“رأس برأس” كوميديا سعودية محلية لا تشبه إلا نفسها

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

تتقدم السينما السعودية كل يوم بخطوات حثيثة عبر أفلام لازالت محدودة العدد، ولكن يقدم كل منها تجربة مختلفة، وبدأ مؤخرا عرض فيلم “رأس برأس” على منصة نتفلكس من إخراج مالك نجر، وتأليف عبدالعزيز المزيني.

ينتمي الفيلم إلى نوع الكوميديا السينمائي، وهو النوع الذي يمكن اعتباره سائدا إلى الآن في السينما السعودية، فحتى الأفلام التي تحاول الانتماء لأنواع أخرى يغلب عليها طابع الفكاهة في النهاية.

كوميديا الموقف

“رأس برأس”هو المشروع الأول بعيدا عن الرسوم المتحركة لكل من مخرجه ومؤلفه، اللذين تعاونا من قبل في عملين ناجحين على المستوى الجماهيري، وهما فيلم “مسامير” والمسلسل الذي يتناول نفس الشخصيات “محافظة مسامير”.  تكررت عناصر أخرى من هذين العملين في الفيلم الجديد، منها الممثلان عبدالعزيز الشهري ومالك نجر، وانسحب التأثير على الطابع البصري الخاص بالفيلم نفسه.

يفتتح الفيلم بمشهد كوميدي نعرف لاحقًا أنه “flash forward”، أي “مشهد سيتكرر بعد ذلك ضمن الأحداث”، وفيه نرى عملية تبادل لرهينة، لكنها تبوء بالفشل لأسباب لا نعرفها،  ثم ننتقل إلى  مدينة الرياض، وفيها نتعرف على “درويش” السائق في شركة سيارات فاخرة، ينقل المتزوجين حديثا، بينما يعاني بسبب رفض والد فتاته زواجه منها، و نتعرف، أيضا، على”فياض” رئيس قسم الصيانة، الذي يبيع أجزاء من سيارات الشركة سرا.

يدور الفيلم بالكامل في يوم واحد، وفيه يتوجه “درويش” للاستقالة، و”فياض” للحصول على قرار الفصل من العمل نتيجة لسلوكه الملتوي، ولكن ابن صاحب الشركة يقيل المدير، وفي قرار وليد اللحظة يعين “فياض” بدلًا منه، لاستغلال طبيعته المتلاعبة في تزوير أوراق حكومية تحتاج توقيع أي مدير، ويطلب منه بعدها أن يقل والده من المطار.

السائق الذي أرسله “فياض” يقل، بدلا من الوالد، رجلا آخر كبيرا في السن، وهو رئيس لإحدى العصابات الشهيرة باسم “الديمن”، وهنا تبدأ المغامرة الحقيقية، فكل من “فياض” و”دوريش”عليهما الآن نقل هذا المسن إلى حي “الذبيحة”، واسترجاع مدير الشركة.

الأمر ليس بهذه السهولة، فالحي الخيالي لا يبدو كما لو أنه يقع في الرياض، بل قادم من الغرب الأميركي مباشرة، ففيه كل السكان مجرمون سابقون أو حاليون، وكل الطرق لا تؤدي سوى للموت. تعتمد كوميديا فيلم “رأس برأس” على سوء الفهم المتبادل، حيث تقوم كل الشخصيات بأفعال غير منطقية بالنسبة لبعضها بعضا، لأنها لا تعرف حقيقة الطرف المقابل.

هذا النوع من الكوميديا يختلف عن كوميديا الإفيهات الغالبة على السينما المصرية، لأنه يعتمد بشكل أساسي على الديناميكية التي يصنعها مؤلف السيناريو والمخرج في توظيف الشخصيات بمواقف مضحكة وفي الوقت ذاته مقنعة بما فيه الكفاية للمشاهدين، وعلى الرغم من أن الفيلم ينتهج الهزلية الشديدة، فإن ذلك لم يجعل الشخصيات سطحية، بل بنى لكل منها أساسا وعرفنا على ماضيها قبل لحظة انطلاق الأحداث.

المشاهد الافتتاحية لكل شخصية عبرت عن مزاياها وعيوبها باختصار، وأهم سماتها، حتى لو كانت شخصية فرعية لها مساحة صغيرة مثل “أبو غدرة” النصاب من حي الذبيحة، ولقمان محب القطط والمتفجرات، وأضافت الاختلافات الكبيرة بين هذه الشخصيات مساحة واسعة للكوميديا.

القليل من الفانتازيا

على الرغم من انتماء “رأس برأس” إلى الكوميديا الصريحة، فإنه يمكن تصنيفه بشكل فرعي في الفانتازيا ولو بصورة محدودة، يظهر ذلك في حي “الذبيحة” على وجه الخصوص، وهو مكان خيالي تدور فيه أغلب أحداث الفيلم، وله قوانينه الخاصة التي تختلف عن عالمنا الحقيقي، وتبدو شخصياته كاريكاتيرية لا تنتمي للمجتمع السعودي.

ولكن الأهم من طبيعة المكان والشخصيات هو كيف ظهر على الشاشة، وهو سر تميز الفيلم بالتأكيد، فتصميم ديكورات الذبيحة جعل الحي عالما منفصلًا بذاته، بمبانيه المتهالكة، وفندقه الغريب، والدكاكين التي تبيع منتجات لا يعرف أحد ماهيتها، وتبادل الرهائن الذي يتم في منتصف الشارع.

يتضح من هذا الديكور تأثر المخرج مالك نجر بعالم المخرج “ويس أندرسون” المعتمد بشكل أساسي على أسلوبية خاصة في تصميم الديكور، وتحريك الشخصيات داخله، ويظهر ذلك في مشهد الفندق، والموظف الذي يرتدي ملابس ذات لون  بنفسجي، ويتصرف بمهنية مضحكة تتشابه مع ما قدمه أندرسون في فيلم “فندق بودابست الكبير” (The Grand Budapest Hotel)، فتبدو الكوميديا هنا مزدوجة، الأولى في الحوار المضحك تماما، والثانية متمثلة في سخرية الفيلم من هذا الفندق المهترئ مقارنة بفندق بودابست ذي المبنى الهائل باللون الوردي والبنفسجي.

أيضا تم استخدام الرسوم المتحركة داخل إطار الفيلم بشكل ذكي، لتوضيح الجريمة التي حدثت في الماضي وغيرت الذبيحة من حي عادي يقع في الرياض إلى هذا المكان المرعب.

لم تكن اللقطات المرسومة دخيلة على الفيلم، وإنما جزءا من النسيج الخاص بالعمل، وظهر فيها إبداع صناعه في استخدام شيء يجيدونه بالفعل، وتم توظيفه عل أنه بديل لمشاهد فلاش باك عادية تحتاج لاستخدام الممثلين مكياجا يظهرهم بأعمار أصغر، وتبدو في النهاية مصطنعة.

لم يخرج فيلم “رأس برأس” عن إطار الأفلام السعودية الكوميدية الرائجة الآن، ولكنه في الوقت ذاته خطوة للأمام بالنسبة لهذه السينما، ويدل على أن صناعها على الرغم من خبراتهم القليلة، فإنهم قادرون على تقديم أعمال منافسة على واحدة من أهم المنصات العالمية.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *