قلق من تباطؤ النمو السكاني بالمغرب.. أية تداعيات؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

الرباط – لم يتجاوز معدل النمو السكاني بالمغرب 0.85% وفق النتائج الأولية للإحصاء العام للسكان والسكنى لعام 2024 التي أعلنت عنها المندوبية السامية للتخطيط، الجهاز الموكل إليه إعداد ونشر الإحصاءات الرسمية.

وانتقل عدد السكان من 33 مليون عام 2014 إلى 36.8 مليون عام 2024، مما أثار نقاشا في المغرب حول المستقبل الديمغرافي للبلاد في ظل الانخفاض المسجل في معدل النمو، وحول التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لهذا الأمر.

وشهد معدل النمو السكاني انخفاضا متواصلا طيلة العقود الماضية، إذ انتقل متوسط هذا المعدل من 2.6% بين 1960 و1982، إلى 1.25% بين 2004 و2014، ووصل إلى 0.85% بين 2014 و2024.

بالمقابل ارتفع عدد الأسر مقارنة بإحصاء 2014 بحوالي مليون و900 ألف أسرة، أي بمعدل نمو سنوي يقدر بنحو 2.4%.

وعرف المغرب طيلة شهر سبتمبر/أيلول الماضي إجراء الإحصاء العام للسكان والسكنى في نسخته السابعة.

ونُظم أول إحصاء في البلاد في يونيو/حزيران 1960 بعد 4 سنوات من إنهاء الحماية الفرنسية، إلا أن أول إحصاء عام لكافة التراب الوطني تمّ عام 1982 حيث شمل الأقاليم الجنوبية بعد تحريرها من الحماية الإسبانية.

ويحرص المغرب على تنظيم التعداد السكاني مرة كل 10 أعوام، كما أوصت بذلك الأمم المتحدة.

وتميز التعداد الأخير باعتماد التكنولوجيا الرقمية في مختلف مراحله لأول مرة، وتتيح النتائج التي يوفرها بيانات رسمية عن المميزات الديمغرافية والسوسيو اقتصادية مثل التركيبة السكانية والزواج والخصوبة والهجرة والوفيات، ثم الإعاقة والتعليم والنشاط الاقتصادي والحماية الاجتماعية واستعمال أجهزة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وأنواع السكن والظروف المعيشية للأسر.

السكان القانونيون

وفق النتائج الأولية التي تتوفر الجزيرة نت على نسخة منها فقد:

  • بلغ عدد السكان القانونيين للمملكة المغربية في الأول من سبتمبر/أيلول الماضي 36.8 مليون نسمة من بينهم 148 ألف أجنبي.
  • عرف عدد السكان القانونيين زيادة بلغت حوالي 2.9 مليون نسمة مقارنة بإحصاء 2014.
  • بلغ عدد السكان في المدن 23 مليونا و110 آلاف نسمة بمعدل نمو سنوي قدره 1.24%.
  • بلغ عدد سكان القرى 13 مليونا و718 ألف نسمة بمعدل نمو سنوي قدره 0.22%.

الأسر وعدد أفرادها

أظهرت نتائج التعداد السكاني أن:

  • عدد الأسر في المغرب بلغ 9 ملايين و275 ألف أسرة، ومقارنة بإحصاء 2014 فقد ارتفع هذا العدد بمليون و961 ألف أسرة، أي بمعدل نمو سنوي قدره 2.4%.
  • تعيش 6 ملايين أسرة في المدن، في حين تعيش 3 ملايين في القرى.
  • بالمقابل، انخفض متوسط عدد أفراد الأسرة من 4.6 إلى 3.9 أفراد بين 2014 و2024 على مستوى كامل البلاد، ومن 4.2 إلى 3.7 أفراد في المدن مقارنة بـ5.3 إلى 4.4 في القرى.

توزيع السكان على الجهات والمدن

وفق نتائج الإحصاء الجديد:

  • يتركز أكثر من 70% من السكان في 5 جهات.
  • تتصدر القائمة جهة الدار البيضاء الكبرى، حيث يستقر نحو 30% من مجموع السكان بها، تليها جهة الرباط سلا القنيطرة، ثم جهة مراكش آسفي.
  • تضم 7 مدن كبرى 37.8% من السكان الحضريين، ما يزيد على 3 ملايين منهم يقيمون في الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية، تليها طنجة ثم فاس ومراكش التي تصنف ضمن المدن المليونية.

موسى المالكي: المؤشرات الديمغرافية مثيرة للقلق إذا لم يتم تداركها عبر تعزيز القدرة الشرائية، ودعم مجانية خدمات التعليم والصحة، وتوفير السكن بأسعار معقولة، ورفع التعويضات العائلية

تزايد يخفي تراجعا

يرى أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط موسى المالكي أن العودة إلى الإحصاءات السابقة التي أنجزها المغرب منذ استقلاله ضرورية في فهم نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لعام 2024، خاصة على مستوى وتيرة النمو السكاني، ومحاولة استشراف انعكاساته المستقبلية اجتماعيا واقتصاديا.

وبحسب رئيس الجمعية المغربية للأبحاث الجغرافية والإستراتيجية، فقد انتقلت الساكنة المغربية من 11.6 مليون نسمة عام 1960 إلى 36.8 مليون نسمة عام 2024، وهذا التزايد الظاهري في الأرقام المطلقة (تضاعف 3 مرات في غضون 64 عاما) يخفي في طياته تراجعا واضحا على مستوى معدلات النمو السكاني السنوي.

وبتحليل هذه الأرقام، خلص المتحدث إلى استنتاج 3 اتجاهات كبرى تهم النمو الديمغرافي:

  • أولها، استقرار السكان بالمدن والمناطق الحضرية (المستقطبة) على حساب الأرياف والمناطق القروية (الطاردة)، حيث تراجعت نسبة الساكنة القروية من مجموع السكان من 71% عام 1960 إلى 37% عام 2024، بل إن 7 مدن فقط تحتضن نحو 40% من السكان الحضريين.
  • الاتجاه الثاني، وهو التركز الجغرافي للسكان في جهات بعينها، خاصة بالشمال الغربي للبلاد، إذ تركز 5 جهات فقط (من أصل 12)، مما يمثل أزيد من 71% من مجموع السكان.
  • الاتجاه الثالث، هو تباطؤ النمو السكاني، وما يشكله من خطر الدخول في المرحلة الصفرية، بل التراجعية، في حال استمرار المنحى نفسه، وهذا يستدعي سياسات سكانية تستبق هذه المخاطر.

 

المندوبية السامية للتخطيط الجهاز الموكل إليه إعداد ونشر الإحصاءات الرسمية في المغرب (الجزيرة)

نتائج متوقعة

بالنسبة لأستاذ علم الاجتماع بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة حسن قرنفل، فإن انخفاض نسبة النمو السكاني في البلاد كان نتيجة متوقعة.

وأوضح قرنفل، في حديث للجزيرة نت، أن المغرب تحوّل خلال العقود الماضية من مجتمع قروي إلى مجتمع حضري مع ما يرافق معطى العيش في المدينة من تبني أساليب جديدة منها العيش داخل أسر نووية وقليلة العدد.

وقال إن “العيش في المدينة يفرض إكراهات اجتماعية تتعلق بتدبير السكن والشغل وتكاليف التعليم والصحة مما يدفع الأسر بشكل إرادي إلى التقليل من عدد الأطفال”.

وأضاف المتحدث معطى آخر يفسر هذه النسبة المنخفضة في النمو، وهو هجرة الشباب التي ارتفعت في السنوات الأخيرة وخاصة في صفوف الشباب الجامعيين الذين يهاجرون لاستكمال تكوينهم في الخارج أو العمل والاستقرار في بلد المهجر بعد التخرج.

ويفسر حسن قرنفل تركز الساكنة في 7 مدن كبرى بالعوامل الاقتصادية أساسا، حيث تشهد هذه المدن أنشطة اقتصادية وصناعية وتجارية، لذلك تستقطب أكبر عدد من السكان الباحثين عن فرص عمل.

حسن قرنفل: انخفاض الخصوبة وارتفاع أمد الحياة سيكون لهما تأثير اقتصادي كبير

مؤشرات مقلقة

وبالمقارنة مع انخفاض معدل النمو، أظهرت نتائج الإحصاء ارتفاعا في عدد الأسر، ويفسر حسن قرنفل ذلك بالميل إلى نموذج الأسرة النووية التي تتكون من زوجين وأبناء، وأيضا ارتفاع عدد الذين يعيشون منفردين عن باقي عائلاتهم ويشكلون أسرا مستقلة لوحدهم.

وأشار المتحدث إلى أن انخفاض الخصوبة وارتفاع أمد الحياة سيكون لهما تأثير اقتصادي كبير لأن عدد المتقاعدين سيرتفع بالمقابل وسيبقى عبء تقاعدهم وعيشهم على الأجيال التي لا تزال في سوق الشغل.

وأضاف “كلما تقلصت الأجيال التي تمارس أنشطة اقتصادية وارتفع عدد المتقاعدين يكون هناك ضغط على موارد البلاد وتخوف من انهيار ديمغرافي كما حصل في دول مثل اليابان وإيطاليا وغيرهما من الدول الأوروبية”.

ويتفق موسى المالكي على أن تعويض الأسر النووية الصغيرة للأسر الممتدة يدل على تحولات اجتماعية وثقافية عميقة أثرت بشكل كبير على السلوك الديمغرافي للمغاربة.

ويرى المتحدث أن المغرب بوصفه قوة إقليمية وصناعية صاعدة في شمالي غربي أفريقيا، يحتاج ليد عاملة نشيطة ومؤهلة للإسهام في تحقيق نهضة اقتصادية على مختلف الأصعدة.

لذلك يعتقد أن المؤشرات الديمغرافية التي قدمها الإحصاء العام مثيرة للقلق إذا لم يتم تداركها من خلال تعزيز القدرة الشرائية، وصون مجانية خدمات التعليم والصحة وجودتها، وتوفير ودعم السكن بأسعار معقولة، ورفع التعويضات العائلية المخصصة للأطفال.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *