بالقوة العسكرية وتحت وطأة القصف والاستهداف الإسرائيلي، نزح مئات الفلسطينيين من مراكز الإيواء قرب المستشفى الإندونيسي في بلدة بيت لاهيا شمالي قطاع غزة وصولا إلى مدينة غزة قاطعين مسافة 8 كيلومترات سيرا على الأقدام.
فقد اقتحمت دبابات الاحتلال مراكز الإيواء، واعتقلت عشرات الفلسطينيين من الشبان والرجال النازحين داخلها، قبل أن تجبر الباقين على التوجه عبر طريق صلاح الدين إلى جنوب القطاع.
ورفض هؤلاء الفلسطينيون النزوح إلى جنوب قطاع غزة وفق ما أمرهم به جيش الاحتلال الإسرائيلي، وقرروا التوجه إلى مدينة غزة لإفشال أي مخطط إسرائيلي يرمي لتهجيرهم.
ويقول أهالي شمال القطاع إن الخروج من مدينة غزة نحو الجنوب يعني عدم العودة مطلقا إلى الشمال حتى إشعار آخر كما حدث مع النازحين في المناطق الجنوبية الذين يتوقون للعودة بعد مرور أكثر من عام على حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة.
ويواصل جيش الاحتلال منذ 16 يوما إبادته الجماعية في شمال قطاع غزة عبر شن هجمات جوية استهدفت المستشفيات المتبقية الثلاثة، من بينها “الإندونيسي” الذي يضم أيضا عشرات النازحين والمرضى بداخله وفرض عليه حصارا مشددا، في حين استهدف مولده الرئيسي مسببا انقطاع التيار الكهربائي عن الأجهزة الطبية.
ولاحظ مراسل الأناضول وصول النازحين دون أمتعتهم ومقتنياتهم الأساسية، وحينما سأل بعضهم عن السبب أجابوا بأن “الجيش الإسرائيلي منعنا من حمل أي مقتنيات وقت خروجنا من مراكز الإيواء”.
وليلة السبت، بدأ الجيش الإسرائيلي توغلا جديدا ضمن هجومه البري المتواصل على محافظة شمال قطاع غزة، والذي شرع في توسعة نطاقه الجمعة، بعد أن دفع بلواء “غفعاتي” لتعزيز قواته هناك.
مشهد مرعب
تقول الفلسطينية وفاء الكفارنة، التي نزحت من مدرسة إيواء قرب المستشفى الإندونيسي، إن الليلة الماضية كانت مرعبة لتواصل سماع أصوات أزيز الرصاص والقذائف في الهواء، وانفجاراتها في المناطق المحيطة.
وأضافت أن الجيش الإسرائيلي مع بزوغ صباح السبت شرع في إخلاء كافة المدارس بالمناطق المحيطة.
وأوضحت أن الجيش الإسرائيلي عامل النساء بطريقة سيئة، بينما سار النازحون تحت الرصاص والقذائف في الطريق التي حددها لهم.
من جانبها، أفادت الفلسطينية أم محمد المصري -النازحة من الشمال- بأنها فوجئت بمشهد الآليات الإسرائيلية العسكرية المحاصرة لمراكز الإيواء في المنطقة.
وأضافت للأناضول “ربما 50-60 دبابة في مكان واحد، مشهد لم أره في حياتي أبدا، إضافة لعدد كبير من الجنود الإسرائيليين”.
وأشارت إلى أنهم واصلوا مسير النزوح مسافة طويلة جدا سيرا على الأقدام بلا طعام ولا مياه حتى فقدوا القدرة على المشي.
اعتقال وتنكيل
وصلت الشابة الفلسطينية إيمان وادي إلى مدينة غزة برفقة والدتها وطفلها وشقيقاتها الثلاث.
وقالت للأناضول -والدموع تنهمر من عينيها- “الجنود الإسرائيليون اقتحموا مدرسة حلب التابعة لوكالة أونروا الأممية التي كنا نقيم به في محيط المستشفى الإندونيسي مع بزوغ صباح السبت”.
وفي وصفها للمشهد، قالت الشابة الفلسطينية إن “الجيش بعد اقتحامه المفاجئ للمدرسة نادى الرجال والفتية فوق سن 16 عاما للخروج من الغرف الخيام والتوجه للساحة”.
وأشارت إلى أن “الجيش الإسرائيلي جمعنا في الساحة تحت تهديد السلاح، وشرع في ضربنا والتنكيل بنا وشتمنا بألفاظ نابية”.
ومن ثم “تم اقتياد تلك المجموعة من الفلسطينيين، وبينهم أطفال (تحت 18 عاما) إلى مكان مجهول دون معرفة مصيرهم”، وفق وادي.
وأكملت الشابة الفلسطينية أن والدها وشقيقها وزوجها كانوا من بين المعتقلين أيضا.
ترهيب الأطفال والنساء
وتحت تهديد السلاح، أمر الجيش الإسرائيلي الأطفال والنساء بالخروج من الغرف والاصطفاف في طابور طويل، كما قالت وادي.
وأوضحت أن جنودا إسرائيليين أخضعوهم لفحص أمني عبر “جهاز ليزر”، ومن ثم طلب منهن الخروج من المدرسة والتوجه نحو شارع صلاح الدين إلى جنوب القطاع.
وأشارت الشابة الفلسطينية إلى أن الجنود أثاروا حالة من الرعب بين الأطفال والنساء وأطلقوا تهديدات بضربهم.
وفي حديثها عن ذلك، قالت وادي “حاولت والدتي سؤال أحد الجنود عن مصير الرجال المعتقلين فهددها بالضرب إذا لم تصمت”.
وتوجهت الشابة وعائلتها إلى مدينة غزة بدلا من النزوح جنوبا، وأكملت قائلة “فكرة النزوح إلى الجنوب والتهجير مرفوضة قطعا لدينا. سنبقى هنا حتى نعود لأماكننا في أقرب فرصة”.
ضرب مبرح
نجا الشاب الفلسطيني محمد عبد الهادي من الاعتقال الإسرائيلي بأعجوبة ووصل إلى مدينة غزة مع النازحين.
ويقول “جمعنا جنود الاحتلال في ساحة المدرسة واقتادونا إلى خارجها في أحد المباني وقاموا بعصب أعيننا”.
وأوضح أن ضباطا إسرائيليين حققوا معهم، ومن ثم تم عرضهم على أجهزة فحص أمني إلكترونية، لافتا إلى أن الجيش أطلق سراح عدد من المعتقلين بينما أبقى على اعتقال آخرين بعد الفحص.
وخلال الاعتقال والتحقيق تعمد الجنود الإسرائيليون ضرب الشبان وشتمهم والاستهزاء بهم، وفق عبد الهادي.
وعن أعداد المعتقلين، قال عبد الهادي إنه يقدر بعشرات الفلسطينيين، لافتا إلى أن مصيرهم لا يزال مجهولا.
وحسب شهادته، فإن أحد المعتقلين تعرض لضرب مبرح بقطع السلاح، مما تسبب بإفقاده الوعي عقب تحدثه لأحد الجنود الإسرائيليين سائلا إياه عن مصيره.
حفريات في مقبرة
تروي النازحة من المنطقة نفسها، شيماء التلي، للأناضول شهادتها قائلة “كان جنود الاحتلال يدفعون برجال فلسطينيين إلى حفرة كبيرة جانب مراكز الإيواء، ويتم إطلاق النار عشوائيا داخل الحفرة”.
ولم تجزم التلي بما إذا “كانت تلك العملية هي إعدامات ميدانية للشبان أم لإرهابهم وتخويفهم”.
وتقول إن “الجنود الإسرائيليين طلبوا من النساء عدم التلفت يمينا أو يسارا خلال طريقهم للنزوح”.
وتتابع “شاهدت أعمال حفريات في مقبرة حديثة قرب المستشفى الإندونيسي من قبل جرافات إسرائيلية”.
وخلفت الإبادة التي ترتكبها إسرائيل بدعم أميركي أكثر من 142 ألف شهيد وجريح فلسطيني، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.
وتواصل تل أبيب مجازرها متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.