“صخب العائد”.. دونالد ترامب الذي يشغل أميركا والعالم

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

على عكس ماضيه السياسي، كان ترامب اسما لامعا بالوسط المخملي والمالي في نيويورك وحاضرا على الصفحات الأولى للمجلات والجرائد الشعبية. عُرف بأنه “الرجل الذي تاجر في كل شيء”، من العقارات إلى المقاولات إلى نوادي القمار وعالم الترفيه والإعلام والسياحة والرياضة، وتنظيم مسابقات ملكات الجمال والمصارعة الحرة، لكنه كان يستنكف من عالم السياسة، الذي قيّض له أن يدخله من أوسع أبوابه في محاولته الأولى.

كانت أحاديثه وحواراته القليلة عن السياسة من باب الاقتصاد والمال، ولم يعرف عن ترامب كونه قارئا أو مثقفا -وليس كل الرؤساء الأميركيين كذلك- فقد أكد من عرفه أنه كان محدود المعارف والثقافة السياسية، ويستمد معلوماته من التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، ويصف وزير دفاعه جيمس ماتيس (2017-2019) إلمامه بالقضايا الخارجية -وهو رئيس- بكونها “تعادل معرفة طالب في الصف الخامس أو السادس الابتدائي”، وفق ما ورد في كتاب “خوف” (Fear) للكاتب الصحفي بوب وودورد الصادر عام 2018.

وتكمن المفارقة في أن ترامب ألف كتبا ربما أكثر من أي رئيس آخر، لكنها لم تخرج أيضا عن عالم التجارة والمال. كان يرى أن تجربته تستحق أن تروى وأن يحتذى بها، ولخصها في كتب مثل “فن الصفقة” (1987) (مع تونى شوارتز) و “فن العودة” (1997) (مع كيت بونر) و “كيف تصبح غنيا” (2004) و” فكر مثل الملياردير” (2005) و “لماذا نريدك ثريا؟ رجلان ورسالة واحدة” (مع رجل الأعمال روبرت كيوساكى) (2006) و”أميركا المريضة: كيف نستعيد عظمة أميركا؟” (2015) وهو العنوان الذي شذ به قليلا عن القاعدة وبات شعار حملته الانتخابية للرئاسة.

ترسم مؤلفات ترامب، على بساطتها، مثل “فن الصفقة” توجهاته الكبرى وملامح شخصيته التي لم تتغير في البيت الأبيض، وكيفية إدارته لعمله، فهو يُرجع “نجاحه” إلى أسلوبه غير الرسمي، حيث لا يرتب جدول أعماله ولا يحمل حقيبة أوراق، ولا يعترف بالاجتماعات اليومية أو الدورية، وكان ذلك مثار سخط وانتقادات عندما بات رئيسا.

يصف الكاتب والصحفي بوب وودورد حالة ترامب في غضون الأسابيع الأولى من رئاسته بقوله: “تأكد لأصدقائه أنه لا يتصرّف كرئيس، ولا يأخذ بعين الاعتبار منصبه الجديد، فلا يكف عن انتقاد طاقمه والسخرية منهم، ولا يضبط تغريداته الصباحية، ويرفض متابعة الملاحظات النصية، ولا توجد قواعد مهنية مؤسسية تضبط قراراته الرئاسية أو اختياراته لطاقمه..”.

وفي كتابه “كيف تصبح غنيا؟”، تطرح آراء ترامب أيضا إصراره على المعارك ونزعة الثأر في قوله: “عندما يؤذيك شخص ما يتوجب عليك أن تطارده بأقصى ما تستطيع من عنف وشراسة”، ويظهر ذلك في خلافه مع الملياردير جيف بيزوس صاحب شركة أمازون العملاقة ومالك صحيفة واشنطن بوست (التي قررت البقاء على الحياد في السباق الرئاسي)، وعدد كبير من مساعديه الذين انفضوا عنه رئيسا أو مرشحا.

حمل ترامب كل ذلك النزوع إلى القوة والعناد والتسلط ومنطق “الربح” الذي يجسده قي مقولته الحاضرة دائما “ليس كافيا” (Not enough) والبحث عن التفرد والشهرة من بواكير طفولته في حي كوينز في مدينة نيويورك، حيث ولد منتصف عام 1946، وشب مع أشقائه الأربعة في كنف والده الأميركي فريد ترامب وأمه الأسكتلندية ماري ماكليود.

تصفه ماري ترامب -أخصائية علم النفس وابنة شقيقه فريد ترامب جونيور- في كتابها “كثير جدا ولا يكفي أبدا: كيف خلقت عائلتي أخطر رجل في العالم” (الصادر عام 2020) بكونه كان عرضة لـ “الإهمال العاطفي”، ففي غياب والدته أو مرضها عانى من قساوة الأب، الذي كان يفضل ابنا قوي الشخصية، وهو ما كان من شأنه -بحسبها -“أن يترك ندبة على حياة دونالد مدى الحياة، ويؤدي إلى مظاهر النرجسية والتنمر والعظمة”، التي طبعت سلوكه لاحقا.

لم تبتعد شخصية دونالد ترامب كرجل أعمال ورئيس ومرشح عن طفولته وصباه كثيرا، عندما كان “مزاجيا ومتنمرا” كما يصفه لاحقا أقرانه، ورغم أنه كان محظوظا ومدللا، فقد أظهر “صعوبات سلوكية”، ووصفه والده لاحقا بكونه “كان شخصا قاسيا جدا عندما كنت صغيرا”. ويعترف ترامب لاحقا بأنه “ما زال يتمتع بالصفات نفسها التي كان يحملها في باكر حياته، وأنه الشخص نفسه”.

باتت هذه الشخصية “هدية” للناشرين والكتّاب -كما تقول صحيفة الغارديان البريطانية- ومصدرا لآلاف المقالات وعشرات الكتب والوثائقيات ومئات البرامج التلفزيونية التي لا يوجد فيها غالبا ما يشفع له، حيث ركزت كلها على “جناياته وجرائمه وشعبويته” ومساوئه وتطرفه وعنصريته وخطابه التحريضي وضحالة معارفه بالقضايا السياسية، وتشجيعه للعنف السياسي، وهي كلها مصطلحات حفلت بها الإنتاجات التي تعرضت لترامب، فقد كان الملياردير والمرشح عنوانا جذابا لوسائل الإعلام، زادت أهميته بعد توليه الرئاسة.

ويؤكد عالم النفس الأميركي دان ماك آدامز في مقال مطول بمجلة “ذي أتلانتيك” عدد يونيو/حزيران 2016، “لا شك أن شخصية ترامب متطرفة بكل المقاييس، وهي نادرة بشكل خاص بالنسبة لمرشح رئاسي، كل من قابلوه أو تعاملوا معه أكدوا أنه رجل محيِر..”.

من جهته قال الرئيس الديمقراطي السابق  باراك أوباما إن ترامب “لم يبدِ أي اهتمام في القيام بما يلزم لأداء وظيفته ولا أي اهتمام بإيجاد أرضية مشتركة.. ولم يرتقِ إلى مستوى المنصب لأنه لا يستطيع ذلك”.

ورغم الانتقادات الكثيرة، يشق دونالد ترامب طريقه من العدم السياسي ويتجاوز كل المطبات ومواطن الضعف ليسيطر عمليا على مفاصل الحزب الجمهوري، ويصبح مرشحه الذي لا ينازعه أحد، ويشارك في سباق تناوب رئاسي في مرحلته الأولى مع جو بايدن ثم نائبته كامالا هاريس، التي اختيرت مرشحة للرئاسة بدلا عنه.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *