اختبار الجزيرة.. قياس “مشاعر الإعلام” حول الانتخابات الأميركية بالذكاء الاصطناعي

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 9 دقيقة للقراءة

في عالم السياسة، لطالما كان الإعلام جزءا حيويا في تشكيل الرأي العام وتوجيه اهتمامات الناخبين. تُعرف نظرية ترتيب الأولويات (Agenda-Setting Theory) بقدرتها على تفسير هذه الظاهرة، إذ تلعب وسائل الإعلام دورا مهما في إبراز قضايا معينة وتجاهل أخرى، مما يجعل الجمهور يراها على أنها الأكثر أهمية.

ومع صعود وسائل التواصل الاجتماعي في بداية الألفية، أصبح للأفراد والمنظمات إمكانية غير مسبوقة للوصول إلى الجماهير، وتوجيه النقاشات العامة بطريقة أكثر تأثيرا مما كانت تفعله وسائل الإعلام التقليدية وحدها. هذا التطور غيّر قواعد اللعبة، وأعطى الحملات الانتخابية فرصة كبيرة للتفاعل المباشر مع الناخبين وقياس ردود أفعالهم بسرعة.

هذا دور الإعلام المعروف منذ زمن، ولكن السؤال المهم متى بدأ التحالف بين الإعلام والتكنولوجيا في مجال الانتخابات، وكيف أصبحت التكنولوجيا هو البعبع الذي يخاف منه الجميع في مجال تغيير مسار الانتخابات، من أخرج هذا المارد وجعله يتكلم بمصائر ملايين الناخبين ويوجه الحملات الانتخابية؟

أوباما أم المارد؟.. من ساعد الآخر لدخول البيت الأبيض؟

في عام 2008 صُدم العالم بدخول أول رئيس من ذوي البشرة السمراء للبيت الأبيض، بعد أن أصبح باراك أوباما الرئيس الـ44 للولايات المتحدة وأول رئيس من أصول أفريقية يتولى هذا المنصب.

حصل أوباما في تلك الانتخابات على 365 صوتا في المجمع الانتخابي، متجاوزا الحد الأدنى المطلوب للفوز وهو 270 صوتا، بينما حصل منافسه الجمهوري جون ماكين على 173 صوتا.

في التصويت الشعبي، نال أوباما 52.9% من الأصوات، مقابل 45.7% لماكين. وأظهرت النتائج أن أوباما تمكن من الفوز في ولايات كانت تقليديا تميل للجمهوريين، مثل أوهايو وفرجينيا، مما ساهم في تحقيقه لهذا الانتصار الكبير.

بعد إعلان النتائج، ألقى أوباما خطاب النصر في شيكاغو أمام حشد كبير من مؤيديه، مؤكدا أن “التغيير قد أتى إلى أميركا”.

والحقيقة أن التغيير هذا اليوم لم يأت إلى أميركا فحسب، بل أتى أيضا للعملية الانتخابية بحد ذاتها فقد تميزت هذه الانتخابات بإقبال كثيف من الناخبين، إذ بلغت نسبة المشاركة نحو 64.1%، وهي من أعلى النسب منذ الستينيات.

وأيضا تميزت هذه الانتخابات باستخدام حملة أوباما الانتخابية منهجية وتكنولوجيا جديدة لم تكن تستخدم سابقا في الانتخابات بهذا الشكل وهي تكنولوجيا “تحليل المشاعر” (Sentiment Analysis) التي أدخلها أوباما لعالم الانتخابات، وكانت السبب الأكبر في دخوله البيت الأبيض.

ما منهجية تحليل المشاعر وكيف تستخدم الذكاء الاصطناعي؟

تقوم منهجية “تحليل المشاعر” على استخدام تقنيات معالجة اللغة الطبيعية وتحليل النصوص لتحديد وتقييم المشاعر والآراء الواردة في البيانات النصية، مثل المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، أو المقالات، أو التعليقات.

ويهدف هذا التحليل إلى فهم إذا ما كانت المشاعر إيجابية، سلبية، أو محايدة، مما يساعد في تقييم توجهات الرأي العام.

