“طالت أيام الحصار المميتة على مخيم جباليا، ومن كان عنده دقيق أو معلبات فقد نفدت، وحتى إن وجدت فكيف يعجن ويخبز من لا حطب عنده ولا نار؟ هذا بالإضافة إلى كارثة عدم توفر مياه للشرب … الوضع في غاية السوء”، بهذه الكلمات عبر الناشط الفلسطيني ماجد عمر عن معاناة أهالي شمال غزة جراء الحصار والعملية العسكرية الإسرائيلية.
فلليوم الرابع عشر على التوالي يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة والتجويع بشمال قطاع غزة، خاصة في بلدة جباليا ومخيمها حيث يفرض حصارا خانقا وتجويعا، تحت قصف دموي مستمر ونسف بيوت فوق رؤوس ساكنيها.
أما مروان البرش المحامي وأحد سكان جباليا بشمال القطاع، فكشف -للجزيرة نت- عن جانب من معاناة السكان المحاصرين في شمال غزة، قائلا إن “قوات الاحتلال الإسرائيلي تستخدم الجوع سلاحا بعد أن منعت بشكل تام إدخال الماء والطعام والدواء والسولار إلى جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا، منذ بداية العملية العسكرية يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول الجاري”.
ويضيف “الطعام الموجود هو الذي كان لدى العائلات قبل بداية العملية العسكرية، وهناك بعض البسطات أو نقاط البيع الصغيرة التي تبيع قليلا من المعلبات، لكنها غالية للغاية، فعلى سبيل المثال سعر علبة الحمص أو الفول 20 شيكلا (حوالي 6 دولارات)”.
ولكن المشكلة، كما يرى البرش، أن من لا يملك الطعام لا يستطيع البحث عنه بسهولة، وذلك بسبب السيطرة الجوية المطلقة للاحتلال عبر الطائرات المسيرة والكواد كابتر التي تقصف أو تطلق النار على كل من يتحرك في الشارع أو حتى يخرج رأسه من نافذة منزله.
وختم البرش حديثه قائلا “الآن معظم الناس يغمسون الخبز بالشاي ليسدوا رمقهم، والمحظوظ من يمتلك قليلا من الزعتر ليأكله مع الخبز”.
وضع غير إنساني
تفاقم العطش والجوع دفع جهاز الدفاع المدني في غزة إلى مناشدة المجتمع الدولي لإدخال المساعدات الغذائية والطبية إلى شمال القطاع.
وقال المتحدث باسم الجهاز الرائد محمود بصل إن “200 ألف فلسطيني في جباليا بلا طعام أو شراب أو دواء في ظل حرب الإبادة الإسرائيلية لليوم 14 على التوالي”.
إنذار آخر أطلقه هذه المرة مدير “برنامج الأغذية العالمي” في فلسطين أنطوان رينارد الذي حذر من نفاد الإمدادات الغذائية خلال أسبوع ونصف في شمال غزة.
بدوره، قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الخميس، إن الجميع تقريبًا في قطاع غزة الفلسطيني يتضورون جوعًا، وإن هذا وضع “غير إنساني”.
ودعا إلى إيصال فوري للمساعدات الإنسانية إلى الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد والذين يحتاجون إلى علاج عاجل.
ولم يقتصر الأمر على منع إدخال المساعدات، فقد كشف مسؤولون في الأمم المتحدة أن جيش الاحتلال أطلق النار على قوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة المتوجهة إلى شمال غزة، 4 مرات على الأقل في غضون 3 أشهر.
وقال المسؤولون الأمميون إن الجيش الإسرائيلي احتجز تحت تهديد السلاح، في 9 سبتمبر/أيلول الماضي، قافلة تابعة للأمم المتحدة تشارك في الاستجابة لشلل الأطفال، لمدة 7 ساعات ونصف، مدعيًا أن عددا من الأشخاص في المركبات مطلوبون.
القتل جوعًا
في الأثناء، حذر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان من أن مئات الآلاف من الفلسطينيين مهددون بالموت جوعًا وعطشًا في جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون شمالي غزة؛ جراء قرار إسرائيل المُعلن والمطبّق بمنع وصول أي مساعدات أو بضائع إليهم منذ أسابيع.
وأوضح المرصد الأورومتوسطي -في بيان له- أن نحو 200 ألف فلسطيني في محافظة شمال غزة غير قادرين منذ 14 يوما كاملة على الحصول على أي مواد غذائية أو ماء للشرب، نتيجة حصارهم داخل منازلهم أو مراكز الإيواء التي يلجؤون إليها، في وقت يواصل فيه الجيش الإسرائيلي اجتياحه للمنطقة وارتكاب جرائم قتل أدت إلى استشهاد أكثر من 350 فلسطينيا، وإصابة مئات آخرين، إضافة إلى التدمير الواسع في المنازل والمباني السكنية.
وكشف المرصد أن عشرات الفلسطينيين المحاصرين في مخيم جباليا اضطروا، تحت وطأة الجوع وبعد نفاد كل ما لديهم من مواد تموينية قليلة، إلى التوجه الاثنين الماضي نحو مركز تابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) للحصول على طعام لعائلاتهم، إلا أن الجيش الإسرائيلي استهدفهم بالقذائف التي أسفرت عن استشهاد 10 وإصابة 40 آخرين على الأقل.
وقال الأورومتوسطي إن من ينجو من القصف المكثف تتهدده إسرائيل بقتله بالتجويع والتعطيش، بما يعكس النية الواضحة باستخدام التجويع كسلاح قتل وفرض أحوال معيشية يقصد بها التدمير الفعلي للفلسطينيين في قطاع غزة، ضمن جريمة الإبادة الجماعية المتواصلة منذ أكثر من عام.
كما أشار إلى أن السكان الذين اضطروا إلى الانتقال إلى مدينة غزة يفتقرون بدورهم إلى أماكن الإيواء ولا تتوفر لديهم أي مواد غذائية، إذ يمنع الجيش الإسرائيلي إدخال المساعدات والبضائع إلى أنحاء المدينة كافة.
سلاح الجوع
وعن الأسباب التي تدفع إسرائيل إلى إشهار سلاح الجوع بوجه أهالي شمال غزة، يقول الكاتب والباحث السياسي عبد الله عقرباوي إن “اعتماد الاحتلال الإسرائيلي لمبدأ تجويع شمال القطاع يؤكد أنه ما زال يريد تهجير الفلسطينيين، وهو لا يستطيع أن يفعل ذلك بالآلة العسكرية أو التخويف أو الردع نتيجة الصمود الحقيقي للسكان”.
ويضيف -في حديث للجزيرة نت- أن هناك صمودا حقيقيا وكبيرا مبنيا على قناعة لدى الشعب الفلسطيني بضرورة البقاء في أرضهم وتحدي الاحتلال، حتى لو دفعوا أثمانا باهظة بسبب ذلك.
ويؤكد عقرباوي أن الاحتلال أطلق هذه المعركة ضد الشعب الفلسطيني في شمال غزة، لذلك يلجأ إلى استخدام أدوات العقاب الجماعي واستهداف المدنيين، ليس فقط بالتجويع وإنما بالقتل الجماعي وهدم البيوت وعدم ترك أماكن للإيواء، في محاولة لإجبار المدنيين على ترك منازلهم والتوجه جنوبا.
ووفقا لعقرباوي، لا بد من حراك عربي إسلامي نوعي وغير مسبوق يستخدم أدوات جديدة وخاصة في دول الطوق والضفة الغربية وأراضي الـ48، للضغط على دولة الاحتلال وحلفائها لوقف التهجير في شمال قطاع غزة، لأن الشعب الفلسطيني استخدم كل ما يملك للصمود والمقاومة ولا بد من دخول عناصر جديدة إلى المشهد.