أزمة الديون تهدد بحذف مصر من مؤشر “مورغان” للسندات

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

القاهرة – لا يزال القلق من العودة إلى سوق السندات المصرية، هو سيد الموقف منذ خروج أكثر من 20 مليار دولار من السوق المصرية، في أعقاب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وتبني الفدرالي الأميركي سياسة نقدية متشددة للسيطرة على معدل التضخم، وتراجع صافي العائد على أدوات الدين المصرية.

ارتفعت المخاطر بشأن الاستثمار في الأوراق المالية المصرية، مع استمرار تعثر المفاوضات بين القاهرة وصندوق النقد الدولي؛ بسبب عدم تلبية جميع الاشتراطات اللازمة لاستمرار برنامج الإنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار، لمدة 46 شهرا نهاية العام الماضي.

وبعد نحو عام ونصف العام من انضمام مصر إلى مؤشر “جي بي مورغان” للسندات الحكومية بالأسواق الناشئة، وضع البنك السندات المصرية المقوّمة بالجنيه والمدرجة في مؤشره للأسواق الناشئة، على قائمة المراجعة السلبية.

وأوضح أن صلاحية انضمام مصر لمؤشرها ستقع تحت المراجعة للفترة من 3 إلى 6 أشهر، في ظل وجود عقبات أمام الحصول على عملات أجنبية، وسيترتب على استمرار هذا الوضع، حذفها من سلسلة المؤشرات التابعة للمؤشر.

تراجع الوزن النسبى لمصر في مؤشر جي بي مورغان إلى نحو 1% مقابل 1.85% وقت الإدراج، مطلع فبراير/شباط 2022، ومن ثم أصبحت مراجعة استمرارها على المؤشر مرهونة بالعودة إلى النسبة الأصلية.

وكانت مصر واحدة من دولتين فقط بالشرق الأوسط وأفريقيا في مؤشر “جي بي مورغان”، ورأتها مصر حينها “شهادة ثقة جديدة من المستثمرين الأجانب، على صلابة الاقتصاد المصري”، ولكنها مهددة الآن بفقدانها.

تكمن أهمية البقاء في المؤشر في إتاحة الوصول إلى أكبر عدد من المستثمرين الأجانب في أدوات الدين، حيث تعتمد الحكومة المصرية بشكل كبير على هذه السوق الكبيرة، لتوفير التمويلات اللازمة لاحتياجاتها الأساسية.

مكانة مصر على المؤشرات

فقدان قنوات استثمار مالية عالمية يقلق الحكومة المصرية، بحسب الخبير الاقتصادي إبراهيم نوار، حيث كانت الحكومة تتجه إلى توسيع نطاق تداول الأوراق المالية الحكومية (أذون وسندات الدين العام) بتسجيل تداول هذه الأوراق على قائمة تداول “يوروكلير”، إضافة إلى “جي بي مورغان”، بهدف زيادة حصيلة الاستثمارات الأجنبية في هذه الأوراق.

يضيف إبراهيم للجزيرة نت، لكن بسبب شحّ الدولار، وسيطرة الحكومة على البنك المركزي، ومصادرة حصيلة الإيرادات الدولارية لصالح ما يسمى “الجهات السيادية”، فقد عجز البنك المركزي عن سداد حقوق المستثمرين الدولارية عند بيعهم لما في حوزتهم من أوراق مالية حكومية، ونتيجة لتراكم مستحقات المستثمرين من بيع أصول مالية حكومية؛ فإن تداول هذه الأوراق توقف تقريبا.

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن هناك علاقة مؤكدة بين قرار “جى بي مورغان” وأزمة السيولة الدولارية، وهذه الأزمة سوف تزداد عمقا من الآن حتى نهاية العام، وذلك على الرغم من حصول الحكومة على قروض وتمويلات ومبيعات الأصول، خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي.

ويرى إبراهيم أن الموارد التي حصلت عليها الحكومة لم يظهر لها أثر في رقم احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي، ولا في صافي الأصول الأجنبية لدى الجهاز المصرفي، ولا على تمويل الواردات.

إضافة إلى تقارير حديثة تشير إلى أن الجنيه المصري خُفضت قيمته أمام الدولار 3 مرات، وفقد نصف قيمته منذ أوائل 2022، مما أدى إلى ارتفاع معدل التضخم السنوي إلى مستوى قياسي عند 37.4%

صندوق النقد وأزمة الثقة

تبدو قيمة اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي -الذي أصبح على المحك- أكثر بكثير من قيمة القرض البالغ 3 مليارات دولار؛ إذ إنه يشكل أهمية بالغة لاستعادة ثقة المستثمرين في الاقتصاد المصري برمته.

