الخرطوم- يحاول بنك السودان المركزي السيطرة على التراجع الكبير لسعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية عبر حزمة إجراءات لا تبدو -حسب خبراء- أنها ناجعة لمحاصرة التدهور بالعملة المحلية.
فبعد أشهر من الاستقرار، واصل الجنيه رحلة صموده رغم المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بالعاصمة الخرطوم وعدد من المدن غربي البلاد.
بل سجل الجنيه صعودا مقابل الدولار خلال التداول في السوق الموازية فور نشوب المواجهات منتصف أبريل/نيسان الماضي، منتقلا من 610 جنيهات إلى نحو 580 جنيها مقابل الدولار الواحد.
واستمر الجنيه في تسجيل حالة من الاستقرار خلال شهري يونيو/حزيران، ويوليو/تموز عند 580 جنيها، لكنه عاود النزول خلال أغسطس/آب الماضي ليبلغ الدولار الواحد 630 جنيها بسبب ارتفاع حجم الاستيراد من الخارج، على خلفية تعطل دائرة الإنتاج ونهب وإحراق العديد من المصانع والبنوك، في وقت تتركز حوالي 80% من هذه المصانع بالعاصمة الخرطوم.
ومع حلول سبتمبر/أيلول الماضي، بدأت العملة المحلية رحلة جديدة من الهبوط القوي، حيث قارب سعر الدولار الواحد حاجز الـ900 جنيه، سبقتها سلسلة ارتفاعات متوالية في السوق السوداء، بينما كان يتم تداول العملة المحلية عند نحو 700 جنيه في بعض المصارف، ما أحدث فارقا كبيرا بين السعرين الرسمي والموازي.
ويعزو مراقبون نزيف العملة المحلية في السودان إلى عدة عوامل، أهمها نقص المعروض من النقد الأجنبي مقابل ارتفاع الطلب على العملة الصعبة من المستوردين والمضاربين، وتفاقم الأزمة الاقتصادية بسبب المواجهات التي انعكست على تراجع إيرادات الحكومة بشكل كبير.
وتقول الأمم المتحدة إن الاقتصاد السوداني تراجع بنسبة تصل إلى 42% جراء المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع التي اقتربت من شهرها السادس.
إجراءات البنك المركزي
والثلاثاء الماضي خفّض بنك السودان المركزي، سقف التحويلات عبر بنك الخرطوم، للحد من نزيف العملة المحلية أمام العملات الصعبة ومحاصرة المضاربين في العملات الذين يجرون تحويلات عبر التطبيق المصرفي لبنك الخرطوم، أحد أكبر المصارف السودانية.
ونشر بنك الخرطوم إعلانا لعملائه على صفحاته الرسمية، أوضح فيه أن سقف التحويل الاعتيادي في اليوم سيتم تخفيضه إلى 6 ملايين جنيه بدلا عن 25 مليونا على ألا يتجاوز التحويل في الشهر 100 مليون جنيه، مستندا في ذلك على ما قال إنها ضوابط صادرة من البنك المركزي.
ونوه البنك إلى أن الحد الأقصى لتحويل للعملاء المميزين سيكون 10 ملايين جنيه في اليوم، على ألا تزيد التحويلات شهريا على الـ200 مليون جنيه.
والسبت الماضي أعلن بنك السودان مواصلة مساعيه لتلافي ومعالجة آثار الأزمة الناجمة عن المواجهات بما يضمن تعافي البنوك واستقرار العمل المصرفي، معلنا في بيان صحفي متابعة ورصد ما تتعرض له المصارف من عمليات نهب وتخريب وسرقة للأموال والممتلكات بشكل ممنهج منذ بداية الحرب.
وتحدث البنك المركزي عن الاستمرار في المساعي -وسط الأزمة الحالية- لتسيير وإدارة العمل المصرفي حتى يتمكن القطاع من الخروج بأقل الأضرار والخسائر، عبر معالجة الانخفاض في قيمة الجنيه وضمان استقرار سعر الصرف، ومن ذلك أيضا تخفيض سقف التحويل عبر التطبيقات المصرفية.
كما أشار إلى تمكن عدد من فروع المصارف من استعادة عملها بصورة طبيعية في المناطق الآمنة -حيث بلغ عدد الفروع العاملة 427 فرعًا- مع استعادة التطبيقات المصرفية الإلكترونية الخاصة بـ8 مصارف.
وسينظر بنك السودان المركزي -بالتنسيق مع الإدارات التنفيذية للمصارف والجهات الأخرى ذات الصلة- في تبني كافة البدائل والحلول التي من شأنها تمكين المصارف من التعامل مع الآثار والخسائر المترتبة على الأزمة بما يحفظ حقوق المودعين والمتعاملين مع المصارف ويحقق سلامة واستقرار الجهاز المصرفي.
أثر محدود
يعتبر المحلل المصرفي عثمان التوم أن الإجراءات التي اتخذها بنك السودان بوضع سقف للتحويلات عن طريق التطبيقات قد تكون محدودة الأثر لوقف تدهور الجنيه.
ويشرح للجزيرة نت: “إذا كان هناك من يريد شراء كمية من الدولارات بقيمة تصل إلى 50 مليون جنيه سوداني فلا يمكنه ذلك خلال يوم واحد بسبب وجود سقف للتحويل، كما أن من يحتاج مليون دولار لا يمكنه الحصول عليه في وقت وجيز.. وهذا يعني أن لهذه الإجراءات أثرا وقتيا”.
ويرى التوم أن الحل الجذري يكمن في معرفة حجم الطلب ولماذا يزداد فجأة ومَن هم طالبو الأموال؟ وذلك وفقا لمبدأ مصرفي يشدد البنك المركزي على الالتزام به وهو مبدأ “اعرف عميلك” يحدد بموجبه العميل ومقدراته المالية وفيما يستخدم هذه الأموال.
ويشير التوم إلى أن بنك السودان عليه معرفة حجم الطلب الحقيقي ووضع ضوابط أكثر صرامة توقف المضاربات في العملة وتحد من استمرار تدني قيمة الجنيه خاصة وتأثير ذلك على معيشة المواطنين.
ارتفاع التضخم
وبحسب آخر إعلان عن الجهاز المركزي للإحصاء في السودان والصادر في مارس/آذار الماضي، فإن معدل التضخم لشهر فبراير/شباط الماضي، تراجع إلى 63.3% مقارنة بـ83% لشهر يناير/كانون الثاني.
ويتخوف مراقبون من ارتفاع حجم استدانة الحكومة من الجهاز المصرفي خاصة مع ضعف الإيرادات مما يؤدي إلى تصاعد مستويات التضخم.
من جهته، يعتبر المحلل الاقتصادي هيثم محمد فتحي أن ارتفاع التضخم من الأسباب الرئيسية لتراجع الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية، بجانب تراجع الصادرات مقابل زيادة الواردات، وتزايد مغادرة رأس المال الأجنبي والمحلي نحو الخارج.
ويرى في حديثه للجزيرة نت أن هناك حاجة لخفض الواردات من خلال حل المشكلات التي تواجه بعض الصناعات المحلية بالبلاد وتسهيل عمليات التصدير.
ويعتقد فتحي أن هناك أسبابا أخرى غير اقتصادية أدت إلى انخفاض قيمة الجنيه تتعلق بالمناخ السياسي وحالة عدم الاستقرار الأمني في البلاد، مؤكدا أن تدني قيمة العملة ناجم عن المضاربات.
ولفت إلى أن تحويلات السودانيين المهاجرين بالخارج أصبحت المصدر الرئيس للعملة في البلاد، مما أحدث فجوة كبيرة في السوق.