منذ وصول إدارة الرئيس، جو بايدن، إلى البيت الأبيض مطلع 2021، ظل ملف الصحراء الغربية كأحد أهم القضايا الإقليمية الموروثة عن إدارة الرئيس دونالد ترامب الذي أعلن قبل أسابيع عن مغادرة منصبه، عن اعتراف واشنطن بالسيادة المغربية على إقليم الصحراء الغربية، تزامنا مع استئناف الرباط لعلاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل.
وعلى مدار السنوات الموالية، اتسم موقف إدارة بايدن بحذر دبلوماسي واضح في التعاطي مع قرار الاعتراف، إذ حرصت على اتباع مسار متوازن يجمع بين التأكيد على ثبات موقفها من دعم السيادة المغربية على الإقليم من جهة، والإشارة إلى دعم الجهود الأممية لحل النزاع عبر مبعوثها الخاص ستافان دي ميستورا من جهة ثانية، دون اتخاذ خطوات عملية لترجمة قرار الاعتراف على أرض الواقع.
وبينما تقترب الولايات المتحدة من منعطف سياسي مفصلي مع الانتخابات الرئاسية التي تجرى الثلاثاء، يترقب المتابعون مصير الملف، وذلك وسط احتمالين اثنين وتساؤلات متعددة: فوز المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، وما يثيره من أسئلة بشأن ما إذا كانت ستواصل نهج “اللاحسم” الذي تبنته الإدارة الحالية التي كانت جزءا منها، أم توجهها نحو مقاربة الملف وفق آليات جديدة.
أما الاحتمال الآخر فيتمثل في عودة ترامب إلى البيت الأبيض، ومعه أيضا تطرح تساؤلات بشأن ما إن كان سيمضي قدما في ترسيخ القرار الذي وقّعه في الأسابيع الأخيرة من ولايته، أو أن أي خطوات مستقبلية في هذا الجانب، ستبقى مرهونة بالتطورات في الشرق الأوسط، على ضوء الحرب المندلعة في غزة.
الصحراء الغربية في ظل إدارة بايدن ـ هاريس
ومنذ توليها السلطة، تميزت مقاربة الإدارة الديمقراطية لملف الصحراء الغربية بنهج دبلوماسي حذر، يقوم على تأكيد استمرارية السياسة الأميركية دون تغيير من جهة، مع إبداء الدعم المتواصل لجهود المبعوث الأممي من جهة أخرى. وقد انعكس هذا الموقف بشكل جلي في التصريحات المتكررة لكبار المسؤولين في الخارجية الأميركية.
وفي آخر تعليق له بشأن الموضوع، كرر المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، تأكيده على أنه “لم يحدث أي تغيير في سياستنا” بشأن ملف الصحراء، عندما سُئل في 17 أكتوبر، عن موقف بلاده من مقترح المبعوث الأممي بتقسيم الإقليم بين المغرب والبوليساريو.
وقبل تقديم المبعوث الأممي لخطته المثيرة للجدل والتي تضمنت “تقسيم الإقليم”، عبّر وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، مطلع الشهر الماضي، عن دعم واشنطن لدي ميستورا، وجهوده لدفع المفاوضات التي تؤدي إلى “حل سياسي دائم للصحراء الغربية دون مزيد من التأخير”.
كما أشار بلينكن، خلال محادثات مع نظيره المغربي، ناصر بوريطة، إلى أن واشنطن “لا تزال تعتبر مقترح الحكم الذاتي المغربي جادا وذا مصداقية وواقعيا، وأحد النُهج المحتملة لتلبية تطلعات شعب الصحراء الغربية”.
وفي تحليل لموقف الإدارة الأميركية الحالية من نزاع الصحراء، يوضح تقرير لمعهد الشرق الأوسط، أن إدارة بايدن وجدت نفسها، على إثر التحول الجذري الذي اتخذته إدارة ترامب، أمام مهمة صعبة تتمثل في السعي إلى التأكيد على أهمية القانون الدولي وعملية الأمم المتحدة التفاوضية للتوصل إلى حل دائم، تزامنا مع التشبث بالقرار السابق، الذي يمكن أن يؤدي التراجع عنه إلى إحدات أزمة في علاقاتها مع الرباط.
وعلى الجهة المقابلة، واجهت إدارة الرئيس الديمقراطي ضغوطا متزايدة من مؤيدي جبهة “البوليساريو” الساعين إلى إلغاء قرار الاعتراف بالسيادة المغربية.
