بيت لحم- تقتطع الحكومة الفلسطينية للشهر الثالث على التوالي جزءا من رواتب موظفيها، بسبب ما تقول إنها أزمة مالية تمر بها، لعدة أسباب، منها اقتطاع إسرائيل جزءا من أموال المقاصة الضريبية التي تجبيها لصالح السلطة الفلسطينية، وتأخر المساعدات المالية الخارجية.
وما زالت العلاقة الاقتصادية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية قائمة على بروتوكول باريس، وهو الملحق الاقتصادي لاتفاق “أوسلو”، الموقع بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993.
لكن، هذا البروتوكول من المفترض أن يكون محدد المدة منذ توقيع الاتفاقية وينتهي عام 1999، فكيف تسير العلاقة الاقتصادية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية حتى الآن؟ وما الأموال المتبادلة بين الطرفين؟ وهل يمكن للفلسطينيين الانفكاك الاقتصادي عن إسرائيل كدولة احتلال؟
ما الإيرادات المالية للسلطة؟
كانت المساعدات الخارجية تشكل بين 50-60% من إيرادات السلطة الفلسطينية خلال السنوات الأولى من تأسيسها، والتي كانت تمولها الدول المانحة الأوروبية والعربية، لكنها خلال السنوات القليلة الماضية لم تعد تتجاوز 20%.
واقتربت ميزانية السلطة الفلسطينية خلال السنوات القليلة الماضية من 5 مليارات دولار، وتعاني السلطة من شح الإيرادات، سواء بسبب انخفاض قيمة المساعدات الخارجية، أو تراجع الإيرادات الداخلية خاصة الضرائب.
ويرى الاقتصاديون أن أهم عنصر من إيرادات الضرائب للسلطة، هي أموال القيمة المضافة على المستورَد من البضاعة، وأموال الجمارك على المستورد. وتشكل حصة الضرائب قرابة 70% من ميزانية السلطة الفلسطينية اليوم.
ما أبرز بنود بروتوكول باريس الاقتصادي؟
يحدد بروتوكول باريس الاقتصادي العلاقة الاقتصادية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، ومن أبرز بنوده:
- تحديد السلع التي يستوردها الفلسطينيون، وأهمها منع السلع التي تعتبر مدخلات لعمليات الإنتاج.
- تحديد كميات المياه المعطاة للفلسطينيين من أرضهم، والتي يرى خبراء أنها لم تعد تكفي اليوم حتى للشرب، فكيف يمكن لهم الحصول على مياه للتنمية الاقتصادية، سواء استخدامات الزراعة والصناعة؟
ولأن إسرائيل تسيطر على المعابر والحدود، فإنها تسطير بالتالي على كل الصادرات والواردات الفلسطينية، التي يجب أن تمر عبرها.
وينص البروتوكول الاقتصادي، على اقتطاع 3% من أموال الضرائب لصالح إسرائيل التي تجبي هذه الأموال وتسلمها للسلطة.
ووفق البروتوكول أيضا، تكون أموال الضرائب صالحة لغاية 6 أشهر من تاريخ إصدارها، وبعد ذلك يسقط الحق القانوني في المطالبة بها فلسطينيا.
ويشترط أن تكون إسرائيل الضابط الأساسي في عمليات الاستيراد والتصدير، وفق البروتوكول، واليوم تستحوذ إسرائيل على 88% من الصادرات الفلسطينية، كما تستحوذ على ما بين 54% و57% من الواردات الفلسطينية.
وهناك بنود في البروتوكول تتعلق بالجمارك والمعاملات النقدية والتقاعد والعمال والتجارة، والمشاريع السياحية وأموال ضحايا الطرق، وغيرها.
مجدي الجعبري يرى أن بروتوكول باريس الاقتصادي هو أخطر اتفاقية اقتصادية كبلت الفلسطينيين، لأنها تخنق التنمية وتقتل الاقتصاد الفلسطيني وتحد من نموه وتطوره.
ما المشكلة في الاتفاقية؟
يرى الدكتور مجدي الجعبري، أستاذ العلوم المالية والمحاسبية في جامعة الخليل، جنوب الضفة الغربية المحتلة، أن بروتوكول باريس الاقتصادي، هو أخطر اتفاقية اقتصادية كبلت الفلسطينيين، لأنها تخنق التنمية، وتقتل الاقتصاد الفلسطيني، وتحد من نموه وتطوره.
كما أن الاتفاقية -وفق الجعبري- تمنع الاستخدام الأمثل للثروات الطبيعية في الأرض الفلسطينية، وخاصة في المناطق المصنفة “ج”، والتي تشكل 63% من مجمل الأراضي المحتلة عام 1967.
أما ثابت أبو الروس، عضو الاتحاد العام للاقتصاديين الفلسطينيين، فيرى أن أبرز مشاكل الاتفاقية، الغلاف الجمركي الواحد، والذي يمنع السلطة من التحرك سوى درجتين في النسبة المفروضة في إسرائيل.
بمعنى، أنه إذا كانت نسبة الضريبة في إسرائيل 16%، فلا يجوز للسلطة أن تنزل عن 14% أو تزيد عن 18%، وهنا يظهر الفرق في مستويات الدخل للمواطن الإسرائيلي والفلسطيني، وهو ما ينعكس سلبا على الأخير.
ما الجانب المظلم من الاتفاقية الاقتصادية؟
ويعتبر أبو الروس أن الجانب الآخر المظلم في الاتفاقية، هو سيطرة إسرائيل على المعابر، وبالتالي السيطرة على جباية الضرائب الفلسطينية.
ويقول أبو الروس للجزيرة نت: إنه حتى اللحظة وبمرور السنين، لم يصرح الجانب الإسرائيلي للجانب الفلسطيني بأي تفاصيل عن الأرقام المالية التي تستلم بموجبها السلطة الفلسطينية أموال المقاصة، وتعطي إسرائيل رقما ماليا نهائيا ترتئيه مناسبا فقط دون التفاصيل.
وتشكل المقاصة اليوم ما لا يقل عن 68% من إيرادات السلطة، أي أنها المصدر الأكبر لهذه الإيرادات.
والمشكلة في ذلك أيضا، وفق أبو الروس، أنه بدون وجود تدقيق لقيمة هذه الأموال، ومستندات ووثائق معززة لتفاصيلها، فإن السلطة لا تستطيع التخطيط للمستقبل، أو إعداد الموازنات التقديرية، نظرا للسيطرة على الموارد المالية لها من الجانب الإسرائيلي.
وتكمن المشكلة الأخرى -حسب المتحدث نفسه- في أن إسرائيل تخصم ديون الماء والكهرباء، وإن شاءت، فإنها تخصم جزءا من أموال المقاصة التي تجبيها للسلطة، مثل خصم رواتب الأسرى وأهالي الشهداء، التي أثارت مشكلة في الفترة الأخيرة.
ويضيف أبو الروس أن “السلطة لا تستطيع الاعتراض على ذلك أكثر من 6 أشهر، لأنها بعد ذلك، وفق الاتفاقية، فإنها إن لم تستلم أموال المقاصة من إسرائيل كيفما كانت فإنها تعتبر لاغية ولا يحق لها المطالبة بها”.
ويبين أنه بالنظر إلى بنود بروتوكول باريس الاقتصادي، فإن الارتباط الاقتصادي بين السلطة وإسرائيل وثيق ولا يمكن نزعه، مشيرا إلى أن الأنظمة والقوانين في السلطة الفلسطينية بنيت على أساس هذا الاتفاق، وبالتالي يصعب الانفكاك عن واقع تبعية الاقتصاد الفلسطيني للإسرائيلي.
ما الحل؟
يقول مجدي الجعبري للجزيرة نت إن “أموال الضرائب تشكل اليوم أسلوب ابتزاز إسرائيليا للسلطة، ومن جهة أخرى، فإن السلطة تتجه نحو الحلول الأسهل لحل هذا الابتزاز باقتطاع جزء من رواتب الموظفين”.
وبحسب الجعبري، فإن الأولى للسلطة أن تتقشف في المصاريف غير الضرورية، وأن تحارب الفساد المالي والإداري للحد من العجز الذي تعانيه، وأن تقلل صرفها المالي على الخارجية والدبلوماسية الفلسطينية، التي لا تقوم بالدور المنوط إليها من توضيح عدالة القضية الفلسطينية للعالم أولا، أو حشد الجهد المالي لصمود الفلسطيني على أرضه.
ويرى أن الحل الأمثل يتمثل في إلغاء بروتوكول باريس الاقتصادي بالكامل، لأن الإسرائيليين لا يلتزمون به، ويستخدمونه لصالحهم، ويؤكد أن الجانب الفلسطيني يتمسك بهذا البروتوكول بسبب الضعف والوهن الذي وصل إليه.
وقال الجعبري إن هذا الاتفاق يحد من تطور الاقتصاد الفلسطيني، معتبرا إياه ليّا للذراع وحصارا وتحديدا لحركة الفلسطيني عند الحواجز، وفي المستوطنات لثنيه عن الدفاع عن حقه في أرضه ووطنه ومقدراته وتحرره من الاحتلال الإسرائيلي.