غزة – تُلملِم السيدة جَمَلات وادي ما تبقى من أغراضها التي تلِفت جراء حريق تسبب به قصف إسرائيلي وأجهز على خيمتها بالكامل، لعلها تجد بينها ما يصلح للاستخدام، لكنها تفاجأت بأن ألسنة النيران لم تترك لها ولبناتها وحفيداتها شيئا، فقد احترق الفراش والأغطية والملابس والأحذية والأوراق الثبوتية والهواتف المحمولة، ولم يتبق للعائلة إلا الملابس التي هربوا بها من ألسنة النيران.
وتسبب القصف الإسرائيلي الذي وقع حوالي الساعة الواحدة وعشر دقائق صباح اليوم الاثنين، واستهدف مركز إيواء مقام بمستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح، باستشهاد 3 أشخاص وإصابة نحو 33 آخرين، واحتراق نحو 40 خيمة.
وأصيبت اثنتان من بنات جملات وادي بحروق، ونقلتا إلى مستشفى ناصر بمدينة خان يونس نظرا لعدم مقدرة مستشفى شهداء الأقصى على التعامل مع المصابين لكثرتهم، لا سيما أن الهجوم جاء بعد ساعات قليلة على استهداف إسرائيلي مماثل لمركز إيواء بمخيم النصيرات، أسفر عن استشهاد نحو 22 شخصا وإصابة العشرات.
فقدٌ مركّب
تبلغ جملات وادي من العمر 40 عاما، وهي أرملة وأم لسبع بنات، أصغرهن عمرها 3 سنوات، وهي كذلك أم لشهيد قتلته قوات الاحتلال بداية الحرب، وسبق أن نزحت الأم الفلسطينية مع بناتها من شمالي القطاع بحثا عن الأمان، وحطت رحالها في مركز إيواء مستشفى شهداء الأقصى بعد أن تمكنت من بناء خيمة صغيرة وتوفير بعض الفراش.
وبينما تلتقط وادي أوراقا من المصحف الكريم، تشير بيديها قائلة “حتى المصحف حرقوه”، وتقول السيدة للجزيرة نت “ابنتي شهْد عمرها 16 عاما، انصهر عليها النايلون وأصيبت بحروق في يدها، وابنتي روضة عمرها 14 عاما وأصيبت أيضا بحروق في يدها وبطنها”.
وعقب القصف، الذي تسبب بحريق هائل، أُصيبت وادي بالهلع الشديد وكان كل همّها إنقاذ بناتها وحفيداتها من الموت حرقا، وتضيف “كل شيء احترق، كان النايلون ينصهر علينا ولا نعرف ماذا نفعل، والنيران في كل مكان، الحريق أكل الأخضر واليابس، لم يتبق لنا أي فراش أو ملابس، كان معي مبلغ بسيط هو 50 شيكلا (14 دولارا) احترق أيضا”.
ولا تدري السيدة التي تفتقد لمن يعيلها بعد وفاة زوجها، كيف ستتدبر أمورها، وأين ستبيت الليلة مع بناتها؟ وكيف ستوفر خيمة وفراشا وأغراضا بديلة لتلك التي احترقت؟
رعب وصدمة
يبدو كمال ماضي (42 عاما) تحت وقع الصدمة حتى الآن بعد أن احترقت خيمته بالكامل بما فيها من أغراض، وأُصيب ابنه الصغير عمر بشظية في بطنه، وهو واحد من 4 أطفال، تتراوح أعمارهم بين 3 و10 أعوام، ويقول للجزيرة نت “كنا نائمين في أمان الله، فجأة حصل القصف، ثم وجدت ابني يبكي والدماء تسيل من بطنه”.
وبعد أقل من دقيقة فوجئ ماضي بالنيران تقترب من خيمته بعد أن اشتعلت في الخيام المجاورة، وهو ما دفعه للهرب بأسرته على وجه السرعة، ويكمل “النار أكلت خيمتنا وكل شيء انتهى، الفراش والأحذية والأغطية وكل شيء، لم نعد نملك أي شيء إلا ملابسنا فقط، هربنا في آخر لحظة”.
وتابع “نطالب العالم بوقف الحرب ووقف قتل الأبرياء، جنبوا الأبرياء العدوان، لابد من وقف الحرب لأنها ضد الاطفال، نحن أتينا من الشمال بحثا عن الأمان، أين هو الأمان؟”، وكجيرانه من أصحاب الخيام، لا يدري ماضي أين سيبيت الليلة؟ وكيف سيتمكن من توفير خيمة وأغراض بديلة؟
أما مصلح (25 عاما) فيبدو أكثر حظا، حيث لم يحترق سوى جزء بسيط من خيمته، ويقول للجزيرة نت “المشهد كان مرعبا، الشهداء والمصابون تأكلهم النيران، أنا وأولادي وأخوتي لا نزال مرعوبين”، ويضيف “عشنا ليلة فظيعة، قصف هائل وحريق وصراخ وشهداء، والناس تجري هاربة من النار، ولا نعرف ماذا نفعل”.
وفي هذا السياق، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن جيش الاحتلال قصف مركز الإيواء داخل مستشفى شهداء الأقصى للمرة السابعة خلال الحرب، وقال إن الاحتلال قصف خلال الحرب نحو 191 مركز إيواء، تضم مئات آلاف النازحين المشردين بفعل حرب الإبادة الجماعية.
سياسة ممنهجة
ويرى المحلل السياسي والحقوقي مصطفى إبراهيم أن إسرائيل تستهدف مراكز الإيواء في قطاع غزة بشكل منهجي ضمن حرب الإبادة الجماعية التي تشنها على السكان، وذلك بغرض قتل أكبر عدد ممكن من السكان وترويعهم ودفعهم للهجرة خارج القطاع.
ويضيف للجزيرة نت “هذه السياسة توضح مدى الإجرام الذي ترتكبه إسرائيل، والتي تمضي في منع أي شكل من أشكال الحياة”، وأشار إلى أن إسرائيل لا تكتفي بطرد السكان من منازلهم بعد تدميرها، بل تلاحقهم في مراكز الإيواء التي يلجؤون إليها، وتقتلهم حرقا بالصواريخ، “لدى إسرائيل خطط في استمرار الضغط والتنكيل بالناس ودفعهم للهجرة”.
وشدد على أن هذه السياسة “مقصودة وممنهجة وهي جزء من سياسة حرب الإبادة، التي تضاف أيضا إلى جانب القصف الناري والتجويع ونشر الأوبئة والأمراض”، وندد إبراهيم بـ”انهيار منظومة القانون الدولي الإنساني، وبصمت العالم الذي يزعم الدفاع عن حقوق الإنسان”.
واستنكر أيضا تأخير المحكمة الجنائية الدولية إصدار قرارات اعتقال قادة إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب، مضيفا “هذا ما يشجع إسرائيل على الاستمرار في هذه الجرائم وعدم الانصياع لقوانين الأمم المتحدة”.