وفي مؤشر على محاولة رأب صدع الخلاف بين الحكومة المصرية وإدارة الصندوق اتفق الطرفان، قبل أيام، على دمج المراجعتين الأولى والثانية اللتين سيجريهما الصندوق لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الحكومي، وذلك بعد تأجيل المراجعة الأولى مرارا لعدم الوفاء بتعهداتها.

وتوقعت وزارة المالية المصرية، في بيان، أن يُحدّد موعد جديد للمراجعتين قبل نهاية العام، أي بالتوازي مع انتهاء انتخابات الرئاسة، ما يفسح الطريق أمام اتخاذ إجراءات اقتصادية وصفها اقتصاديون بأنها قد تكون مؤلمة لتلبية شروط البرنامج المتفق عليه مع الصندوق.

أثار الاتفاق تساؤلات أكثر حول مدى عمق الأزمة المالية في مصر، ما دفع صندوق النقد للتوضيح بأن السلطات المصرية باتت أكثر جدية بشأن تنفيذ بيع أصول للدولة، بعد عدد من الصفقات البارزة، مما يسهل تنفيذ برنامج الإقراض المتفق عليه.

وحسب تقرير نشره موقع بلومبيرغ الأميركي، فإن الصندوق يركز الآن على كيفية إدارة مصر عملتها، فضلا عن مزيد من الوضوح بشأن الإنفاق العام، الذي يشمل المشروعات الكبرى لإزالة العقبات أمام إطلاق برنامج الإقراض.

جدارة مهددة

وضع تصنيف مصر في مؤشر وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني ليس أقل سوءا -إن لم يكن أسوأ- بعد خفض تصنيف مصر السيادي في فبراير/شباط 2023 درجة واحدة إلى “بي 3” (B3) من “بي 2” (B2)، مشيرة إلى تراجع احتياطاتها من النقد الأجنبي، وانخفاض قدرتها على امتصاص الصدمات الخارجية.

وخفضت الوكالة سقوف العملة المحلية لمصر إلى “بي إيه 3” (Ba3) من “بي إيه 2” (Ba2)، وقالت، إنها لا تتوقع انتعاش السيولة في مصر وتحسن وضعها الخارجي سريعا، وهو ما تحقق لاحقا ودفع الوكالة إلى مدّ تأجيل المراجعة في أغسطس/آب المنصرم، لمدة 3 شهور لمساعدتها في تجنب الوقوع في فخ التصنيف من فئة (C) “سي”.

في حال تخفيض مصر درجة واحدة ستدخل في خانة درجة (CCC+)، وهي جدارة ائتمانية عالية المخاطر، ولا تشجع على الاستثمار؛ لأنها تبقى على بُعد درجة من التصنيف الأخير، وتمثل رسالة سلبية للمستثمرين برفع مخاطر عدم السداد.

ما بين الخفض والمراجعة

يرى الباحث في الاقتصاد حافظ الصاوي، أن “استمرار تدهور وضع مصر على المؤشرات الدولية ما بين خفض ومراجعة للخفض، يعكس حالة الديون الخارجية التي وصلت إلى مرحلة تؤثر في وضعها الاقتصادي، ونظرة المستثمرين الأجانب لها”.

وأوضح، في حديثه للجزيرة نت، أن الأزمة لا تكمن في حجم الدين الخارجي، بقدر ما تكمن في أداء الناتج المحلي الإجمالي المتواضع، ومن ثم ينعكس ذلك على مؤشرات سداد الدين، التي تصبح سلبية فضلا عن أن إدارة الديون المصرية بشكل عام، سواء الداخلية أو الخارجية، أصبحت مشكلة حقيقية في ظل زيادة أعباء الديون، التي أصبحت البند الأول في مخصصات الإنفاق بالموازنة العامة للدولة.

على الصعيد الخارجي، يعتقد الصاوي، أن التقييمات السلبية ستجعل حصول مصر على ديون جديدة من السوق الدولية مكلفا جدا، سواء من حيث سعر الفائدة، أو أقساط التأمين على الديون المصرية، ويؤكد أن مصر تعدّ واحدة من أكثر الدول التي تقترض بسعر فائدة مرتفع على مستوى العالم.

ورأى أن استمرار الوضع دون تحسن سيجعل أزمة التمويل تنعكس بالسلب على أداء الوضع التمويلي، وعلى مصر البحث عن مخارج غير تقليدية بشأن ما يتعلق بتمويل التنمية، مشيرا إلى أن استمرار الاعتماد على الديون أصبح أمرا غير مقبول للوضع المالي المصري.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *