“المريسة” مشروع ليبي بقيمة 10 مليارات دولار.. هل يقلل اعتمادها على النفط؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

بنغازي- تخطط بنغازي لإطلاق مشروع المنطقة الحرة المريسة، الذي يعد الأكبر من نوعه في ليبيا وشمال أفريقيا، وسيقود المشروع الممتد على خط ساحل شمال أفريقيا -أحد أكثر مسارات الشحن اشتغالا- قاطرة النمو، وينقل الاقتصاد من حالته الريعية إلى حالة التنوع، علاوة على توفير عشرات الآلاف من فرص العمل.

بوابة أفريقية نحو الأسواق الأوروبية

وتبلغ مساحة مشروع المنطقة الحرة المريسة، الواقع جنوب غرب بنغازي الإجمالية 1200 هكتار (12 كيلومترا مربعا)، ويضم 8 مناطق تطويرية أبرزها الميناء الرئيس، ومناطق صناعية وسياحية وذكية وإعلامية ومالية وتحويلية، علاوة على منطقة خاصة بمؤسسة النفط الوطنية.

ويعول القائمون على المشروع على أن يحول الميناء الرئيس للمنطقة مدينة بنغازي، نظرا إلى موقعها الجغرافي، وقربها من قناة السويس، إلى بوابة تجارية تربط أسواق أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط، إذ تمثّل الطريق البرية الرابطة بين بنغازي وأجدابيا والواحات وصولا إلى مدينة الكفرة جنوبي ليبيا، وتمتد حتى تشاد والسودان، جزءا من شبكة مواصلات إقليمية تنقل البضائع من أفريقيا إلى أسواق أوروبا وبالعكس.

البنية التحتية والتصميم

ويضم مشروع المنطقة الحرة المريسة ميناء رئيسا تبلغ مساحته 650 هكتارا (6.5 كيلومترات مربعة)، و8 مراكز خدمية.

وأوضح رئيس اللجنة الاقتصادية للمنطقة الحرة المريسة الدكتور أحمد بن عامر أن المنطقة تركّز بشكل رئيس على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتوطين الصناعات المحلية، وتحقيق الاستفادة المرّجوة من نقل التقنية الحديثة.

وفيما يتعلق بالبنية التحتية، أشار ابن عامر إلى تكليف شركة “موت مكدونالد” للاستشارات الدولية، بوضع المخطط العام للمنطقة، مع التقيّد بأعلى معايير التصميم والإنشاء، وكذلك جرت الاستعانة بشركة “دي إل إيه بايبر” لوضع اللوائح التنظيمية الخاصة بالمنطقة، مؤكدا أن التقيد بالمواصفات الفنية العالية، من حيث الإنشاء وتوفير بيئة قانونية مرنة ومناسبة للاستثمار، سيجذب كبرى الشركات العالمية للاستثمار في المنطقة.

رؤية 2040.. ليبيا مركز تجاري نابض

وأوضح أسامة الجهاني، رئيس المنطقة الحرة المريسة في حديثهِ للجزيرة نت، أن المشروع يعود إلى عام 2007، وجرى اعتماده من قبل اللجنة العامة الليبية، لكن المشروع تعثّر، وفي عام 2012 جرى تعيين مجلس إدارة للمنطقة، وتلا ذلك تشكيل لجنة تأسيسية وهيئة المنطقة.

ولفت الجهاني إلى أن المشروع يخدم رؤية ليبيا 2040 لتنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على النفط بوصفه مصدرا رئيسا لتحصيل الإيرادات، ويدعم قطاعات السياحة والتجارة والصناعة، علاوة على تعزيز مكانة ليبيا بوصفها مركز تجارة إقليميا.

وتحدث الجهاني عن دمج مطار تيكا -المزمع إنشاؤه- والمنطقة الحرة المريسة، اللذين تفصل بينهما مسافة تقدر بـ10 كيلومترات، بالطريق الواصلة بين بنغازي والجنوب الشرقي، الذي يتصل أيضا بالطريق الرابطة بين بنغازي وسرت، ومن ثم سرت إلى تمنهنت، وصولا إلى أغاديس في النيجر، مشيرا إلى أنه في حال تمكنت ليبيا من إنشاء ميناء رئيس يتسم بسرعة المناولة وسهولة الإجراءات وإصدار التراخيص، وينشط في نقل البضائع جوا وبرا، فإن أسعار البضائع، المنقولة من أفريقيا إلى أوروبا وبالعكس، ستنخفض بنسبة 40% إلى 50%.

ويقول الجهاني إن المعاملات المالية داخل المنطقة ستكون بالدولار الأميركي فقط، وبدل الإيجار السنوي للمتر الواحد داخل الميناء الذي تشرف على تصميمه وإنشائه شركة “جلوبال بيلدرز” الإماراتية، سيكون بين 5 و7 دولارات، ومن المتوقع أن ينتهي مشروع تصميم الميناء وإنشائه في مدة تقدر بـ3 سنوات من توقيع العقد الذي جرى في أغسطس/آب الماضي

التكلفة وفرص العمل

وتقدر التكلفة الإجمالية للمشروع بنحو 10 مليارات دولار، ومن المتوقع أن يوفر 60 ألف فرصة عمل مباشرة، و420 ألف فرصة عمل غير مباشرة، ففي القطاع التكنولوجي فقط، قدّرت مؤسسة وورك للاقتصاد والتنمية المحدودة، أن يوفر ما بين 5 آلاف و15 ألف فرصة عمل، بحلول العام 2030.

