غزة- ما زالت التخوفات تلاحق المواطن جلال عرفات وعائلته، جراء منع قوات الاحتلال الإسرائيلي دخول المساعدات الغذائية إلى شمال قطاع غزة، خاصة بعدما فقد بيته وكل ما يملك بسبب التوغل المستمر في حي الزيتون، فلم يعد لديه أي مصدر للدخل سوى المساعدات.
يقول عرفات إنه يشعر بالخوف مما هو قادم، ومن الآثار المترتبة على العدوان، “من حرب الإبادة والتجويع والتطهير العرقي، التي لا علاقة لها بقيمة الإنسان، واحترامه وآدميته، فالاحتلال الإسرائيلي تعدى كافة الخطوط الحمراء، ولم نشهد أنه تم تجويع أي شعب سوى في قطاع غزة”.
ومع اشتداد الحصار على مدينة غزة وشمالها والمستمر منذ بداية شهر مايو/أيار الماضي، يؤكد عرفات أن أصناف اللحوم والفواكه والبيض لم تدخل إلى شمال قطاع غزة، رغم أنها مكونات أساسية لا غنى عنها، مشيرا إلى أن المواطن تم استنزافه ماديًا في ظل انعدام الدخل، “فالاحتلال معني بسياسة التجويع من أجل تهجير الأرض من سكانها قسريا”.
ووضح عرفات أن استمرار قوات الاحتلال الإسرائيلي بمنع دخول المساعدات والسلع الأساسية سبب غلاء في السلع المحلية البديلة، وأصبح سعرها أضعاف ما كان سابقا، ويضيف أنه من الصعب أن يجد المواطن في قطاع غزة ملاذا آمنا، “والتجارب السابقة كانت أكبر دليل، فالمواطن ينزح إلى منطقة ظنا منه أنها أكثر أمانا ويتم قصفه فيها، وهذه سياسة ممنهجة للاحتلال من أجل تفريغ الأرض من سكانها” حسب قوله.
معاناة جماعية
ومن جهته، يقول المواطن رمزي شبير إن الأمر تعدى الخوف والرعب من القادم، “فلم يعد هناك أي مساعدات يتم توزيعها على المواطنين في مدينة غزة وشمالها، ومن لديه مخزون لمدة أسبوع أو 10 أيام قد نفد، أصبحنا نأكل دقة وزعتر فقط”.
ويضيف شبير “كان موعد استلامي لكابونة الأونروا عن شهر سبتمبر/أيلول بتاريخ 6 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، ولكن تم تأجيلها إلى أجل غير مسمى، نظرا لنفاد المساعدات وعدم توفر البديل”.
ويؤكد أن سكان شمال قطاع غزة يخافون من القادم أن يكون أسوأ، خاصة أنهم عاشوا فترة انقطاع الدقيق من قبل، ووصل حينها سعر الكيس إلى حوالي ألف دولار، ولجؤوا إلى تناول أعلاف الحيوانات، حتى إنهم تقاسموا رغيف الخبز حينها.
ويردف شبير وهو أب لـ5 أطفال “أنا عندي طفل رضيع ولد قبل شهر، وأوفر له الحليب بصعوبة، حيث إنه نفد من نقاط التوزيع التي كانت توفره، وكل يوم يزداد السعر بشكل جنوني في الأسواق”، ويضيف “نعاني جميعا من سوء التغذية، عندما أنجبت زوجتي أجريت لها عملية قيصرية، ومن قلة الأكل التهب مكان الجرح ولم يلتئم بسهولة، عدا عن أنها مرضعة وكل هذا يؤثر عليها وعلى طفلي”.
دون الحد الأدنى
كشف مصدر مسؤول في إحدى الجهات المشرفة على توزيع المساعدات للجزيرة نت، أن سلطات الاحتلال منعت منذ 16 يوما، إدخال المساعدات إلى محافظة شمال غزة، مما ينذر بمجاعة حقيقية.
وتحدث المصدر -الذي فضل عدم الكشف عن هويته- عن طبيعة حركة شاحنات المساعدات إلى شمال وادي غزة (محافظة غزة وشمال القطاع)، وقال “وصلت في 16 من الشهر الحالي عبر معبر “زيكيم” 14 شاحنة مساعدات إلى مدينة غزة، تضم 46% منها طرودا غذائية، و29% طرودا صحية، و21% طحينا، و4% خميرة.
وأضاف “وفي اليوم التالي وصلت 28 شاحنة، تضم 30% طحينا، و29% طرودا غذائية، و21%طرودا صحية، و20% مكملات غذائية، وفي اليوم الذي تلاه وصلت 28 شاحنة، تضم 68% طحينا، و32% طرودا صحية”.
ويؤكد المصدر ذاته، أن المساعدات وصلت إلى مدينة غزة دون مناطق شمال القطاع التي تخضع إلى حصار مشدد وسياسة تجويع ممنهجة، “علمًا بأن المساعدات التي دخلت إلى مدينة غزة، لا تلبي الحد الأدنى لاحتياج المواطنين” حسب وصفه.
سياسة الحرمان
يؤكد المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر أن المساعدات تدخل إلى مدنية غزة دون مناطق الشمال، “فمنذ أن بدأ الاجتياح الحالي لم يدخل إلى شمال غزة أي شاحنات منذ أكثر من 3 أسابيع، وهذا يوضح الخطة الخبيثة لحصار شمال غزة، ضمن خطة الجنرالات المخطط لها، حتى لو لم يتم الإعلان عنها”.
ويضيف أن الشاحنات التي دخلت إلى مدينة غزة تركز على صنف واحد وهو الدقيق، مع القليل من المعلبات دون التنويع في الأصناف التي يحتاجها المواطنون ضمن استعمالهم اليومي، من سلع غذائية وصحية وأغطية وحرامات”.
مذكرا بأنه قبل العدوان المستمر على قطاع غزة، كان يدخل يوميا 350 شاحنة بالمتوسط عبر معبر كرم أبو سالم، ما عدا يومي الجمعة والسبت، لكن حاليا ما يدخل إلى جنوب وشمال غزة لا يتعدى 30 شاحنة، أي ما نسبته في أحسن الأحوال 10%، وبأصناف معينة لا تلبي الاحتياج.
ويشير أبو قمر إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي “ومن باب الدعاية” حسب قوله، لجأت إلى سياسة الإغراق في إدخال صنف الطحين إلى شمال غزة، ومنعت دخول باقي الأصناف، موضحا أن سياسة الحرمان يقودها الاحتلال بشكل ممنهج، للتنغيص على حياة المواطنين وزيادة المعاناة، وهي حرب أخرى بجانب حرب الإبادة الجماعية والتهجير القسري والقتل والدمار.