الخلاف السياسي الإيطالي حول المهاجرين يطال القضاة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

روما– “قاضية فاسدة، آمل أن يقوم أحدهم بإطلاق النار عليكِ قريبا”، هذه إحدى عشرات الرسائل التي تتلقاها القاضية سيلفيا ألبانو، في قسم الهجرة بمحكمة روما، بعد رفضها التوقيع على إيداع 12 مهاجرا في مراكز الترحيل الجديدة في ألبانيا، مما زاد من التوتر السياسي بين اليمين الحاكم واليسار المعارض حول إدارة ملف الهجرة وأمن الدولة الإيطالية.

سرقت سيلفيا ألبانو، التي تشغل منصب رئيسة جمعية القضاء الديمقراطي (ذات التوجه اليساري)، الأضواء من جورجيا ميلوني اليمينية، عشية الذكرى السنوية لتنصيب حكومة اليمين التي ترأسها الأخيرة، حيث قدمت ألبانو “بلاغا مفصلا” إلى النيابة العامة بشأن التهديدات، تزامنا مع الإعداد للندوة الصحفية الخاصة بتقديم ميلوني حصيلة عمل حكومتها، ما حدا بالأخيرة إلى إلغاء الفعالية.

ألبانو التي أضحت تحمل اسم قاضية المهاجرين، بعد رفضها المصادقة على ترحيل مهاجرين مصريين وبنغلاديشيين إلى ألبانيا، مرجعة ذلك إلى أنه ليس هناك معيار ثابت للدول الآمنة، أصبحت هي نفسها مهددة في أمنها، وهو الأمر الذي رفع من مستوى التحذير لدى النخبة السياسية والحقوقية في إيطاليا.

فقد نددت قوى من اليمين واليسار الإيطاليين معا بالتهديدات، كما فعل رئيس مجلس الشيوخ إغناسيو لا روسا، الذي قال “يمكن أن تكون هناك آراء وأفكار مختلفة، لكن لا ينبغي أن يتزعزع الحوار المدني والاحترام المتبادل”.

من جهته، اعتبر الناطق الرسمي باسم منظمة العفو الدولية، ريكاردو نوري، في حديث للجزيرة نت، أن “تهديدات القتل ضد القضاة خطيرة، وهي تأكيد آخر على أن خطاب الكراهية في إيطاليا لا يتم التصدي له بشكل فعال، بل أحيانا يُغذى بلغة سامة حتى من قبل من يتقلدون مناصب رسمية”.

تسعى حكومة ميلوني اليمينية إلى زيادة ترحيل المهاجرين غير الشرعيين عبر نقلهم إلى مراكز في ألبانيا (وكالات)

قضاء مستقل أم أداة؟

وعبرت ميلوني عن قلقها من قرار قضاة محكمة روما المضاد لسياستها في إدارة ملف الهجرة، وقالت “أعتقد أن قرارهم متحيز، والدليل على ذلك هو أن بعض هؤلاء القضاة انتقدوا الاتفاق مع ألبانيا حتى قبل الدخول في جوهره”.

وأضافت ميلوني “أخشى أن يكون هذا القرار الصادر عن القضاة قد تم التنبؤ به من قبل بعض أعضاء الحزب الديمقراطي”.

وكانت ميلوني تلمح إلى موقف القاضية سيلفيا ألبانو من المرسوم الوزاري بشأن الدول الآمنة، في مقال لها نشرته بمايو/أيار الماضي، على موقع جمعية القضاة الديمقراطيين، التي ترأسها ألبانو.

أما إلي شلاين، زعيمة يسار الوسط، ورئيسة الحزب الديمقراطي، فقد ردت على ميلوني بالقول “لقد قلنا ذلك.. ليس لأننا نقرأ الطالع، بل لأننا نقرأ القوانين”.

وتعليقا على الجدل بشأن قرار القضاة الإيطاليين، يرى ريكاردو نوري أنه “لا توجد دول آمنة بطبيعتها، وأنه يجب فحص كل حالة بشكل فردي، لأنه داخل الدول الآمنة قد توجد مجموعات ضعيفة أو أجزاء من الأراضي التي ليست آمنة”.

وتعليقا على الجدل المحتدم، أكد رئيس الجمعية الوطنية للقضاة، جوزيبي سانتالوتشيا أنهم لا يعارضون الحكومة، بل يسعون للدفاع عن استقلال القضاء، مضيفا: “سيكون من غير المنطقي أن تكون السلطة القضائية، وهي مؤسسة في البلاد، ضد مؤسسة أخرى مثل السلطة السياسية”.

الضغط على القضاء

قبل يوم من الاحتفال بذكرى مرور عامين على تشكيل حكومة ميلوني، التأمت هذه الأخيرة في اجتماع خاص، لمعالجة الجانب القانوني الذي يحقق لهم المصادقة القضائية على ترحيل المهاجرين من عرض البحر مباشرة نحو مراكز الترحيل بألبانيا.

تقول البروفيسورة أنجيلا فيراريز زومبيني، أستاذة القانون الإداري في جامعة نابولي فيدريكو الثاني، إن الحكومة في محاولتها لسحب الذريعة من القضاء لم تكتفِ بنقل قائمة الدول الآمنة من مرسوم وزاري إلى مرسوم قانوني، بل قامت أيضا بتعديل قائمة الدول الآمنة بإزالة السبب الذي جعل محكمة روما لا تصادق على نقل المهاجرين إلى ألبانيا.

وتضيف زومبيني للجزيرة نت، أن من هذه الدول الكاميرون وكولومبيا ونيجيريا، والتي كانت تُعتبر آمنة في المرسوم الوزاري الإيطالي السابق، ولكن فقط لبعض الفئات من الأشخاص وفي بعض المناطق من تلك الدول.

وتزامنا مع حكم قضاة روما، سرّبت جريدة “إيل طيمبو”، المقربة من اليمين الإيطالي، رسالة إلكترونية تنتقد المد اليميني الذي تتزعمه ميلوني، كتبها المدعي العام في محكمة النقض، ماركو باتارنيللو، وهو من أبرز الأصوات في تيار القضاء الديمقراطي.

وجاء في الرسالة أن الهجوم على القضاء اليوم أخطر بكثير مما كان عليه في زمن سيلفيو برلوسكوني، لأن ميلوني ليس لديها قضايا ضدها، وبالتالي لا تتحرك لمصالح شخصية بل لرؤى سياسية، كما أنها تسعى لإعادة كتابة النظام القضائي بالكامل وليس مجرد الحصول على حصانة، في إشارة ومقارنة مع زعيم اليمين السابق برلوسكوني.

واعتبرت جريدة “إيل طيمبو” في تعليقها على رسالة المدعي العام باتارنيللو، أن “موضوع الرسالة يعكس برنامجا سياسيا معلنا تم تنفيذه من قبل القاضية سيلفيا ألبانو”.

تعد مقاربة حكومة ميلوني اليمينية للهجرة جزءا من إستراتيجياتها الانتخابية بحسب خبراء (الفرنسية)

مراكز الترحيل بألبانيا

يتخوف العديد من أفراد الجاليات العربية والمسلمة وغيرها من المهاجرين غير الشرعيين في إيطاليا، من أن يشملهم الترحيل نحو المراكز التي أنشأتها ميلوني في ألبانيا، بعد الاتفاق الذي جرى بين روما وتيرانا العام الماضي، بغرض تسريع منح الحماية الدولية في ظرف 4 أسابيع، بمعدل استقبال يصل إلى نحو 3 آلاف مهاجر شهريا.

وتجد إيطاليا نفسها في قلب النقاش حول الهجرة بسبب موقعها الجغرافي الذي يجعلها بوابة رئيسية لدخول المهاجرين إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، تحت قيادة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، كما يقول مصطفى أزعيتراوي، وهو باحث في الجغرافيا السياسية والاجتماعية، وأستاذ زائر بجامعة تورينو مختص بإشكالية الهجرة.

وأوضح أزعيتراوي في حديثه للجزيرة نت أن جزءا من تعزيز أمن أوروبا يمر عبر إدارة ملف الهجرة في إيطاليا والذي يتولى مسؤوليته وزير الداخلية ماتيو بيانتيدوزي مدعوما بوزير الخارجية أنطونيو تاجاني، “حيث يروج كلاهما لسياسات متشددة تجاه الهجرة، وذلك بهدف تعزيز الأمن الداخلي وتقليل أعداد الوافدين”.

وتُعَدُّ مقاربة اليمين للهجرة، بحسب الباحث والأكاديمي، جزءا من إستراتيجياته الانتخابية، حيث “يعزز خطابا صارما يركز على حماية الأمن الوطني والحدود”، كما بدا في تصريح وزير الداخلية بيانتيدوزي بتسريع إجراءات الحدود، وتعهده بـ”تجنب استغلال طلبات الحماية للتلاعب بنظام الترحيل”.

ويمكن وصف حالة الترحيل إلى ألبانيا، من منظور أزعيتراوي بأنها نوع من “التعاقد الخارجي” أو “التفويض الخارجي” لمعالجة الهجرة، وهو ما يمكن اعتباره بحسب المتحدث نفسه “غير قانوني بموجب القوانين الأوروبية التي تنص على حماية حقوق المهاجرين واللاجئين”.

في المقابل، يتبنى اليسار الإيطالي لغة التعددية الثقافية وحقوق الإنسان كأدوات للتعبئة السياسية، مشددا على ضرورة دمج المهاجرين وحمايتهم من القرارات التعسفية. وتعد خطوة القاضية سيلفيا ألبانو مثالا على ذلك.

في هذا السياق، تعتبر الباحثة أنجيلا فيراريس، أستاذة القانون الإداري، أن موضوع الهجرة هو أحد الموضوعات الرئيسة التي تشهد صراعا بين الأغلبية والمعارضة، وقد كان أيضا أحد المواضيع الكبرى خلال الحملة الانتخابية.

وتضيف أنه في هذا الشأن، “تمتلك الأغلبية والمعارضة رؤى مختلفة تماما، ولن يُحل هذا الصراع من خلال اعتماد هذا المرسوم القانوني”. ومع ذلك، فإن هذا الأخير الذي أزال السبب الذي جعل المرسوم السابق يتعارض مع قانون الاتحاد الأوروبي، سيجعل من الصعب جدا على المحكمة عدم التصديق على نقل المهاجرين إلى ألبانيا، غير أن الباحثة أنجيلا فيراريس تقول إنه يظل من حق القضاة النظر في كل حالة بشكل فردي.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *