شهدت الأيام الماضية توغلا للدبابات الإسرائيلية في بعض المناطق التابعة لمحافظة القنيطرة السورية جنوب البلاد، وبررت إسرائيل نشاطها العسكري على الحدود السورية اللبنانية بأنه يهدف إلى حرمان حزب الله من نقل وتهريب الأسلحة.
وأكدت القناة 14 الإسرائيلية أن الجيش يعمل على إنشاء طريق ترابي يمتد من شمال القنيطرة حتى جنوبها، ويجهز سياجا أمنيا على الحدود السورية لمنع تسلل “مسلحين” باتجاه هضبة الجولان.
وسبق هذه التحركات، صدور تصريحات لسياسيين إسرائيليين من اليمين المتطرف تدعو لاحتلال مناطق سورية، بحجة “منع تحويل سوريا إلى قاعدة لوجستية لأعداء إسرائيل”.
ودعا زعيم حزب إسرائيل بيتنا أفيغدور ليبرمان إلى احتلال القسم الواقع ضمن سوريا من جبل الشيخ، مؤكدا أن الجيش سيحتل جبل الشيخ ولن ينسحب منه حتى إشعار آخر.
كما تعمل الصحافة الإسرائيلية على تمهيد الأجواء لتحرك واسع لجيش الاحتلال في سوريا، من خلال الحديث عن انتشار آلاف المقاتلين المرتبطين بإيران قرب هضبة الجولان، ونشرت صحيفة هآرتس الشهر الماضي خبرا عن قدوم 40 ألف مقاتل من العراق واليمن إلى سوريا وتمركزهم قرب مرتفعات الجولان.
وفي سياق تبرير تلك التحركات، قال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي إن الغارات الجوية التي قصفت منطقة المصنع الحدودية بين سوريا ولبنان مطلع الشهر الحالي هدفت لضرب خطوط الإمداد والتهريب.
موقف النظام السوري
في المقابل، نفت السلطات السورية بشكل كامل التوغل الإسرائيلي، لكن اللافت أن النفي لم يصدر من المؤسسة العسكرية إنما صدر عن قيادي في حزب البعث الحاكم.
ونقلت صحيفة الوطن التابعة للنظام السوري عن خالد أباظة أمين فرع حزب البعث في القنيطرة تصريحات قال فيها “ما ينشر حول الموضوع لا أساس له من الصحة، وهو محض خيال من ينشر ويروج لهذه الشائعات”.
وتحدثت تسريبات صحفية في الآونة الأخيرة عن رسائل متبادلة بين النظام السوري ودول إقليمية مطبعة مع إسرائيل، تتضمن تحذيرا للنظام من السماح بالتصعيد ضد إسرائيل انطلاقا من الأراضي السورية.
كما سبق أن نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر دبلوماسي غربي تأكيدات بأن الأسد تلقى تهديدات من إسرائيل باستهداف نظامه في حال سمح باستخدام سوريا ضد المصالح الإسرائيلية.
ووفق مصادر دبلوماسية عربية، فإن التهديدات الإسرائيلية التي وصلت إلى الأسد، تم نقلها عن طريق بعض الدول العربية التي لديها علاقات مع تل أبيب، حيث أجرى مسؤولون عرب زيارات مكثفة إلى دمشق مطلع العام الجاري لتبادل الرسائل بين دمشق وتل أبيب.
كما كشفت صحيفة إزفيستيا الروسية في وقت سابق عن وجود اتصالات بين دمشق وواشنطن، وهذا ما أوضحه الرئيس السوري بشار الأسد بنفسه خلال مقابلة تلفزيونية له مع قناة أبخازيا الأولى.
وبعد زيارة الرئيس السوري إلى روسيا أواخر يوليو/تموز الماضي، تسربت معلومات من معارضين سوريين -مقيمين في موسكو وعلى اتصال مع الخارجية الروسية- تفيد بمطالبة فلاديمير بوتين للأسد بعدم إقحام سوريا في التصعيد، وترك مسافة بينه وبين إيران، لأن الغرب وإسرائيل متجهون للتصعيد ضدها.
وفي المقابل، يُتهم الرئيس الأسد من معارضيه بأنه يسعى لضمان استمراره في السلطة عن الطريق التعاون مع تل أبيب، وعدم عرقلة جهودها في سوريا.
الموقف الروسي
أما روسيا فقد أعادت قبيل التوغل الإسرائيلي بأيام قليلة انتشار نقاطها العسكرية الموجودة بريف محافظتي درعا والقنيطرة -وفقاً لما نقله ناشطون من الجنوب السوري- وجاء ذلك بعد أقل من شهرين من إعلان مركز المصالحة الروسية في سوريا (قاعدة حميميم) عن تأسيس نقاط عسكرية جديدة جنوب سوريا بهدف “تهدئة التوترات، ورصد الأعمال العدائية”.
وتزامنت هذه التحركات مع تطور ملحوظ في الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية منذ بداية العام الحالي، استهدفت مستودعاً للأسلحة يعتقد أنه يعود للحرس الثوري الإيراني.
وكانت روسيا قد ضيقت على التحركات الجوية الإسرائيلية في سماء سوريا خلال عامي 2022 و2023 إثر اندلاع الحرب في أوكرانيا، وما تبع ذلك من توتر بين موسكو وتل أبيب، حيث عمدت روسيا إلى إجراء دوريات جوية فوق أجواء الجنوب السوري خاصة في أواخر عام 2022.
وتكتفي روسيا بالتصريحات التي تدين فيها استمرار الهجمات الإسرائيلية، رغم أن إحداها استهدفت مستودعاً للأسلحة يعتقد أنه يعود للحرس الثوري الإيراني يبعد عشرات الكيلومترات فقط عن قاعدة حميميم دون تدخل من الطيران الروسي أو الدفاعات الجوية الموجودة في القاعدة.
وسبق أن أشار مركز الجزيرة للدراسات في ورقة تحليلية نشرها في يونيو/حزيران 2024 إلى الدور الروسي في عدم تفعيل الجبهة السورية ضد إسرائيل، وأكدت الورقة أن التنسيق الروسي الإسرائيلي لم يتوقف خلال مرحلة طوفان الأقصى وما بعدها، والهدف هو ضبط جبهة الجولان ومنعها من الانزلاق لمواجهة مفتوحة تؤثر على مكاسب روسيا في سوريا، ولحفظ جهود موسكو الرامية لإبعاد تل أبيب عن دعم أوكرانيا.
حدود التوغل المحتمل
بالنظر إلى مجريات الأحداث والمواجهات الدائرة بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، فمن غير المستبعد أن يلجأ الجيش الإسرائيلي خلال الفترة المقبلة إلى التوسع في جبل الشيخ من جهة سوريا، خاصة أن مراكز مراقبة وتجسس ومنظومات دفاع جوي إسرائيلي تتمركز في هذا الجبل، نظرا لأهميته بحكم إطلالته على سوريا ولبنان والأراضي الفلسطينية، وقربه من هضبة الجولان.
كما من المتوقع أن تتوغل إسرائيل في الشريط الممتد من جنوب القنيطرة حتى شمالها، ويضم بلدات الرفيد وجباتا الخشب وخان أرنبة، ثم الامتداد إلى مناطق بيت جن وسعسع المتاخمة لبلدة مجدل شمس جنوب غرب دمشق، خاصة أن هذا الشريط بالأصل شهد توغلاً إسرائيلياً محدوداً لتدمير مراصد تابعة لحزب الله اللبناني، ثم الانسحاب منها في أعوام 2021 و2022.
التحركات الإسرائيلية الأخيرة فيما يبدو تهدف إلى المزيد من تأمين منطقة الجولان، بالإضافة إلى تقويض خطوط إمداد حزب الله اللبناني من إيران مروراً بالعراق وصولاً إلى الضاحية الجنوبية من خلال الأراضي السورية.
وسبق أن نفذ الطيران الحربي الإسرائيلي عدة غارات على سوريا استهدفت مواقع وصفت بأنها تتبع للحرس الثوري الإيراني، وأن بعضها يمثل مراكز لتطوير صواريخ حزب الله ومستودعات لتخزينها.
وبعد التحذيرات الإسرائيلية من استخدام إيران لمطار بيروت، استهدفت الطائرات الإسرائيلية الطريق البري الذي يربط سوريا مع لبنان قرب نقطة المصنع الحدودية، إمعانا منها في عرقلة استخدام الحزب للطرقات البرية إلى جانب حرمانه من الاستفادة من مطار بيروت الدولي.
وفي ظل التقارير الإسرائيلية التي تتحدث بكل وضوح عن مخاوف من انتقال مقاتلين يمنيين وعراقيين داعمين لحزب الله إلى المنطقة المحيطة بهضبة الجولان عبر الأراضي السورية، فإن ذلك يفتح الباب أمام توقع المزيد من النشاط العسكري الإسرائيلي في المنطقة المحاذية للجولان خلال الفترة المقبلة.