أنقرة- أعلنت وزارة الدفاع التركية، الخميس الماضي، عن سحب رتبة اللواء المتقاعد بلال تشوكاي وفصله بشكل نهائي من القوات المسلحة التركية، وذلك بعد اتهامه بالتورط في قضية تهريب البشر على الحدود السورية.
وجاء هذا الإعلان عبر بيان رسمي صدر عقب الاجتماع الأسبوعي للإحاطة الإعلامية الذي عقدته الوزارة، وشددت على أن الإجراءات التي اتخذت تأتي استجابة لتحقيقات متواصلة تتعلق بتورط أفراد في نشاطات غير قانونية تمس الأمن القومي.
وأوضحت مصادر في الوزارة أن تشوكاي سبق أن أُحيل على التقاعد بعد توجيه اتهامات له بالمشاركة في عمليات تهريب البشر عبر الحدود السورية. وبعد تحقيقات إضافية، تمت إحالته إلى مجلس التأديب الأعلى الذي أصدر قرارا نهائيا بسحب رتبته وفصله من الخدمة العسكرية.
تحقيقات موسعة
في مايو/أيار الماضي، أحالت القوات المسلحة التركية تشوكاي، قائد اللواء الـ16 للآليات، على التقاعد، بالتزامن مع اعتقال ضابط ورقيب في مدينة شانلي أورفا بتهمة تهريب مهاجرين سوريين بطرق غير نظامية إلى داخل تركيا مقابل مبالغ مالية. وتأتي هذه الإجراءات بعد ضبط المتهمين متلبسين في عمليات التهريب، حيث بدأت السلطات بإجراء تحقيقات موسعة للكشف عن مدى تورطهم في هذه الأنشطة غير القانونية.
وأوضحت وزارة الدفاع حينها أن هذه الخطوة جاءت ردا على تقارير تفيد بتورط جنرال كان مسؤولا عن أحد المعابر الحدودية مع سوريا في تهريب سوريين إلى تركيا، وأكدت أن الأمر كان يتم بواسطة مساعده الشخصي وضباط الحماية باستخدام السيارة الرسمية الخاصة به.
وأفادت بأن القضية تم تحويلها إلى النيابة العامة لبدء تحقيقات قضائية وإدارية، وبأنه تم إلقاء القبض على المتورطين الآخرين فيها وإنهاء عقود الموظفين المتعاقدين المتورطين، مع اتخاذ التدابير اللازمة لضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث في المستقبل.
وفي أواخر يونيو/حزيران الماضي، ألقت السلطات التركية القبض على الجنرال تشوكاي في العاصمة أنقرة وأرسلته لمدينة شانلي أورفا لاستكمال التحقيقات، مما أسفر لاحقا عن قرار نهائي بسحب رتبته وفصله من الخدمة العسكرية بشكل كامل.
مراقبة الحدود
تعمل السلطات التركية على منع العبور غير النظامي عبر حدودها بشكل مكثف. ووفقا لبيانات وزارة الدفاع، فقد بلغ عدد الأشخاص الذين تم القبض عليهم أثناء محاولتهم العبور بطرق غير قانونية -منذ بداية العام الجاري- 11 ألفا و679 شخصا، في حين تم منع 76 ألفا و989 آخرين من عبور الحدود قبل وصولهم إليها.
وأظهرت بيانات دائرة الهجرة التركية انخفاضا ملحوظا في عدد الأشخاص الذين تم القبض عليهم لدخولهم الأراضي التركية بشكل غير قانوني خلال السنة الحالية، حيث بلغ عددهم 170 ألفا و916 شخصا، مقارنة بـ254 ألفا في العام الماضي، ونحو 285 ألفا في سنة 2022.
وبحسب أحدث الإحصاءات، تصدرت أفغانستان قائمة الدول المصدرة للاجئين غير النظاميين إلى تركيا خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، بواقع 46 ألفا و418 شخصا، تلتها سوريا في المرتبة الثانية بـ40 ألفا و778 شخصا، في حين جاءت فلسطين في المرتبة الثالثة بـ8883 شخصا.
وأثار الخبر موجة كبيرة من التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي، حيث عبّر العديد من المستخدمين عن استيائهم من تورط مسؤولين عسكريين في مثل هذه الأنشطة غير القانونية. وطالب كثيرون -عبر التعليقات والتغريدات- بضرورة اتخاذ إجراءات حازمة لمكافحة الفساد داخل المؤسسة العسكرية، وضمان محاسبة كل من يثبت تورطه في مثل هذه القضايا.
في المقابل، دافع آخرون عن الجيش التركي، مشددين على أن هذه الحوادث “فردية، ولا تمثل الصورة الحقيقية للقوات المسلحة، التي تواصل أداء مهماتها في حماية البلاد وتأمين حدودها بكل كفاءة”.
حادثة فردية
وأشار الصحفي التركي محمد كيليتش -في تغريدة على منصة إكس- إلى أن العميد بلال تشوكاي، المتورط في تهريب البشر من سوريا إلى تركيا، “استحوذ أيضا على مبالغ الرشوة المرتبطة بالعملية”. وكشف عن تفاصيل واردة في رسالة كتبها المساعد الشخصي للعميد إلى زوجته، حيث قال فيها “سنحصل على 31 ألف دولار، وسيتم تقسيمها على 5 أشخاص. أخذ العميد تشوكاي الدفعة الأولى. الأمر ليس عادلا، لكن لا يمكن فعل شيء حيال ذلك”.
وقال العميد السابق في الجيش التركي، علي دميركان، إن هذه الحادثة تأتي لتسلط الضوء على الحاجة الملحة لتعزيز الرقابة الدورية على العاملين داخل مؤسسات الدولة، مؤكدا أن هذه الحوادث تظل فردية ولا تمثل إلا الشخص المتورط بها.
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف دميركان أن الجيش والسلطات المعنية فعالة وصارمة للغاية فيما يتعلق بأمن الحدود، إذ يتم بشكل فوري القبض على اللاجئين غير النظاميين الذين يحاولون دخول البلاد. وتابع أنه “غالبا ما يكون بين هؤلاء أشخاص على صلة بالإرهاب، ينوون تهديد أمن تركيا، لذلك فإن الأجهزة الأمنية تعمل بكفاءة لضمان حماية الحدود من أي تهديدات محتملة”.
وأشار دميركان إلى أن الجيش التركي لا يكتفي بتأمين الحدود عبر العمليات الميدانية فقط، بل يعمل على تعزيز التعاون مع الدول المجاورة وتطبيق تقنيات متطورة لضمان الرقابة الفعالة على المعابر، مما يسهم في الحد من الأنشطة غير القانونية ويعزز استقرار البلاد.