أمام هذه التحديات، يوضح التقرير أن واشنطن رغم احتفاظها بقرار الاعتراف، عادت في خطابها الدبلوماسي إلى موقفها التقليدي السابق لإدارة ترامب، والمتمثل في إعلان دعم مقترح الحكم الذاتي عبر المسارات الأممية للملف.
الأمم المتحدة قلقة إزاء تدهور الأوضاع في الصحراء الغربية
أعرب الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش في تقرير نُشر الاثنين عن “قلقه العميق” إزاء تدهور الأوضاع في الصحراء الغربية، داعياً إلى تجنّب “أيّ تصعيد إضافي” في هذه المنطقة المتنازع عليها بين الرباط وجبهة البوليساريو.
في قراءته لتعاطي إدارة بايدن ـ هاريس، مع ملف الصحراء الغربية، يرى مدير مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية، عبد الفتاح الفتيحي، أن القرار الرئاسي الأميركي القاضي باعتراف واشنطن بمغربية الصحراء “بقي قائما ومستداما خلال إدارة بايدن، إذ لم لم يصدر أي قرار رئاسي مقابل يلغيه”.
غير أن الخبير المغربي يوضح في تصريح لموقع “الحرة”، أن الحزب الجمهوري “يتخذ مواقف أكثر حسما” تجاه القضايا الدولية مقارنة بالديمقراطيين الذين “تحكمهم ضوابط كثيرة”، وهو ما يفسر، برأيه، بطء تنفيذ الالتزامات الأميركية المرتبطة بملف الصحراء خلال عهد بايدن وهاريس.
والصحراء الغربية مستعمرة إسبانية سابقة تبلغ مساحتها 266 ألف كلم مربع تحتوي على ثروات سمكية واحتياطات كبيرة من الفوسفات، وتعتبرها الأمم المتحدة “منطقة غير متمتعة بالحكم الذاتي”. وهي موضع خلاف منذ عقود بين المغرب وجبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر.
وتسيطر الرباط على نحو 80 بالمئة من هذه المنطقة وتقترح منحها حكما ذاتيا تحت سيادتها، فيما تدعو بوليساريو (الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب) إلى إجراء استفتاء لتقرير المصير برعاية الأمم المتحدة نصّ عليه اتفاق وقف إطلاق النار المبرم عام 1991.
وتخوض الجبهة منذ العام 1975 نزاعا مع الرباط حول السيادة على الصحراء الغربية.
واعتبر تحليل لمركز أبحاث “المجلس الأطلسي”، أن إدارة بايدن ـ هاريس، “بقيت مترددة في استثمار رأس مال سياسي كبير لإنهاء النزاع”، معتبرة إياه قضية منخفضة الأولوية في أجندتها.
وبدلا من ممارسة الضغط، يوضح التحليل، أن الإدارة الحالية حاولت بناء الثقة بين جميع الأطراف الرئيسية من خلال الاستفادة من رغبتهم في إقامة علاقات قوية مع الولايات المتحدة.
ووفقا للمركز، عملت الإدارة الأميركية، على إقامة علاقات اقتصادية وأمنية أوثق مع الجزائر، وحافظت على العلاقات مع المغرب، وقدمت للبوليساريو إمكانية توسيع العلاقات الدبلوماسية، لكن مع تردد في بذل جهد أكبر لدفع المفاوضات، مما أعاق جهود مبعوث الأمم المتحدة.
في هذا الجانب، يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، رضوان بو هيدل، إن قضية الصحراء الغربية “لا تزال محكومة بإطار الشرعية الدولية”، بالتالي فإن واشنطن، بغض النظر عن الإدارة الحاكمة – جمهورية كانت أم ديمقراطية ـ لن تغامر بخرقها (الشرعية الدولية) بشكل صريح.
ويشير بو هيدل في تصريح لموقع “الحرة” إلى أن الولايات المتحدة تتعامل بحذر مع الملف، نظرا لأهمية علاقاتها الاستراتيجية مع كل من المغرب، الحليف والصديق، والجزائري الحليف الاستراتيجي والمحوري لواشنطن، في ليبيا ودول الساحل.
طرح بسرية تامة.. المغرب يرد على “إعادة مفهوم” تقسيم الصحراء الغربية
أوضح بوريطة، الاثنين، أن دي ميستورا طرح هذه الفكرة على الجانب المغربي خلال زيارته الرباط في أبريل.