أسامة الجهاني، رئيس المنطقة الحرة المريسة أوضح أن المشروع يخدم رؤية ليبيا 2040 لتنويع مصادر الدخل، وتقليلِ الاعتماد على النفط بوصفه مصدرًا رئيسًا لتحصيل الإيرادات (الجزيرة)

وكذلك فإن المشروع سيسهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى 15% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2050.

ويرى الخبير الاقتصادي والأكاديمي الدكتور سليمان الشحومي أن المنطقة الحرة المريسة بإمكانها أن تؤدي دورا بارزا في تقليل الاعتماد على النفط، من خلال تشجيع نمو القطاعات الأخرى، مثل التصنيع الخفيف، والتكنولوجيا، والزراعة، والخدمات اللوجيستية -بالأولوية- مشيرا إلى أن هذه القطاعات ستساعد في خلق فرص عمل جديدة، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، وكذلك يمكن أن يصبح قطاع السياحة قطاعا واعدا، إذا جرى استغلال الموقع الساحلي للمنطقة، وتطوير مشاريع سياحية وتجارية فيها.

وفي هذا الصدد، كشف أسامة الجهاني -رئيس المنطقة الحرة المريسة للجزيرة نت- عن مخطط استراتيجي لبناء منطقة سياحية داخل المشروع تتضمن: الفنادق والمراكز التجارية والترفيهية، فضلا عن مساحة للاستثمار العقاري.

كيف ستتفوق المريسة على منافسيها؟

المريسة، وعلى الرغم من تقديمها عدة مزايا تتمثل في الموقع الجغرافي الذي يوفر منفذا مباشرا إلى الأسواق الأوروبية والأفريقية، وتكاليف التشغيل المنخفضة، وإمكانية الوصول إلى المواد الخام الطبيعية مثل النفط والغاز مما يجعلها ملاذا للصناعات المرتبطة بالطاقة، فإنّها بحاجة إلى تقديم مزيد من العطاءات، وقد لخّص الشحومي أبرزها بـ:

  • توفير حوافز مالية مثل الإعفاءات الضريبية والجمركية.
  • تبني إطار قانوني مرن يمكّن المستثمرين من الحصول على التراخيص وإدارة المشاريع.
  • التسويق الدولي والترويج للمنطقة بوصفها وجهة استثمارية جذابة.

وعن سؤال “الجزيرة نت” لرجل الأعمال الليبي حسني بي، هل تستطيع المريسة الدخول على خط المنافسة، وكسر هيمنة قناة السويس؟ أجاب: “لا يمكن للمريسة الدخول على خط المنافسة”، مشيرا إلى أن المنطقة بحاجة ماسة إلى تغيّير جوهري في الرؤية والإستراتيجية، معللا ذلك بعدم وجود أموال من الميزانية العامة، لتمويل هذا المشروع الطموح والمطروح منذ عقدين من الزمن.

المشروع سيسهمُ في نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبةٍ تصل إلى 15 % من الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام 2050 (الجزيرة)

بدوره، يرى رئيس اللجنة الاقتصادية لمشروع المنطقة أحمد بن عامر أن المنطقة الحرة المريسة تعمل على خط نقل البضائع من أوروبا إلى أفريقيا وبالعكس، فالبضائع المنقولة عبر قناة السويس، والتي تشكل منافسة للبضائع الأوروبية عبر المريسة، نسبتها منخفضة، فالدول الأفريقية التي ترغب في الاستيراد من الدول الآسيوية ودول المحيط الهادي، سترسو سفن البضائع القادمة من هذه الدول في دول الشرق الأفريقي، ولا تحتاج إلى المرور عبر قناة السويس، وإفراغ بضائعها في موانئ شمال البحر الأبيض المتوسط.

وتحدث ابن عامر عن جملة من التحديات التي ستواجه المنطقة الحرة المريسة مستقبلا، منها: منافسة دول الجوار، فمصر والجزائر تعملان على تطوير طرق مستدامة لتجارة العبور، وتنظيم تجارة العبور عبر أراضيها بطرق مهنية، وهو ما يتطلب وجود تكامل إقليمي، وليس تنافسيا، بين ليبيا ومصر والجزائر.

وأضاف ابن عامر أن التحدي الأكبر هو التحدي التنظيمي، إذ يجب أن تعمل المنطقة الحرة المريسة وفق أحدث المعايير العالمية للتشغيل في المناطق الحرة، مما يتطلب الاستعانة بكبرى الشركات الخاصة بتشغيل المناطق الحرة.

وأشار ابن عامر إلى الشق الأمني، فالهاجس الحقيقي للمستثمرين والتجار ورجال الأعمال هو سلامة بضائعهم، في طريق عبورها من الموانئ الأوروبية إلى الدول الأفريقية، وعليه فإن تأسيس تجارة عبور ناجحة، يستدعى نظام حماية محكما، يأمن فيه التجار عبور بضائعهم.

ويوصي الخبير الاقتصادي سليمان الشحومي بـجملة من التوصيات لتحقيق الاستفادة المثلى من مشروع المنطقة الحرة المريسة:

  • الاستثمار في التعليم والتدريب، لتزويد القوى العاملة المحلية بالمهارات اللازمة للعمل داخل المشروع.
  • عقد شراكات دولية لزيادة حجم الاستثمارات، والاستفادة من التكنولوجيا والخبرات المتقدمة.
  • تشجيع الصناعات المحلية، واستغلال الموارد بدلا من الاعتماد على تصدير المواد الخام فقط.
  • وضع خطط ومشاريع تنموية تتماشى مع معايير الاستدامة البيئية.
  • تسريع الإجراءات القانونية، وتقليل التعقيدات الإدارية.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *