسي يهرب من وظيفته بالجيش إثر مقتل زميله في عملية إرهابية ووفاة والدته. يحصل الجندي على عطلة لأسبوع من أجل تقبل العزاء في مصابه، لكنه يقرر الهروب من الخدمة العسكرية وبداية حياة جديدة خارج أسوار الثكنة العسكرية.
تلاحقه الشرطة في شوارع المدينة، لكنه يفر من المدينة، ويدخل في الغابة، حيث يعيش تجربة تعود بالمشاهد الى بدايات الإنسان، ويختار أن يتجرد من كل ملامح الحضارة بدءا من اختيار بيت مهجور للعيش فيه، وانتهاءا بأبسط السلوكيات.
يلتقي الجندي الهارب بامرأة هاربة وسط الغابة، وهي زوجة رجل من الطبقة الراقية، ولكنها لا تبدو سعيدة في حياتها الزوجية. تلد الزوجة الهاربة طفلا، ثم تتخلى عنه، وتضعه على الشاطئ ليجده والده.
الواقع والخيال
يمتزج الواقع بالخيال في الفيلم. تنتقل الكاميرا من المدينة إلى الغابة، لتقترب من الخيال هروبا من الواقع، أو هروبا من الحياة المشتركة إلى عيش البطل في عزلة، وهناك يفقد المكاسب الحضارية التي وصل إليها الإنسان، ويفضل لغة العين على لغة اللسان.
يعتبر مشهد خروج موظف الجيش من المدينة، بمظاهرها اليومية العادية، نحو الغابة حدثا رمزيا بدلالات عميقة، إذ يصور علاء الدين سليم البطل واضعا يده على جرحه النازف في شوارع المدينة، وعند خروجه منها، يخرج من الزمن الحاضر نحو الماضي البعيد، ومن فضاء يشمل حياة يومية عادية إلى آخر يتضمن حياة بدائية، ومن المحادثة الشفوية إلى التواصل عبر الرموز والملامح.
يصور المخرج التونسي علاء الدين سليم بطله وقد تحرر من كل شئ في الغابة، وهو ما يضعه في أعلى درجات الوجع والهوان بالنسبة للقيم التي يعرفها في المدينة، لكنه يستمر في خطة تهدف إلى الهروب من السلطة. إنه يهرب من المدينة الى الغابة حيث يجد أصوله الأولى كإنسان بدائي.
تقاطعات
ويعد مشهد الشخص الهارب في الغابة حمال أوجه، فهو مشهد له دلالاته وأصوله الفنية والتشكيلية في تاريخ الفن منذ الإغريق، لكنه اتخذ في السينما دلالات أخرى، منها التعبير عن واقع الحضارة المعاصرة، فالبطل الجريح الذي يفلت من عقاب أجهزة الدولة هو تجسيد لحقيقة وواقع الحضارة المعاصرة، ومحاولة الإفلات من كل أشكال السلطة والعودة إلى الإنسان البدائي، والبحث عن الحياة خارج أسوار الحضارة التي أنهكتها كل أشكال الرقابة والسلطة.
وهو، أيضا، مشهد واقعي رغم كونه يحتوي على أبعاد خيالية، فهو يعبر عن حقيقة الحضارة والثقافة والمجتمع والعالم المعاصر. ثمة بطل يكشف عن جرحه النازف ورغبته في الهروب من كل ما يرمز لرقابة الحضارة من أجل أن يعود إلى ذاته.
يختتم علاء الدين سليم الفيلم بمشهد يجد فيه والد الطفل ابنه على الشاطئ، فيقرر العودة به في حين يظل أمر البطلين مبهما وهو مشهد رمزي آخر يكشف أن التجربة التي عاشها البطلان في العودة إلى الماضي هي تجربة خيالية، وينتهي الفيلم بالعودة إلى المدينة، و كأنه يعلن عن حتمية استمرار الحضارة و استمرار المدينة و العالم وفقا لقواعده وقوانينه الحالية.
إجمالا بني الفيلم على تقاطعات بين الحياة والموت، وبين الحرية والسلطة، ويتنقل البطل بينها مدفوعا برغبته في التحرر من كل أشكال السلطة، ولم تكن رحلة الجندي الهارب سوى تجربة واقعية ورمزية في آن واحد، فهي تحدث في ذهن شخص اقتنع بضرورة العيش حرا.