في يوم الإسكان العالمي.. يستمر هدم مساكن فلسطينيي الأغوار ويستمر تشريدهم

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

الأغوار الشمالية– ينادي محمود بشارات 42 عاما، على أطفاله الأربعة للدخول إلى المنزل؛ بسبب التغير المفاجئ في حالة الجو، ويطلب من ابنته الكبرى ليلاس أن تساعد إخوتها في الدخول للحماية من برد الريح، واحتمالية سقوط الأمطار في منطقة خربة حمصة التحتا، في الأغوار الشمالية الفلسطينية.

يستدرك محمود قائلا، “ربما يكون الجو في الخارج أفضل من حرارة الصفيح في المنزل، نحاول منع الأطفال من اللعب في الخارج، لكن حرارة المنزل عالية جدا؛ بسبب تأثير الصفيح في ارتفاع درجة الحرارة داخل الغرف، وبالطبع نحن محرومون من الكهرباء، ولا تتوفر لدينا وسائل للتبريد داخل البيوت”.

ويعدّ الحال أسوأ في فصل الشتاء، فحرارة الصيف التي يضاعفها الصفيح على أسطح المنازل تنقلب لبرودة تنخر أجسام الساكنين، إضافة لتسرب مياه الأمطار.

يواجه محمود بشارات أمرا قضائيا بترحيله عن بيته بحجة وقوعه في منطقة أثرية، بحسب الادعاء الإسرائيلي، بعد أن هدمه الاحتلال 6 مرات منذ 2006، ومنذ 1967 يمنع الاحتلال قرابة 60 عائلة فلسطينية من البناء في خربة حمصة التحتا، أو ترميم منازلهم وإصلاحها، بحجة وقوعها ضمن المنطقة المصنفة “ج”، بحسب اتفاقية أوسلو الموقّعة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في 1995.

يقول محمود، إنه مع اقتراب فصل الشتاء، تتحول البرودة إلى صقيع ليلا، وهذا يزيد من معاناة السكان، خاصة أنهم يعتمدون على الثروة الحيوانية والزراعة مصدرا للدخل. ويوضح المزارع أن ذلك يعني مرور ليال باردة كثيرة دون نوم، سهرا على مصدر الدخل، ومحاولة الحفاظ عليه من الصقيع والمطر.

ولأن الاحتلال يمنع الفلسطينيين المقيمين في مناطق “ج” بشكل عام، والأغوار الشمالية بشكل خاص من البناء في هذه المناطق، ويحرمهم من توفير أدنى مقومات الحياة كالماء والكهرباء وشق الطرق؛ فإن سكان الأغوار الشمالية يعتمدون على طرق بدائية لحماية محاصيلهم الزراعية ومواشيهم من البرد والمطر؛ مثل: وضع قطع من البلاستيك على شتلات الخضروات لحمايتها من الصقيع، وإشعال النار في حظائر الماشية لتدفئتها.

سكان الأغوار الشمالية يعتمدون على طرق بدائية لحماية محاصيلهم الزراعية ومواشيهم من البرد والمطر (الجزيرة)

لم يسمعوا به

أقرت الأمم المتحدة يوم الإسكان العالمي في الأول من شهر أكتوبر/تشرين الأول في ثمانينيات القرن الماضي، بهدف توفير الملجأ الآمن والمناسب للسكان في العالم، ومنذ إعلانه في 1985، تنوعت الموضوعات التي اختارتها الأمم المتحدة عنوانا لليوم العالمي للإسكان، وشملت كلها توفير حياة أفضل للسكان، وتأمين المأوى للمشردين، ودعم المدن والأحياء بشبكات المياه والصرف الصحي، إضافة لتوفير حياة حضرية للسكان في مختلف دول العالم.

الأمر يبدو مختلفا في مناطق الأغوار الشمالية، فلا أحد من الساكنين هنا -بما فيهم محمود بشارات- سمع باليوم العالمي للإسكان، لكنهم شاهدوا عمليا كيف جردتهم إسرائيل من مساكنهم مرة بعد مرة منذ 1967.

وتعمد إسرائيل لفرض سياسات لإفراغ الأغوار الشمالية من الفلسطينيين بهدف ضمها والسيطرة عليها، وتعرّف إسرائيل الأغوار الشمالية بأنها المنطقة الواقعة ضمن ما يسمى بشارع 90 فقط، وتضم كلا من: بردلة وعين البيضا، وهي مصنفة ضمن المنطقة “ب”، إضافة إلى 12 تجمعا رعويا فلسطينيا، تعيش حياة البداوة، ويندرج ضمنها قرية كردلة، التي يتوفر فيها مدرسة وبعض البيوت الأسمنتية التي تختلف عن بيوت الصفيح والخيام.