ويوضح أن الإدارة الحالية رفضت المضي قدما في الاعتراف الذي جاء في تغريدة للرئيس السابق على تويتر (إكس)، موضحا أنه لو كانت لدى الإدارة الحالية النية الحقيقية في اعتبار الصحراء مغربية، لكانت قادرة على تحقيق ذلك في لحظة. لكنه يقول إن الموقف الأميركي بقي “مبهما” وكان أشبه بـ”الإمساك بالعصا من الوسط”.
في المقابل يقول الفتيحي، إن الرباط “مطمئنة لاستدامة الموقف الأميركي” من خلال تأييد الإدارتين الديمقراطية والجمهورية، مما يؤكد أنه “قرار دولة” وليس مجرد “تغريدة من ترامب”.
غير أنه يوضح أن “مصلحة المملكة تكمن في استئناف العمل مع الإدارة الجمهورية التي تمتلك التصور الأولي للاعتراف ولإنهاء النزاع المفتعل”.
وينتقد الفتيحي ما يعتبره “تباطؤ” الإدارة الحالية في تنفيذ التزاماتها، مشيرا إلى “تعطيل فتح القنصلية في الأقاليم الجنوبية للمملكة، وعدم توسيع اتفاقيات التبادل الحر لتشمل الأقاليم الجنوبية من خلال مشاريع استثمارية أميركية”، معتبرا أن “المسألة لم تكن فقط اعترافا، بل التزامات وتعهدات استثمارية واقتصادية ما زال المغرب ينتظر تنفيذها”.
ولعل أبرز مؤشرات هذا التردد الأميركي ما كشف عنه المتحدث باسم الخارجية في مارس الماضي، حين أقر بعدم وجود خطط لفتح القنصلية قائلا “ليس في الوقت الحالي”.
بدوره قال مدير مكتب الميزانية والتخطيط في الخارجية الأميركية، دوغلاس بيتكين، إنه لا يوجد تقدم ملموس في الوقت الحالي بشأن فتح القنصلية في الصحراء الغربية.
وأوضح أن هناك عملية تخطيط جارية تأخذ في الاعتبار عدة عوامل رئيسية، تشمل تقييم الظروف الأمنية وتوفير الموارد المناسبة، بالإضافة إلى المسائل السياسية.
وعند سؤاله بشأن الجدول الزمني والإرادة السياسية، اختار الإشارة إلى أن كل هذه العناصر تشكل جزءا من عملية اتخاذ القرار، متجنبا تقديم أي التزامات محددة أو جداول زمنية واضحة، مؤكدا أن الأمر لا يزال في مرحلة التخطيط وأن التفاصيل المحددة ستتطلب متابعة لاحقة.
في هذا الجانب، يقول الفتيحي إن “المصلحة المغربية سياسيا وجيوستراتيجيا تكمن في فوز ترامب بولاية جديدة”، نظرا لتصوره الواضح بشأن ملف الصحراء وتداعياته على منطقة الساحل والصحراء والقارة الأفريقية.
ويربط المحلل المغربي هذا التصور بـ”استعادة الدور الأميركي المؤثر في مواجهة التنافس الدولي مع روسيا والصين اللتين تعززان حضورهما بالقارة، مقابل تراجع الحلفاء الغربيين”.
في المقابل، يقول الأكاديمي الجزائري، إنه حتى في حال عودة ترامب للبيت الأبيض، فمن غير المرجح أن “يغامر تأجيج الأوضاع في المنطقة”، متوقعا أن يحافظ على موقف الإدارة الحالية.
اعتراف ترامب.. تداعياته وإمكانيات استمراريته
واعترفت الولايات المتحدة، بسيادة المغرب على المنطقة، في ديسمبر 2020 خلال إدارة الرئيس دونالد ترامب والتزمت بفتح قنصلية في الإقليم المتنازع عليه.
وأكدت الولايات المتحدة في بيان وقعه الرئيس السابق، دعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي باعتباره الأساس الوحيد لحل عادل ودائم للنزاع، رافضة خيار إقامة دولة صحراوية مستقلة، معتبرة أن الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية هو الخيار الواقعي والقابل للتطبيق الوحيد.
وفي إطار الخطوات العملية لتنفيذ هذا الموقف، دعت الولايات المتحدة جميع الأطراف إلى الدخول في مفاوضات فورية باستخدام المقترح المغربي كإطار وحيد للتفاوض. كما أعلنت عن قرارها فتح قنصلية في مدينة الداخلة، وتعهدت بتشجيع التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة بالتعاون مع المغرب.