بناء على هذا الفهم، يعمل القائمون على الحملات الانتخابية بتغيير رسائلهم للتماشي مع التحليل الذي حصلوا عليه من هذه المنهجية.

سوف نأخذ مثال حملة أوباما 2012 التي استخدمت الذكاء الاصطناعي ومنهجية تحليل المشاعر لتحليل ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي والتعليقات العامة حول القضايا الساخنة، مثل الرعاية الصحية والاقتصاد.

وبمجرد ملاحظة تغير في استجابات الجمهور، كانت الحملة تقوم بتعديل رسائلها لتستجيب للاهتمامات المتزايدة أو المخاوف الجديدة.

فمثلا إذا لاحظت الحملة زيادة في المخاوف الاقتصادية، فكانت تزيد من الإعلانات والمحتوى الذي يركز على إنجازات أوباما الاقتصادية وخططه لتقليل البطالة.

اختبار الجزيرة لتبسيط مفهوم منهجية تحليل المشاعر وأدواتها

لتبسيط مفهوم منهجية تحليل المشاعر التي استخدمها أوباما في حملته الانتخابية عامي 2008 و2012، أنشأت صفحة تكنولوجيا بمساعدة باحثين مستقلين في مجال الذكاء الاصطناعي صفحة تستخدم الذكاء الاصطناعي في عملية تحليل المشاعر لتحليل انتخابات الرئاسة الأميركية القائمة حاليا بين المرشح الجمهوري دونالد ترامب والمرشحة الديمقراطية كاميلا هاريس.

تحليل مشاعر الإعلام

استندت هذه التجربة في مصادرها على التغطية الإعلامية وليس على نتائج الاستطلاع أو المحللين ومراكز الأبحاث ولا على المنشورات على منصات التواصل الاجتماعي لذلك يمكن اعتبارها أنه تحليل “مشاعر التغطية الإعلامية” للانتخابات الأميركية 2024.

ومع أنه يمكن استخدام هذه المنهجية على جميع ما ذكر إلا أن هدف صفحة الجزيرة تكنولوجيا من وراء هذه الصفحة هو إظهار دور التكنولوجيا في مجال الإعلام وتأثيره على الانتخابات لذلك ركزنا على تحليل مشاعر الإعلام حول الانتخابات.

لماذا 8  مواضيع لاختبار مشاعر الإعلام حولها؟

استندنا في اختيار المواضيع التي يتناولها الإعلام في مجال الانتخابات على نظام “13 مفتاحا للبيت الأبيض” وهو نظام توقع سياسي وضعه المؤرخ الأميركي ألان ليكتمان.

يعتمد النظام على مجموعة من 13 “مفتاحا” أو مؤشرا يُستخدم لتوقع نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية. كل “مفتاح” هو عبارة عن عامل مرتبط بوضع البلاد بشكل عام وليس بأداء مرشح معين، مثل الوضع الاقتصادي والأحداث الاجتماعية والسياسية.

يعمل النظام على مبدأ أن الانتخابات الرئاسية الأميركية تُعتمد بشكل أكبر على أداء الحزب الحاكم والأوضاع العامة في البلاد، وليس على مواقف المرشحين أو برامجهم الانتخابية.

إذا كان الحزب الحاكم يحتفظ بأغلبية المؤشرات الإيجابية وفقا للنظام، فمن المرجح أن يفوز بالانتخابات، وإذا فقد أغلبها، فإن الحزب المنافس يكون الأقرب إلى الفوز.

قمنا في الاختبار باختيار ثماني مواضيع هم (الشخصية، نزاهة الانتخابات، السياسة، الاقتصاد، الهجرة، البيئة، القضايا الاجتماعية، الرعاية الصحية) حيث وجدنا أن المواضيع الأخرى تهم مرشح الحزب الحاكم فقط.

منهجية موقع اختبار مشاعر الإعلام في انتخابات 2024

يقوم الموقع المطوَّر بواسطة باحثين مستقلين وبمساعدة محررين من صفحة تكنولوجيا في الجزيرة بجمع المقالات التي تناولت الانتخابات الأميركية منذ يناير/كانون الثاني 2024 من 5 مصادر، منها موقعا الجزيرة العربي والإنجليزي.

بعد جمع المقالات تتم معالجتها من قبل محرك الذكاء الاصطناعي “شات جي بي تي”، الذي يستطيع بفضل نموذج التعليم الآلي الذي يحتويه على معالجة اللغة المكتوبة في المقالات واستخراج ما تحويه من مؤشرات وتصنيفها على مقياس المشاعر إلى إيجابية سلبية أو طبيعية.

نظرة على كيفية عمل الموقع:

قسم النسبة النهائية:

في أعلى هذا القسم سيكون المؤشر العام، الذي يقوم بحساب كل المجالات ويظهر النسبة المئوية للتغطية الإعلامية إذا كانت في صالح المرشح الجمهوري أم الديمقراطي.

آلية حساب النسبة النهائية كالتالي: نحسب احتمال فوز كل مرشح  بعدّ المقالات الإيجابية والسلبية عن كل من المرشحين، إذ تعكس هذه المقالات تأثير الإعلام على الرأي العام.

ثم نحسب درجة كل مرشح بإضافة عدد مقالاته الإيجابية إلى عدد المقالات السلبية عن منافسه. وأخيرا، نحسب احتمال الفوز كنسبة مئوية لعدد المقالات الإيجابية للمرشح والمقالات السلبية عن منافسه من إجمالي المقالات الإيجابية والسلبية.

قسم الفلترة الزمنية: 

يبدأ المستخدم رحلته من القسم العلوي، حيث يمكنه القيام بالبحث بواسطة التاريخ خلال فترة زمنية حول التغيرات في التغطية الإعلامية خلال سنة 2024 وتتبع التغطية الإعلامية ودورها في تغيير مشاعر الرأي العام.

قسم تحليل المشاعر:

في القسم الثاني من الصفحة وبعد أن يكون المستخدم قد اختار الفترة الزمنية في القسم الأول، تظهر قائمتان للمرشحين ترامب وكامالا تحويان المجالات الثماني التي يغطيها المشروع (ملاحظة: تعتمد ظهور المجالات على التغطية الإعلامية، فعلى سبيل المثال إذا اختار المستخدم شهرا معين ولم يكن هناك مقالات في هذا الشهر حول موضوع البيئة في الانتخابات فربما لا يظهر هذا الموضوع في هذا القسم لعدم وجود معلومات).

عند كل موضوع للمرشح، يظهر رسم عمود بياني يمثل 3 مشاعر “الإيجابي” بالأخضر، و”السلبي” بالأحمر، و”الطبيعي” باللون الرمادي الفاتح.

عند وضع مؤشر الفأرة على أحد الأعمدة سيظهر عدد المقالات التي تعبر عن الحالة التي يظهرها العمود والنسبة المئوية لمجموع المقالات في هذا الموضوع.

قسم خريطة الخط الزمني: 

في القسم الثالث، يتم رسم خط زمني يظهر كيف تتغير التغطية الإعلامية في المجالات الثمانية، وكيف يقوم الإعلام في فترة زمنية معينة على التركيز على مجال معين بشكل كبير مما يخلق شعورا بأهمية هذا الموضوع، ويتناسى المواضيع الأخرى سواء بقصد أم من دون قصد.

مثال:

هدف الجزيرة من تجربة “اختبار مشاعر الإعلام للانتخابات الأميركية  2024”

الهدف من هذه الصفحة بالإضافة للتغطية الإعلامية التي تقوم بها الجزيرة للانتخابات الأميركية 2024 هو توضيح المفاهيم التقنية التي نسمعها يوميا حول تدخل التكنولوجيا في الانتخابات والإجابة عن مخاوف الجمهور حول هل أصبحت الانتخابات حول العالم بيد الإعلام والتكنولوجيا بطريقة علمية وواقعية.

في النهاية، ربما يكون أوباما من أخرج مارد التكنولوجيا من القمقم وعرّفه على عالم الانتخابات عام 2008، ولكن ما لا يمكن تخيله هو ما فعله المارد بعد ذلك في انتخابات 2016 عندما جلب هذا المارد دونالد ترامب لرئاسة أكبر ديمقراطية في العالم، بل وما يمكن أن يفعله الآن في انتخابات 2024.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *