باكو – قال إلدار نامازوف، مستشار الرئيس السابق لأذربيجان حيدر علييف، إن مغادرة السكان الأرمن لناغورني قره باغ جاء نتيجة سياسة التخويف التي مارستها الحكومات المتعاقبة في يريفان على سكان الإقليم، في الوقت الذي كانت ولا تزال باكو تدعوهم إلى البقاء فيه.
وفي حديث خاص للجزيرة نت، أكد نامازوف أنه بعد تسوية هذا الملف أصبح الطريق الآن ممهدا لتطبيع العلاقات بين البلدين، إذ شكّل لعقود سبب الحروب والتشنجات بين باكو ويريفان.
كما شدد نامازوف على أن العلاقات مع تركيا هي تحالفية بامتياز، وأن أي نصر تحققه أذربيجان هو انتصار لتركيا، والعكس صحيح.
وفيما يلي نص المقابلة التي أجرتها معه الجزيرة نت:
كيف سيكون مصير من تبقى من الأرمن في ناغورني قره باغ؟ وهل سيبقى الباب مفتوحا لمن يريد العودة منهم بعد المغادرة؟
في البداية يجب القول بأن أذربيجان تريد أن يبقى جميع الأرمن في ناغورني قره باغ، ولكن للأسف توجد فكرة سائدة في أرمينيا، مفادها أن الأرمن والأذربيجانيين لا يمكن الجمع بينهم جينيا، ولا يمكنهم العيش سويا، نحن دائما كنا نعارض فكرة أن لا يكون في أرمينيا أذربيجاني واحد، وأن لا يكون أرمني واحد في أذربيجان، مع ذلك كان قرار مغادرتهم للإقليم طوعيا.
إن فكرة استحالة العيش المشترك طغت على السكان الأرمن، رغم محاولتنا إقناعهم ببرنامج الاندماج وضمان الأمن وتوفير كافة الحقوق، بل عرضنا العفو العام تجاه من قاتلنا، لكن الجزء الأكبر من الأرمن غادر لأنه صدّق الدعاية الرسمية في يريفان.
أذربيجان دولة متعددة القوميات، وتعتبر التعددية واحترام التنوع “علامتنا التجارية”، يعيش لدينا عشرات الشعوب من مختلف الأعراق والديانات بأمن وسلام، وقد عرضنا على الأرمن أن يكونوا جزءا من هذا المكون مع التمتع بكافة الحقوق.
أما بخصوص من يمكن أن يقرر العودة، فنحن نريد أن يعود الجميع، وأبوابنا مفتوحة لهم، لكن المشكلة الوحيدة التي يمكن أن تبرز هي أنه على مدار 30 عاما من احتلال ناغورني قره باغ، عملت أرمينيا على توطين كثير من الأرمن من دول مختلفة من العالم، ممن لم يعيشوا من قبل في الإقليم، وهذا شيء غير قانوني، ويخالف أحكام معاهدة جنيف، التي تمنع إجراء تغييرات ديمغرافية في المناطق المحتلة، بالتالي هؤلاء لن يكون لهم حق العودة إلى الإقليم.
لماذا تصر السلطات الأذرية على ملاحقة المسؤولين في السلطات السابقة في الإقليم وهو ما قد يبقى التوتر قائما، هل يمكن إصدار إعلان عفو عام لطي صفحة الأزمة مع أرمينيا؟
لقد وقعت مناطقنا تحت الاحتلال نحو 30 عاما، وخلال هذا الوقت تم طرد نحو مليون أذري من بيوتهم، وجرى ارتكاب جرائم هائلة هناك، وعمليات إبادة جماعية، كما حصل في منطقة فوجالاخ، حيث راح ضحيتها أطفال ونساء، وأمثلة كثيرة أخرى جرى خلالها قتل الأذريين، وترك البقية يهربون، إذ لم يبق في عدد كبير من هذه المناطق أذري واحد.
ومن ارتكب هذه الجرائم هم موجودون في قرع باغ، من بينهم عناصر تزعمت لاحقا تشكيلات مسلحة خارجة عن القانون، ومن تعرض للاضطهاد من الأذريين قاموا بتقديم إفادات عما حصل معهم، تضمنت أسماء من ارتكب الفظائع في تلك المناطق، ممن أشرفوا على عمليات القتل والتهجير، وقمنا برفع قضايا جنائية ضد نحو 300 شخص، جرى توثيق ارتكابهم جرائم بناء على إفادات الضحايا.
الرئيس إلهام علييف أعلن قبل الحرب الأخيرة أنه إذ وافق أرمن قره باغ على عرض باكو بالحوار وبدء عملية الاندماج، فإننا نعرض عليهم في المقابل العفو العام، وذلك لإغلاق هذا الملف، وقد رحبت بهذا المقترح كل من روسيا والولايات المتحدة وفرنسا، لكن الجانب الأرمني رفضه، مما دفعنا إلى شن حرب اليوم الواحد.
في حال إلقاء القبض على هؤلاء المجرمين سيجري التعامل مع كل حالة على انفراد، بناء على تصرف هذا الشخص بعد الحرب، وهل قام بتسليم السلاح وترك التشكيلات المسلحة أم لا.
العلاقات مع يريفان ما زالت في أسوأ حالاتها، ولكن ألا يشكل إغلاق ملف قره باغ مقدمة لتطبيع العلاقات، طالما تم حل الخلاف التاريخي معها بشكل نهائي؟
التوتر في العلاقات مع يريفان كان بسبب وجود نظام انفصالي في قره باغ، تلقى كافة أشكال الدعم من السلطات الأرمينية وهو ما انعكس سلبا على الحوار بين باكو ويريفان.
الآن هذه المشكلة لم تعد قائمة، وبالتالي أمام الحكومة الأرمينية فرصة توقيع معاهدة مع أذربيجان، لأنه لم تبقَ خلافات جوهرية على مستوى العلاقات الثنائية، التي يجب ويمكن أن تقوم على مبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
اللقاء المقبل بين رئيسي البلدين سيكون في إسبانيا، وأعتقد أنه بعد ذلك ستكون لقاءات أخرى بصيغ وأماكن مختلفة.
إن حل ملف ناغورني قره باغ بلا شك يوفر أرضية مناسبة لتطبيع العلاقات بين البلدين، رغم وجود إشكالية تتعلق بممر زنغزور.
توصف تركيا بأنها المستفيد الأكبر من الوضع الجديد في الإقليم، كيف ترى شكل هذه الاستفادة؟ وهل بإمكان تركيا فتح ممر زنغزور في ظل المماطلة الأرمينية والمعارضة الإيرانية؟
تركيا هي حليف رسمي لنا، ولنا معاهدة تحالف سياسي وعسكري معها، وحيث تنتصر أذربيجان تنتصر تركيا، والعكس صحيح، كما أن الوضع في جنوب القوقاز يتغير، وتركيا لديها أكبر جيش في الناتو من بين البلدان الأوروبية، ولدى أذربيجان أقوى جيش في جنوب القوقاز، إن هذا الاتحاد يعبّر عن قوة مهمة.
ممر زنغزور مشروع فريد، وإذا تم فتحه سيكون بمثابة مركز إقليمي، فمن خلاله يمكن مد خطوط السكك الحديدية إلى أرمينيا وتركيا وإيران، والجميع يريد الاستفادة منه كالصين وبلدان آسيا الوسطى وروسيا، التي سيكون بوسعهم الوصول إلى الأسواق الأوروبية من خلال هذه الخطوط، الجميع مستفيد.
وإيران في الواقع لا تعارض هذا الممر، لكنها تريد أن يمر بعمق 5 كيلومترات داخل أراضيها، ومن هناك إلى ناختشيفال، طهران تعارض أن يكون الممر عبر أرمينيا، وتريده أن يمر من خلال الأراضي الإيرانية.
موقف الجمهورية الإسلامية مفهوم، لأن عبور الممر من خلال أراضيها سيمنحها فرصة تحصيل الأموال، لكن أرمينيا في هذه الحالة ستكون في نفق مغلق، وستصبح في عزلة مواصلات جيوسياسية وهي أصلا موجودة فيها حاليا.
من هنا على الجانب الأرميني التفكير مليا، لأن معارضة يريفان لهذا الممر قد يؤدي إلى مدّه من خلال إيران، وبالتالي ستكون أرمينيا الخاسر الأكبر، وعبثا يشعر الجانب الأرميني بالفرح لما يعتقد أنه تأييد من طهران لموقفه، فإيران لا تؤيد أرمينيا في واقع الحال، بل تريد أن يسير الممر من خلال أراضيها.
وصلت الأحد بعثة تابعة للأمم المتحدة إلى قره باغ، ما الذي كان يمنع البعثات الأممية من الوصول للإقليم على مدى 30 عاما؟ وما الذي ينتظر أن تقدمه البعثة للإقليم؟
ليس فقط الأمم المتحدة، بل كثير من المنظمات الدولية لم تتوجه إلى تلك المناطق، لأنهم يهتمون فقط بذلك الجزء من قره باغ حيث يعيش الأرمن، أما نحن فكنا نطالبهم بأن يتوجهوا إلى المناطق المدمرة التي احتلها الأرمن لكي يقوموا بتسجيلها، كمنطقة أغدام، التي تحولت إلى هيروشيما جنوب القوقاز.
هناك 7 مناطق جرى تسويتها بالأرض، لكنهم رفضوا وأصروا على الذهاب فقط إلى المناطق التي يعيش فيها الأرمن ليستمعوا إلى شكاويهم ضدنا.
الآن، وبعد أن حسمنا ملف ناغورني قره باغ، فقد قرروا الذهاب إلى هناك، سيقومون بالمرور من خلال مناطقنا، وستكون أمامهم فرصة الاطلاع على التدمير الذي لحق بالمناطق التي كان يقطنها الأذريون، وبعد ذلك سيتوجهون نحو المناطق التي يقطنها الأرمن، نحن لا نمانع بذلك على الإطلاق، بل مستعدون للتعاون مع كافة المنظمات الدولية على هذا الاتجاه.
كانت أذربيجان تاريخيا أحد أهم المحطات على طريق الحرير القديم، كيف ترى تأثير إحكام أذربيجان السيطرة على إقليم قره باغ على مشروع إحياء طريق الحرير الجديد؟
تاريخيا، طريق الحرير هو هناك حيث ننوي الآن مدّ ممر زنغزور، حل مسألة ناغورني قره باغ أسهم بشكل كبير بتعزيز الأمن في جنوب القوقاز، إذ لم تبقَ مبررات للحروب، فأذربيجان حررت أراضيها، وأرمينيا -حتى لو أرادت- فإنها لن تستطيع شن أي حرب.
تعزيز الأمن بجنوب القوقاز سينعكس إيجابا على تطوير موضوع المواصلات، لأن المواصلات لا يمكن أن تتطور في ظروف الحروب والنزاعات وانعدام الاستقرار، لقد بنينا الممر الجنوبي، وممرات كثيرة أخرى لعبور الغاز والنفط، ووقعت عشرات البلدان الأوروبية اتفاقيات مع باكو بخصوص التعاون الإستراتيجي، كما أن الاتحاد الأوروبي نفسه وقع اتفاقية معنا في مجالي الطاقة والمواصلات.
تحولت أذربيجان إلى أحد اللاعبين اللوجستيين على طريق خط الحرير، وهو ما أظهر حكمة الرئيس إلهام علييف، لأنه بنى هذه الممرات بأموال أذربيجانية، ولم يساعده أحد في ذلك، لا الاتحاد الأوروبي ولا صندوق النقد الدولي ولا البنك الدولي.
كثير من الجهات كانت تقول إن أذربيجان محاطة بعدم الاستقرار، وإن أوروبا تعتزم التحول إلى الطاقة الخضراء، ولهذا، فهي غير معنية بتمويل المشاريع المتعلقة بالنفط والغاز، مع ذلك تمكنت أذربيجان بالأموال التي جمعتها من الاحتياطي الخاص بها بمدّ جميع هذه الممرات والخطوط.
عندما صرفنا المليارات، تساءل كثيرون لماذا يقوم إلهام علييف بصرف أموال هائلة على هذه المشروع، الذي لا تتوفر إمكانية لتغطية نفقاته، ولكن بعد مرور 10 سنوات تقريبا بدأ الكل يقول إن قراره كان حكيما وذكيا، فقد نجح ببناء جميع خطوط المواصلات التي نملكها الآن، وهناك عشرات البلدان الأوروبية التي تريد الاستفادة منها.
هذا يشكل نجاحا للدبلوماسية والسياسة الخارجية لأذربيجان، التي حولت البلاد إلى نقطة إستراتيجية على تقاطع الشمال والجنوب، والشرق والغرب، وهذا لا ينحصر في الموقع الجغرافي، بل في امتلاك بنية تحتية ضخمة أنفقنا على توفيرها عشرات المليارات من الدولارات خلال العقود الأخيرة لنصبح لاعبا مركزيا.