وشكّل هذا الموقف انتصارا كبيرا للرباط، التي أمضت سنوات في مناشدة الدول الاعتراف بمطالبها السيادية مقابل تعزيز العلاقات.
وأدى حصولها على الدعم الأميركي في الملف إلى اتخاذ مواقف أكثر صرامة مع الدول الأوروبية بشأن هذه القضية، ما دفع مستعمرة الإقليم السابقة إسبانيا لتغيير موقفها جذريا من خلال دعمها موقف الرباط علنا وللمرة الأولى، منهية بذلك خلافا دبلوماسيا كبيرا بين البلدين.
كما أعلنت فرنسا، في يوليو الماضي، اعترافها الصريح بالمقترح المغربي حول الحكم الذاتي، واعتبرته “الإطار الذي يجب من خلاله حل هذه القضية”، وأكد الرئيس إيمانويل ماكرون، هذا الموقف في زيارته هذا الأسبوع للمغرب، قائلا إن “حاضر ومستقبل الصحراء الغربية تحت السيادة المغربية”.
من برلمان المغرب.. ماكرون يعد باستثمارات فرنسية في الصحراء الغربية
قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في خطاب أمام البرلمان المغربي الثلاثاء، إنه يؤكد مجددا تأييد بلاده لـ”سيادة المغرب على إقليم الصحراء الغربية”، كاشفا الاتفاق مع الرباط على استثمارات فرنسية في هذه المنطقة.
ومنذ الاعتراف الأميركي والانخراط في “اتفاقيات إبراهيم”، وطدت الرباط أيضا علاقاتها مع إسرائيل، وفقا لمعهد “واشنطن” الذي أشار إلى أن الجانب الدبلوماسي للعلاقة بلغ محطة بارزة أخرى مع اعتراف إسرائيل في يوليو 2023 بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، وبعد ذلك دعا الملك محمد السادس رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو إلى زيارة البلاد.
غير أنه مع اندلاع الحرب بين حماس وإسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، تضررت هذه الدينامية الدبلوماسية، إذ أصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية أمر إخلاء لمكتب الاتصال التابع لها في الرباط، بينما أعربت هذه الأخيرة في أكثر من مرة عن قلقها إزاء الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة.
وبشأن ما إن كانت تطورات الأشهر الأخيرة في الشرق الأوسط والتي تضررت منها الدينامية الكثيفة التي شهدتها علاقات المغرب وإسرائيل، ستؤثر على ملف الصحراء الغربية، في حال عودة ترامب إلى البيت الأبيض، يستبعد الفتيحي أن تكون لتطورات الشرق الأوسط تداعيات سلبية على نزاع الصحراء.
ويوضح أن “الأزمة في الشرق الأوسط لم تؤثر سلبا خلال الأشهر الأخيرة، بل على العكس شهدنا مواقف أوروبية، خاصة الفرنسية، أكثر قوة في تأييد مبادرة الحكم الذاتي”.
كما يشير إلى أن المغرب يركز في الوقت الراهن على “حصر ملف الصحراء في إطار الدول المؤثرة بمجلس الأمن”، مشيرا إلى “التنسيق الدبلوماسي والاقتصادي المستمر” مع واشنطن وباريس ولندن ومدريد، بهذا الشأن.
وأكد أن الرباط “مستقرة ومطمئنة رغم التحولات في الشرق الأوسط”، رافضا محاولات الجزائر ربط القضيتين الفلسطينية والصحراوية، معتبرا أن “هذا الربط لم يلق تأييدا عربيا أو أفريقيا”.
واختتم الفتيحي تصريحه بالتأكيد على أن المملكة، حتى في ظل ضبابية موقف الإدارة الحالية، “تحقق انتصارات” تتيح لها “الانتقال من الحديث عن الحل السياسي إلى التركيز على الحلول الاقتصادية والاجتماعية والتنموية في إطار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية”.
من جهته، يقول الجامعي الجزائري إن الأولويات الدولية الراهنة، من الحرب الروسية الأوكرانية إلى الأزمات في الشرق الأوسط، تجعل من غير المرجح حدوث تغييرات جذرية في الموقف الأميركي من قضية الصحراء الغربية في المستقبل القريب، مؤكدا أن حل النزاع ينطلق من الأمم المتحدة وليس من البيت الأبيض.