بغداد– يشهد العراق ومنذ شهور مناقشات حادة حول قانون العطل الرسمية، حيث تحول الجدل الطائفي والسياسي بين المكونات العرقية والإثنية إلى مشكلة اقتصادية حاسمة.
في خضم الجدل الطائفي والسياسي الذي كان يحيط بقانون العطل الرسمية في العراق، تحولت المناقشات إلى جدلية اقتصادية بعد أن أظهرت الإحصائيات الاقتصادية أن تلك العطل تكلف الدولة العراقية سنويا نحو 34 تريليون دينار (26 مليار دولار)، بحسب ما أكده الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي في تدوينة له على صفحته في الفيسبوك.
وذكر المرسومي أن مجموع الرواتب السنوية للموظفين وسواهم يبلغ 90 تريليون دينار (69 مليار دولار)، مشيرا إلى أن مجموع أيام الجمع والسبت (يومي الإجازة الأسبوعية) يبلغ 104 أيام في السنة، بينما تبلغ عطلات رسمية إضافية 16 يوما، وعطلات غير رسمية 20 يوما تقريبا، مما يجعل مجموع العطل الكلي في العراق 140 يوما.
وفقا للمرسومي، فإن التكلفة اليومية للعطل الرسمية وغير الرسمية مع يومي الجمعة والسبت تبلغ 246 مليار دينار (187 مليون دولار)، بينما تبلغ التكلفة السنوية للعطل الرسمية وغير الرسمية 34 تريليون دينار (26 مليار دولار).
وكان مجلس النواب العراقي قد صوت في جلسته التي عقدت في 22 مايو/أيار الماضي على تعديل مشروع قانون العطلات الرسمية بإضافة عطلة عيد الغدير.
وخلال السنوات الـ16 الماضية عقد البرلمان العراقي جلسات عديدة لمناقشة قانون العطل الرسمية في العراق، لكن تلك الجلسات لم تتمكن من حل مشكلة كثرة العطل الرسمية بل فاقمتها، فكل ديانة وطائفة وقومية كانت تقترح عطلا جديدة، وتحاول تعويضها عبر إلغاء أيام عطل أخرى، من بينها الخلاف على عطلتي عيدي الفطر والأضحى المباركين إضافة إلى الخلاف حول عطلة المولد النبوي.
ولا يقتصر الخلاف على العطل الرسمية على المسلمين فحسب، فجميع ممثلي المكونات العراقية يطالبون بأيام عطل إضافية خاصة بهم بلغ مجموعها 35 يوما خلال جلسات مناقشة قانون العطل، حيث يطالب المكون المسيحي بـ7 أيام من العطل، تتوزع إلى 3 أيام تبدأ من 25 ديسمبر/كانون الأول وهي عطلة أعياد الميلاد، ومثلها لعيد القيامة، مع إضافة يوم الأول من أبريل للاحتفال برأس السنة البابلية الآشورية (أكيتو).
فيما يطالب أتباع الديانة الأيزيدية بتحديد 15 يوما كأعياد خاصة، تبدأ من يوم الجمعة الأول من يناير/كانون الثاني وهو عيد الصوم الأيزيدي، ويوم الأربعاء الأول من أبريل/نيسان، و8 أيام خلال الفترة من (23-30) سبتمبر/أيلول، إضافة إلى الفترة من (18-21) يوليو/تموز بمناسبة أربعانية الصيف.
أما أعياد الصابئة فقد بلغ مجموعها 13 يوما، متوزعة على 5 أيام لعيد الخليقة، و4 أيام لعيد دهوربا، و3 أيام للعيد الصغير، ويوم واحد لعيد التعميد الذهبي.
يُضاف إلى جميع تلك العطل مناسبات وطنية أخرى فيما يخص العيد الوطني أو أعياد تأسيس الجيش والشرطة وغيرها من المناسبات الوطنية الأخرى.
إعادة النظر في العطل
وفقا للخبير الاقتصادي عبد السلام حسين، فإن عدد العطل والمناسبات في العراق ليس كما طرح على منصات التواصل الاجتماعي بل بحساب بعض المناسبات الإثنية والمكوناتية فإنها تتجاوز فعليا 170 يوما، مما يكلف خزينة الدولة أكثر من 52 تريليون دينار (40 مليار دولار) سنويا، مشددا على ضرورة تعديل قانون العطل الرسمية برلمانيا وإعادة النظر فيها رغم التحديات التي تواجهها هذه العملية.
وأكد حسين خلال حديثه لـ “الجزيرة نت”، أن هذه التكاليف تضغط بشكل كبير على الموازنة العامة للدولة، مما يؤثر سلبًا على الاقتصاد الوطني.
وأوضح أن قضية العطل الرسمية كانت محط جدل طائفي وسياسي بين المكونات العرقية والإثنية في العراق. كل حزب أو مكون لديه مناسبات خاصة لا يمكنه التنازل عنها، مما يجعل إعادة النظر في هذه القضية تحديا كبيرا.
ويشدد على أن الحكومة لا تعلم بما يجري في كل دائرة من دوائر الدولة، مؤكدا ضرورة إعادة النظر في قضية العطل الرسمية من خلال تعديل قانونها داخل قبة البرلمان رغم التحديات السياسية والطائفية.
واقترح لتقليل التكاليف والضغط على خزينة الدولة من بينها استبدال يوم السبت بيوم الخميس للعمل.
ويشير حسين إلى وجود ترهل وظيفي في بعض الدوائر، حيث يوجد موظفون يبلغ عمرهم 80 عاما ويعانون من مشاكل صحية مثل فقدان البصر، وما زالوا في وظائفهم بسبب وجود جهات داعمة لهم. هذا الوضع يؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني ويحجب فرص الشباب العاطلين عن العمل.
التحديات الاقتصادية والإنتاجية
من جانبه، فقد قلل المستشار الاقتصادي علاء الفهد، من أهمية ما طرح من أرقام بشأن عدد العطل الرسمية، مشيرا إلى أنها لا تمثل المشكلة الأساس في هدر أموال الدولة العراقية.
وقال الفهد خلال حديثه لـ”الجزيرة نت” إن العطل تكلف ميزانية الدولة مبالغ كبيرة، لكن المشكلة أن دوام الموظفين دون إنتاجية هو ما يكلف مبالغ مالية كبيرة سواء من تشغيل مولدات الطاقة الكهربائية والوقود وخطوط النقل وغيرها من أبواب الإنفاق، وجميعها أعلى من الخدمة المقدمة والإنتاجية.
وأضاف أننا لا نستطيع حساب تكلفة العطل فقط، بل يجب علينا حساب الإنتاجية مقارنة بمبالغ الصرف في الموازنات العامة. وشدد على أهمية معالجة الكثير من المشاكل التي تكلف نفقات لا توازي الإنتاجية.
وتابع الفهد أن المشكلة الأساس هي انخفاض الإنتاجية للموظف في المؤسسات الحكومية والتي تحتاج إلى معالجة سريعة ومعالجة قضية الترهل الوظيفي، منوها إلى أن العطل هي ظاهرة طبيعية في معظم دول العالم، خاصة الشركات العالمية التي تمنح العطل لـ3 أيام في الأسبوع، مع تطبيق العمل عبر الإنترنت ونظام الحوكمة الإلكترونية لزيادة الإنتاجية وتقديم الخدمات بشكل أفضل.