قال وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك خلال الشهر الجاري إن الظروف الاقتصادية لبلده “غير مرضية” بعد خفض التوقعات الرسمية من نمو نسبته 0.3% إلى انكماش بنسبة 0.2%، ويأتي ذلك في أعقاب انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.3% في العام الماضي، مما يعني أن ألمانيا تواجه أول ركود لمدة عامين منذ أكثر من 20 عاما.
ووفق صحيفة إيكونوميست البريطانية، لم يتباطأ اقتصاد ألمانيا -أكبر اقتصاد في أوروبا– إلا بالكاد منذ جائحة كورونا، متخلفا عن بقية العالم الغني، إذ لاحظت إيزابيل شنابل من البنك المركزي الأوروبي أن نمو منطقة اليورو باستثناء ألمانيا كان “مرنا بشكل ملحوظ” منذ عام 2021 وأسرع من نمو العديد من الاقتصادات الكبرى الأخرى.
لكن الحديث عن اقتصاد منطقة اليورو من دون ألمانيا، وفق إيكونوميست، يشبه الحديث عن الاقتصاد الأميركي من دون كاليفورنيا وتكساس، وقد أصبحت الدولة التي كانت ذات يوم محرّكا للنمو الأوروبي، عبئًا، وفق إيكونوميست.
وأشارت الصحيفة إلى أنه من الصعب تخيُّل ظروف أسوأ للاقتصاد الألماني المعتمد على التصدير والصناعات الثقيلة من تلك التي واجهها منذ عام 2021 حين ارتفعت أسعار الطاقة مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية والآن تتسبب الطاقة الصناعية الفائضة في الصين في إحداث فوضى في الخارج.
ومع ذلك، وبقدر ما قد يكون من المريح إلقاء اللوم على عوامل خارجية في ضعف الاقتصاد، فإن مشاكل ألمانيا أعمق، وكثير منها محلي، وعلاوة على ذلك، يعوق التحالف الثلاثي الحكومي المنقسم الاستجابة السياسية.
الإنتاج الصناعي
وذكرت إيكونوميست أن الإنتاج الصناعي عانى في السنوات الأخيرة، إذ تضررت الصناعات كثيفة الطاقة، مثل الكيميائيات والصناعات المعدنية وصناعة الورق، بشدة بشكل خاص، وهي القطاعات التي تمثل مجتمعة 16% فقط من الناتج الصناعي الألماني، لكنها تستهلك ما يقرب من 80% من الطاقة الصناعية.
واستجابت العديد من الشركات لارتفاع تكاليف الطاقة بإيقاف الإنتاج مؤقتا.
وحسب الصحيفة البريطانية، فإن الأنماط المتغيرة في الطلب العالمي تشكل مشكلة أكبر لمعظم الشركات، وكما لاحظت شركة بيكتيت لإدارة الثروات، فقد تحولت العلاقة الاقتصادية بين ألمانيا والصين، بعد أن كان نمو البلدين متكاملا في العقد الأول من القرن 21، حين باعت ألمانيا السيارات والمواد الكيميائية والآلات إلى الصين، واشترت بدورها سلعا استهلاكية ومدخلات وسيطة، مثل البطاريات والمكونات الإلكترونية.
لكن الآن صارت الصين قادرة على إنتاج الكثير مما كانت تستورده ذات يوم، وفي بعض الحالات، أصبحت منافسا خطيرا لأسواق التصدير، وخاصة في السلع الأساسية الألمانية التي تنتجها في الأساس مثل السيارات.
لكن التشاؤم بشأن الصناعة الألمانية ربما يكون مبالغا فيه؛ فعلى الرغم من انخفاض إنتاج التصنيع منذ عام 2020، فإن قيمته المضافة الإجمالية كانت مستقرة بشكل ملحوظ، وفي كثير من الحالات، تمكنت شركات التصنيع من التحول إلى إنتاج سلع ذات قيمة أعلى حتى مع خسارتها لحصتها في السوق.
وفي العام الماضي، مع انكماش الاقتصاد الإجمالي، كانت التجارة من بين القطاعات النامية، الأمر الذي يبدو أنه سيتكرر هذا العام.
وحسب الصحيفة، لم يرفع نمو الدخول الحقيقي للأسر مع انخفاض التضخم، الطلب، لكنه يجب أن يظهر في نهاية المطاف في الإنفاق الاستهلاكي، كما أن أسوأ ما في أزمة الطاقة التي عانت منها الصناعة قد ولّى.
انتعاش النمو
ويتوقع معظم المراقبين انتعاش النمو العام المقبل، وترجّح الحكومة نموا بنسبة 1.1% في عام 2025 و1.6% في عام 2026، بناء على افتراض أن الاستهلاك الخاص سيبدأ في التعافي، وبالنسبة لبعض المتشككين، يفترض الوزراء أن هذا سيحدث جزئيا بسبب سياساتهم المحفزة للنمو.
لكن التحسن المتأخر لن يعني الهروب من المشاكل البنيوية الأطول أمدا، إذ إن ضعف الاقتصاد الألماني يسبق الصدمات الجيوسياسية والاقتصادية الأخيرة، ووفق ملاحظة شنابل هذا الشهر، كان الناتج المحلي الإجمالي الألماني في نهاية عام 2021 أعلى بنسبة 1% فقط من مستواه قبل 4 سنوات، مقارنة بنمو بنسبة 5% في منطقة اليورو (من دون ألمانيا) وأكثر من 10% في الولايات المتحدة.