بيروت- لم تخفِ القوى السياسية اللبنانية، بمختلف انتماءاتها، مواقفها من التصعيد العسكري بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله منذ فتح الحزب جبهة الجنوب لدعم غزة ونصرة أبنائها.
ومع استمرار هذه المواجهات وتحولها إلى حرب “ضروس” على لبنان، تعالت أصواتها خصوصا مع طول أمدها، ذهبت بعض القوى السياسية إلى اعتبار أنها “ليست حرب لبنان”، مشيرة إلى ما قد تسببه من آثار كارثية على الشعب اللبناني بكل طوائفه، في ظل الأزمات التي تعصف بالبلاد.
ومنذ سنوات، يعيش لبنان سلسلة من الأزمات السياسية والاقتصادية والصحية المتتالية، بدأت بالانهيار الاقتصادي في أكتوبر/تشرين الأول 2019، وتفاقمت مع جائحة كورونا في عام 2020، ثم جاء انفجار مرفأ بيروت في أغسطس/آب 2021، وصولا إلى الفراغ الرئاسي في أكتوبر/تشرين الأول 2022 مع انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون.
أولويات
وجاء فتح جبهة الجنوب دعما لغزة بعد عملية “طوفان الأقصى”، التي تلتها الحرب على لبنان في سبتمبر/أيلول 2024، لتزيد من تعقيد المشهد وتفاقم الخلافات بين القوى المختلفة.
وترى بعض القوى السياسية أن الأولوية اليوم تكمن في وقف الحرب قبل مناقشة مختلف القضايا الداخلية، وهو ما تؤكده كل من حركة أمل وحزب الله، إذ يشددان على أنه “لا تفاوض تحت النار”. وقد أوكل الحزب مهمة التفاوض السياسي إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري.
ومع ذلك، لم تتفق هذه القوى بعد على ترتيب الأولويات؛ إذ تطالب أحزاب “القوات اللبنانية” و”الكتائب” و”التيار الوطني الحر” بانتخاب رئيس للجمهورية أولا، مع فصل هذا الاستحقاق عن الحرب الجارية، والسعي إلى فصل لبنان عن تداعيات الصراع في غزة.
ويرى عضو كتلة التنمية والتحرير (الكتلة البرلمانية لحركة أمل) النائب قاسم هاشم أن الاعتقاد بأن الصراع مع إسرائيل يقتصر على حزب سياسي واحد يعكس عدم فهم طبيعة هذا النزاع وتاريخه.
وأكد -للجزيرة نت- أن الصراع مع “هذا العدو ليس وليد اللحظة، بل مستمر منذ 76 عاما، وهو معركة مفتوحة لا يمكن حصرها بفصيل سياسي معين”. وأضاف “صحيح أن جهة معينة تقود المواجهة حاليا. لكن في الواقع، لبنان بأكمله معني بهذا الصراع”.
وحسب هاشم، “حمل بعض اللبنانيين (المقاومة) السلاح دفاعا عن الوطن، لكن المواجهة مع العدو تخص جميع اللبنانيين”. وأضاف أن العدوان الإسرائيلي توسع اليوم ليشمل مناطق مختلفة من البلاد، فلم تعد تقتصر الاعتداءات على الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، بل شملت أيضا جبل لبنان والشمال.
وتابع أنه على الرغم من التزام لبنان بالقرار 1701 منذ البداية، فإن إسرائيل لم تفعل ذلك، وإن المطلوب اليوم هو وقف العدوان والشروع في تنفيذ القرار بطريقة متوازنة بين الجانبين. وأضاف أن لبنان أعلن التزامه به بمختلف مكوناته السياسية، إلا أن غياب الإرادة الأميركية، التي تعد الشريك الأساسي في هذا الملف، عرقل عملية التنفيذ ووقف العدوان.
رغم الخلافات
من جانبه، يرى عضو المجلس السياسي في التيار الوطني الحر وليد الأشقر أن أي مواجهة بين أي فريق لبناني وأي “معتدٍ خارجي” تستوجب الوقوف إلى جانب اللبناني. وأكد أنه رغم الاختلافات الداخلية بين التيار وحزب الله فإن التيار يدعم أي جهد لبناني لمواجهة الاعتداءات الخارجية.
وفي تصريحه للجزيرة نت، قال الأشقر إن التيار الوطني لديه عدد كبير من الملاحظات على أداء الحزب في الملفات الداخلية، ويختلف معه في قضايا داخلية متعددة. ورغم ذلك، يرى أن هذه الملفات يجب أن تُبحث في وقت لاحق، فالأولوية في الوقت الراهن هي لمواجهة الاعتداءات الخارجية.
وشدد على أن التيار يقف إلى جانب أي لبناني يقاوم الاحتلال الإسرائيلي، ويرفض أي تعدّ على حدود لبنان البرية والبحرية أو الجوية. وأشار إلى أن أي جهد يقوم به حزب الله لدحر العدوان الإسرائيلي يحظى بدعم التيار.
من جهته، أوضح أمين السر العام في الحزب التقدمي الاشتراكي ظافر ناصر -للجزيرة نت- أن الموقف الأساسي لحزبه يتمثل في الدعوة إلى وقف إطلاق النار وتطبيق القرار (1701) وانتشار الجيش اللبناني. وأكد أن لبنان ملتزم بتنفيذ هذا القرار، ولكن إسرائيل تستمر في عدوانها المدمر، مستهدفة الحجر والشجر والبشر على حد سواء، وأن الاعتداءات تطال المدنيين بشكل واضح.
وأشار ناصر إلى أن الوضع الحالي يزداد خطورة مع اتساع دائرة الاعتداءات الإسرائيلية، فلم تقتصر على الجنوب والضاحية، بل امتدت إلى أطراف بيروت، بعد أن تعرض وسط العاصمة لغارات الأسبوع الماضي.
ثمن الحرب
أما مسؤول جهاز الإعلام في حزب القوات اللبنانية شارل جبور فيرى أن “حزب الله لا يحق له إعلان الحرب على إسرائيل، وأن هذا القرار من صلاحيات الدولة اللبنانية وحدها وليس الحزب”.
وبرأيه “ارتكب الحزب خطأ كبيرا في 8 أكتوبر/تشرين الأول عندما أعلن الحرب على إسرائيل”، واصفا هذا الفعل “بالخطيئة بحق لبنان”، كما يقول للجزيرة نت.
وأضاف جبور أن “ما يحدث منذ ذلك التاريخ حتى اليوم من دمار وخراب وموت هو نتيجة مباشرة لقرار حزب الله، فهو اتخذ هذا القرار رغم معرفته بأن أغلب اللبنانيين لا يريدون الحرب، وذلك ما جعلهم عالقين بين نيران إسرائيل وإيران”، حسب تعبيره.
ووفقا له، فإن “الحزب ينفذ حربا قررتها إيران على الأراضي اللبنانية، ولا علاقة للبنانيين بها ولا مصالح لهم فيها، مما يجعل هذا الأمر مرفوضا بشكل قاطع”.