تزداد وتيرة تعزيز العلاقات بين الصين والمغرب بصورة ملحوظة، وقد صارت المملكة وجهة رئيسية للاستثمارات الصينية في مجالات البنية التحتية والتكنولوجيا، في الوقت الذي يسعى فيه المغرب إلى تعزيز مكانته مركزا لوجستيا يربط بين أفريقيا وأوروبا.
وفي تقرير نشره موقع المونيتور، قالت الكاتبة سابينا صديقي إن شركة البنية التحتية الصينية الكبرى “ريلواي شانهايجوان بريدج” وشركة “فوسلوه كوغيفر” الألمانية الرائدة في مجال تكنولوجيا السكك الحديدية حصلت على عقود بقيمة 56.2 مليون دولار في وقت سابق من هذا الشهر لتوريد مكونات أساسية لتوسيع شبكة السكك الحديدية الفائقة السرعة في المغرب.
وأضافت أنه بعد إطلاق قطار البراق الأسرع في أفريقيا، الذي تصل سرعته إلى 300 كيلومتر في الساعة، في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أعربت الحكومة المغربية عن رغبتها في توسيع شبكة القطارات الفائقة السرعة التي يبلغ طولها حاليا 323 كيلومترا، ووفقا للمشغل الوطني للسكك الحديدية في المغرب، المكتب الوطني للسكك الحديدية المغربية، فإن التحديثات المتعاقد عليها ستدعم خط القنيطرة- مراكش، وهو أحد أكثر ممرات النقل حيوية في البلاد.
في الوقت نفسه، بدأت الشركة الصينية لتصميم السكك الحديدية في إجراء مسودة دراسات أولية لإنشاء خط السكك الحديدية الفائق السرعة الثاني في المغرب المخطط له أن يربط بين الدار البيضاء وأغادير.
من جهته، أرجع زيشان شاه، المحلل في شركة فينرا في واشنطن، أهمية توسعة خط السكك الحديدية الفائق السرعة في المملكة لعدة عوامل، أولها أنه “سيساعد في نقل الزوار في جميع أنحاء البلاد لحضور كأس العالم لكرة القدم 2030، الذي سيستضيفه المغرب بالاشتراك مع إسبانيا والبرتغال، كما سيقلل من وقت السفر بين المدن المغربية الرئيسية وسيسهل حركة البضائع، مما يجعل المغرب المركز اللوجستي الرئيسي للتجارة بين أفريقيا وأوروبا”.
وتعليقا على دور بكين في توسيع خدمة القطار السريع في المغرب، قال المستشار الإعلامي المغربي المقيم في الرباط أنس مزور إنه في الوقت الذي فازت فيه الشركات الصينية بعدد من الصفقات لتنفيذ القطار الفائق السرعة بين القنيطرة ومراكش، من شأنها أن تساهم في تحقيق “جانب مهم من مبادرة الحزام والطريق” في ما يتعلق بالبنية التحتية، فإن مشاريع تصنيع بطاريات السيارات التي تم توقيعها مؤخرا مع كبرى الشركات الصينية تساهم بشكل أكبر في الجانب التنموي والاقتصادي في المغرب.
وأوضحت الكاتبة سابينا صديقي أن قطاع السيارات الكهربية الجديدة في الصين يحظى باهتمام كبير في المغرب، الذي يعد أكبر مُصنِّع للسيارات في أفريقيا، ولديه القدرة على إنتاج ما يقرب من مليون سيارة سنويا، كما أن احتياطاته من مواد البطاريات المهمة تسرع من ظهوره بوصفه مركزا لتصنيع السيارات الكهربائية.
والعام الماضي، وقّع المغرب وشركة “غوشن هاي-تك” الصينية مذكرة تفاهم بقيمة 6.4 مليارات دولار لبناء مصنع كبير لبطاريات السيارات الكهربائية بالقرب من الرباط.
المغرب والحزام والطريق
وأصبح المغرب عام 2017 من أوائل الدول في أفريقيا والعالم العربي التي انضمت إلى مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها بكين، وصار عضوا في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية بقيادة الصين في ديسمبر/كانون الأول 2018.
وعلاوة على ذلك، في يناير/كانون الثاني 2022، وقّع وزير الشؤون الخارجية المغربي ناصر بوريطة ونائبة رئيس اللجنة الوطنية الصينية للإصلاح والتنمية، نينغ جيجي على اتفاقية بشأن خطة تنفيذ مبادرة الحزام والطريق المشتركة.
ولفتت الكاتبة إلى أن “الاستثمارات الاقتصادية الصينية في المغرب كانت تتجه نحو شراكة إستراتيجية بنموذج الربح المتبادل، خاصة في ظل توافر أكبر احتياطات الفوسفات في المغرب، إلى جانب عدد من المعادن الأخرى التي تدخل في صناعة البطاريات”.
وأفادت الكاتبة بأن الاتفاقية تهدف إلى تعزيز فرص الحصول على التمويل الصيني في إطار مبادرة “الحزام والطريق”، وإقامة مشاريع ضخمة في المغرب، وتسهيل التجارة والمشاريع المشتركة.
وبعد اختيار 14 قطاعا مهما للمشاريع في إطار مبادرة الحزام والطريق، تشمل المجالات ذات الأولوية البنية التحتية والصحة والزراعة والصناعة والطاقة المتجددة والتكنولوجيا.
وفي إشارة إلى السياق الجيو-اقتصادي للخطة، قال مزور إن ذلك جعل المغرب “همزة وصل اقتصادية” يمكن للصين التعاون معها لتصدير منتجاتها الصناعية إلى أوروبا وأميركا الشمالية.
وعلى سبيل المثال، أشار مزور إلى أن تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب يمثل خطوة مهمة جدا بالنسبة للمغرب من أجل “الحفاظ على موقعها المتقدم في صناعة السيارات، وخلق مزيد من فرص العمل، وتطوير مهارات الموارد البشرية”.
وأضاف مزور أن تزايد الاستثمارات الصينية في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المغرب، والاتفاقيات المبرمة بين هواوي ومختلف الجهات المغربية، بما في ذلك الوزارات والمؤسسات التعليمية، تُعد “مساهمة كبيرة في تنمية البلاد”.
العلاقات الإستراتيجية
وذكرت الكاتبة أن الرباط وبكين تتمتعان بعلاقات دبلوماسية منذ عام 1958، وترتبطان بشراكة قوية، وقد دعمت الصين الاستقرار السياسي في المغرب من خلال إظهار الدعم لحكومته عندما اندلعت انتفاضة سياسية في فبراير/شباط 2011.
وأشارت الكاتبة إلى أنه تم التوقيع على إعلان مشترك بشأن إقامة شراكة إستراتيجية بين الرباط وبكين، خلال الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس إلى الصين عام 2016، ليصير المغرب أول بلد في شمال أفريقيا يرتبط بميثاق تعاون شامل مع الدولة صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
ونوهت الكاتبة بإبرام 15 اتفاقا بين الشركات المغربية والصينية، ثم في عام 2021، التقى عضو مجلس الدولة الصيني يانغ جيتشي مع بوريطة في بكين، واتفق الجانبان على تعميق شراكتهما الإستراتيجية.
العلاقات التجارية
أصبحت الصين، عام 2022، ثالث أكبر شريك تجاري للمغرب والشريك الأول في آسيا، وبلغ إجمالي حجم التبادل التجاري 7.6 مليارات دولار، وحاليا، تصل الاستثمارات الصينية في المغرب إلى حوالي 56 مليون دولار.
ومع ذلك، ووفقا لتقرير مؤشر الاستثمار الصيني العالمي لعام 2023 الصادر عن وحدة الأبحاث الاقتصادية التابعة لمجلة الإيكونوميست البريطانية، كان المغرب ثالث أكثر البلدان جاذبية للاستثمار الصيني في أفريقيا العام الماضي بعد مصر وجنوب أفريقيا.
وخلال زيارته مؤخرا إلى المغرب، التقى وزير التجارة الصيني وانغ وينتاو وزير التجارة المغربي رياض مزور، وعرض الأخير إمكانات منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، والتي تعد وسيلة لتطوير المنتجات المغربية والصينية للأسواق الأفريقية الواعدة، وأشار وانغ إلى أن المملكة أصبحت وجهة مفضلة للشركات الصينية.
وفي الوقت الحاضر، تستوعب مدينة محمد السادس للتكنولوجيا في طنجة، وهي منطقة تصنيع وتكنولوجيا ترعاها الصين خارج مدينة طنجة الساحلية شمال المغرب، عشرات الشركات الصينية.
ولاحظ شاه أن العلاقات التجارية بين المغرب والصين قد شهدت طفرة خلال السنوات القليلة الماضية، مشيرا إلى أن ثمة زيادة بنسبة 50% في حجم التجارة بين البلدين منذ انضمام المغرب رسميا إلى مبادرة “الحزام والطريق” الصينية عام 2017.
وتابع شاه أنه في غضون سنوات قليلة فقط، تفوقت الصين على فرنسا لتكون ثاني أكبر مصدر لواردات المغرب، “خاصة في قطاعي السيارات ومكونات السيارات الكهربائية، نظرا لأن المغرب الآن هو أكبر مصدر للسيارات إلى الاتحاد الأوروبي”.
وقال شاه إن السبب في ذلك هو أن المغرب “وجهة جذابة للاستثمار الصيني في إنتاج البطاريات، وفي نهاية المطاف تجميع السيارات الكهربائية، بسبب وجود قاعدة كبيرة لتصنيع السيارات في البلاد”.
المشاريع المشتركة
ونقلت الكاتبة ما كتبه الخبير الاقتصادي بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، دونغ ليو، عام 2019، حينما أشار إلى أن المغرب يمتلك بيئة واعدة لتوسيع التصنيع الصناعي كثيف العمالة، مما يمنحه ميزة لنقل التصنيع المحتمل من الصين إلى المغرب.
وبفضل القرب الجغرافي من أوروبا، والبيئة السياسية والاقتصادية المستقرة، واتفاقيات التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، أصبح المغرب موقعا مثاليا لإقامة مشاريع مشتركة للشركات الصينية والغربية على حد سواء.
وفي معرض توضيحه لمزايا هذا الترتيب، أفاد شاه بأن المغرب أصبح ذا أهمية متزايدة بالنسبة للصين، إذ أصبح “نقطة انطلاق لشركاتها للتصدير إلى الاتحاد الأوروبي، ويمكن أن يساعد في التهرب من أي رسوم جمركية محتملة قد تفرضها دول الاتحاد الأوروبي على السلع الصينية القادمة مباشرة من الصين”.
وأضاف شاه أن المغرب يمنح الصين وصولا غير مسبوق في ما يتعلق بمصالحها الاقتصادية في كل من أفريقيا والاتحاد الأوروبي، وقد أصبح “البوابة الرئيسية للصين نحو شمال وغرب أفريقيا بفضل موقعه الجغرافي وبنيته التحتية للنقل”.