فلسطين، سكان الأغوار يعيشون في ظوف حياتية صعبة_
سكان الأغوار يعيشون في ظروف حياتية صعبة ولم يسمعوا عن يوم الإسكان العالمي (الجزيرة)

تقسيم وهدم مستمر

والمشترك في هذه التجمعات والقرى الفلسطينية هو اعتماد الاحتلال سياسات هدم البيوت والخيام ومصادرة المعدات الزراعية وسيارات نقل المياه للأهالي، كما تسعى إسرائيل لفرض واقع جديد في مناطق الأغوار الشمالية منذ 2018 يتمثل في تقسيم البلدات والخرب ذاتها إلى أكثر من منطقة، تتبع لتصنيفات “أ، ب، أو ج”. فمثلا يقسم الاحتلال الإسرائيلي قرية الجفتلك إلى 5 مناطق، إحداها يسمح فيها البناء، ويتوفر فيها شبكة مياه وكهرباء، يلاصقها منطقة أخرى يمنع فيها البناء، أو توفر أي مقوم من مقومات الحياة الأساسية والخدمات، وتستمر فيها عمليات الهدم بشكل مستمر.

يقول الناشط حمزة زبيدات، إن إسرائيل تفرض واقعا جديدا في الأغوار الفلسطينية، لا يقتصر على تقسيمها إلى مناطق “أ”، و “ج”، بل يعمد إلى أن يعدّ المستوطنين هم أصحاب الأراضي الواقعة في مناطق “ج”، كون هذه الأراضي هي أراض إسرائيلية ما لم يثبت ذلك، خاصة أن أهالي الأغوار تركوا ليدافعوا عن الأغوار وحدهم، حسب توصيفه.

ويضيف الناشط، “ما يحدث في الغور اليوم هو إنهاء بشكل تام للثقافة الفلسطينية، والثقافة البدوية الفلسطينية في منطقة الغور، وإنهاء بشكل تام للشكل التقليدي والثقافي للفلسطينيين البدو المهجرين أصلا من أراضي عام 48 من بئر السبع، ومناطق جنوب فلسطين التاريخية”.

الاحتلال يهدم البيوت والخيام ويصادر المعدات الزراعية وسيارات نقل المياه للأهالي (الجزيرة)

شرعنة المستوطنات وهدم مساكن الفلسطينيين

ويلاحظ بشكل قوي في السنوات الأخيرة اعتماد المستوطنين الإسرائيليين على الاستيطان الرعوي للسيطرة على أراضي الأغوار الفلسطينية، البالغ مساحتها نحو 30% من مساحة الضفة الغربية، وتهجير سكانها الأصليين منها، وذلك بمنعهم من الوصول إلى مراعيهم وإطعام مواشيهم، إضافة للاعتداء عليهم وضربهم في الأراضي الرعوية والجبال.

وتدعم إسرائيل البؤر الاستيطانية التي تقام على أنقاض القرى والخرب الفلسطينية في منطقة الأغوار، وخلال السنوات العشر الأخيرة شرعنت إسرائيل 4 بؤر استيطانية أقيمت في مناطق عين البيضا وعين الحلوة وبردلة، وحولتها إلى مستوطنات شرعية، مدعومة بجميع الخدمات والإمكانات الحياتية.

يعلّق حمزة زبيدات، أن ما يحصل هو استنزاف كامل لجميع مصادر المياه، خاصة بعد السيطرة على عين العوجا قرب أريحا، ومصادرة عين الساكوت، وتحويل عين الحلوة إلى منتجع سياحي، وهذا ما أدى إلى تراجع في الأراضي الزراعية الغورية.

ويضيف “اليوم يصل عدد المستوطنين في الأغوار الشمالية قرابة 13 ألف مستوطن، يعيشون في 32 مستوطنة معترفا بها، إضافة إلى 8 بؤر استيطانية حوّل 4 منها إلى مستوطنات شرعية”.

 مطبخ أحد العائلات في الغور_60 ألف نسمة يعيشون ظروفا صعبة
مطبخ إحدى العائلات في الغور حيث يعيش نحو 60 ألف نسمة ظروفا صعبة (الجزيرة)

لو كنت مسؤولا

يقول محمود بشارات “لو قدّر لي في يوم من الأيام أن أكون مسؤولا في الأمم المتحدة، أو أن أجتمع مع مسؤولي الأمم المتحدة ممن يحتفلون باليوم العالمي للإسكان، لطلبت منهم أن يوقفوا هدم البيوت في حمصة التحتا وفي كل القرى والتجمعات البدوية في الأغوار، أو على أقل تقدير لطلبت من ممثلي الاتحاد الأوروبي الذين يتبرعون لنا بالخيمة، أن يحموا هذه الخيمة من أن تقتلعها جرافات الاحتلال”.

ويصل عدد الفلسطينيين في الأغوار الشمالية قرابة 60 ألف نسمة، بما يشمل منطقة أريحا ومخيماتها، ومنذ بداية العام الحالي هدمت إسرائيل 715 منشأة في الضفة الغربية، تتوزع بين مساكن مأهولة وأخرى غير مأهولة ومنشآت زراعية، حيث هدمت قرابة 140 منزلا مأهولا بالسكان، و54 منزلا غير مسكون، حسب إحصاءات هيئة الجدار والاستيطان.

وحسب أمير داوود مدير عام التوثيق، في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أصبحت  139 عائلة فلسطينية بلا سكن منذ بداية العام الحالي، ما يعني 725 فردا أصبحوا بلا مأوى، أو غيروا مسكنهم بفعل هدم الاحتلال، بما فيهم 369 طفلا.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *