حذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الأحد الماضي، من أن مصر قد تضطر إلى إعادة تقييم برنامجها مع صندوق النقد الدولي الذي تبلغ قيمته 8 مليارات دولار إذا لم تأخذ المؤسسات الدولية في اعتبارها التحديات الإقليمية غير العادية التي تواجه البلاد.
ورأى السيسي أن برنامج الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد قد يحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر، إذ فرضت الضغوط الاقتصادية عبئا لا يطاق على المصريين الذين يعانون ارتفاعات الأسعار الناتجة عنه.
1) ماذا تعني المراجعة؟
ومراجعة موقف مصر مع الصندوق تعني إعادة فتح برامج الإصلاحات الاقتصادية وتأجيل بعضها لفترات لاحقة، لتخفيف صدمة تبعاتها على المستهلك المحلي.
ونقلت وكالة الأناضول عن مصدر، لم تسمه، في صندوق النقد الدولي قوله إن المؤسسة الدولية مصممة على المضي قدما في خطة الإصلاحات من دون تغيير، وفق الجداول الزمنية المحددة مسبقا مع الحكومة المصرية.
وقال المصدر: “تبقى من الإصلاحات التي لم يتم إكمالها بعد، رفع الدعم كاملا عن الوقود، إلى جانب رفع الدعم عن الكهرباء لبعض الشرائح الاستهلاكية، وتخارج الدولة من عشرات الشركات العاملة في البلاد”.
وأعلنت مصر عن أكثر من صفقة، خلال العام الجاري، تبيع فيها حصصا للدولة في عديد من الشركات لمصلحة القطاع الخاص المحلي.
وفي حال ظهور خلافات بين الجانبين بشأن مواعيد تنفيذ الإصلاحات، فإن الصندوق قد يتجه إلى تأجيل مراجعات البرنامج مع مصر، وهو ما سيؤجل تسليم شرائح جديدة من القرض البالغ 8 مليارات دولار.
وفعلا، أعلن الصندوق مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري تأجيل مراجعته لمصر التي كانت مقررة هذا الشهر، إلى نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، من دون إبداء الأسباب.
2) لماذا تريد مصر مراجعة الاتفاق؟
بالعودة إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2022، في ذلك الوقت اتفقت مصر مع الصندوق على برنامج إصلاحات اقتصادية يرافقه قرض بقيمة 3 مليارات دولار، قبل أن يتم تعليقه في 2023، بسبب خلافات بين الجانبين أبرزها رفض القاهرة تعويم الجنيه.
وتأثرت القاهرة بشدة جراء الحرب الروسية الأوكرانية منذ فبراير/شباط 2022، نتج عن ذلك ارتفاع فاتورة واردات السلع المقومة بالنقد الأجنبي، مما أدى إلى تراجع وفرة الدولار، وفاقم ذلك تخارج أكثر من 20 مليار دولار من استثمارات الأجانب بأدوات الدين المصرية.
وفي 2023، ساءت سوق الصرف الأجنبية في مصر، مما دفع إلى ظهور السوق السوداء للعملة، رافق ذلك تعليق الصندوق إجراء مراجعات لبرنامجه الإصلاحي مع القاهرة، والذي عادة ما ينتج عنه صرف شريحة من القرض المالي.
ومرد الخلاف في ذلك الوقت هو رفض مصر تحرير سعر صرف الجنيه.
لكن مع اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، في أكتوبر/تشرين الأول 2023، تراجعت السياحة الوافدة إلى مصر، ثم هبطت حركة عبور السفن من قناة السويس، إذ تعد عائداتهما بجانب الصادرات من أهم مصادر النقد الأجنبي للبلاد.
وتحدث صندوق النقد الدولي مطلع 2024 في أكثر من مناسبة عن تضرر مصر بسبب التوترات الجيوسياسية في الإقليم، إلى أن تم الاتفاق على توسيع القرض السابق من 3 مليارات إلى 8 مليارات دولار، والذي جرى إعلانه مارس/آذار الماضي.
3) ما المحاذير التي تخشاها مصر؟
في مارس/آذار الماضي، حررت القاهرة سعر صرف الجنيه، وعلى إثر ذلك تراجع أمام الدولار من 31 إلى نحو 50 جنيها، قبل أن يتراجع قليلا إلى نطاق 48.6 جنيها في الوقت الحالي، حسب بيانات البنوك العاملة في مصر.
وفي الشهر نفسه، رفعت مصر أسعار الوقود بنسبة وصلت إلى 10%، تبع ذلك رفع سعر الخبز المدعم 300% من 5 قروش إلى 20 قرشا للرغيف.
كما ارتفعت أسعار المواصلات وتذاكر المترو، في يوليو/تموز الماضي، وهو الشهر نفسه الذي نفذت فيه مصر رفعا ثانيا في أسعار الوقود المباع للمستهلك النهائي، إلى جانب زيادات متباينة على أسعار الغاز المنزلي والصناعي.
وفي أغسطس/آب الماضي، قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إن الحكومة سترفع تدريجيا دعم الوقود، ليتساوى مع سعر التكلفة بحلول نهاية 2025.
ونفذت مصر الأسبوع الماضي، زيادة ثالثة على أسعار الوقود بنسبة وصلت إلى 17.4%، وهو ما يذكي مخاوف من زيادات على أسعار المواصلات والسلع الغذائية التي يعد الوقود أحد مدخلات إنتاجها.
وصعد تضخم أسعار المستهلك السنوي في السوق المصرية خلال سبتمبر/أيلول الماضي إلى 26%، ارتفاعا من 25.6% في أغسطس/آب السابق له، في ارتفاع للشهر الثاني على التوالي.