وسط تصاعد التوترات بين إسرائيل وحزب الله، تتجدد الدعوات الأميركية والدولية لملء الفراغ الرئاسي الحاصل في لبنان، وتبرز هذه المناشدات في مرحلة بالغة الدقة والتعقيد، تعيش خلالها بيروت انقساما سياسيا متواصلا وأزمة اقتصادية واجتماعية حادة، تتعمّق يوما تلو الآخر في ظل حالة الحرب.
وخلال الأيام الأخيرة، تحدثت تقارير إعلامية غربية، عن أن الولايات المتحدة “تسعى” مع حلفائها الإقليميين لـ”استغلال” ما تراه “فرصة سانحة” لتغيير المعادلة السياسية في لبنان، وذلك في أعقاب العمليات العسكرية الإسرائيلية التي أدت إلى إضعاف نفوذ وقوة الجماعة التي لطالما حمّلتها أطراف دولية وداخلية مسؤولية حالة الجمود السياسي بالبلاد.
ويرى محللون لبنانيون تحدثوا لموقع الحرة، أن هذه المساعي قد تواجه تحديات كبيرة، أبرزها الانقسام السياسي الحاد في المشهد اللبناني، علاوة على رفض حزب الله وحلفائه لأي خطوات سياسية قبل التوصل إلى وقف لإطلاق النار، كما تثير أي خطوات في هذا الاتجاه مخاوف من تأجيج توترات طائفية في البلاد.
دعوة وقراءات
والجمعة، أكد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، على التزام واشنطن بالتوصل إلى حل دبلوماسي للصراع في لبنان، وذلك خلال اتصالين مع مسؤولين لبنانيين.
وناقش بلينكن في اتصال مع رئيس الوزراء اللبناني المؤقت، نجيب ميقاتي، ورئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، “شغور منصب الرئاسة في لبنان والحاجة إلى تعزيز القيادة التي تعكس إرادة الشعب من أجل لبنان مستقر ومزدهر ومستقل”، مؤكدا أنه “لا يمكن للبنان أن يسمح لإيران أو حزب الله بالوقوف في طريق أمنه واستقراره”.
بلينكن: على الدولة في لبنان تولي زمام المسؤولية.. ومن المهم انتخاب رئيس
أكد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الجمعة، أن على الدولة اللبنانية فرض نفسها وتولي زمام المسؤولية، مشددا على ضرورة انتخاب رئيس للبلاد، وذلك في وقت تشن إسرائيل حملة غارات عنيفة وعمليات برية مستهدفة حزب الله.
وحسبما نقل موقع “أكسيوس” وصحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين أميركيين وإقليميين، يريد البيت الأبيض الاستفادة من الضربات التي وجهتها إسرائيل لقيادة حزب الله وبنيته التحتية لإحداث تحول جذري في المشهد السياسي اللبناني، بما يؤدي لانتخاب رئيس لبناني جديد.
وكشف تقرير صحيفة وول ستريت جورنال، الأربعاء، استنادا إلى تصريحات نقلتها عن مصادر مطلعة على المحادثات الجارية ـ لم تكشف هويتهاـ أن واشنطن ترى في هذه الظروف “فرصة سانحة” لتقليص نفوذ الجماعة اللبنانية المدعومة من إيران والمصنفة على قوائم الإرهاب الأميركية.
الكاتب والمحلل السياسي، علي الأمين، يرى أن جهود واشنطن والأطراف الدولية المختلفة للدفع نحو انتخاب رئيس للبلاد، ليست جديدة في جوهرها، فهي تتكرر منذ عامين، غير أنها لطالما تعثرت بسبب العراقيل المستمرة التي يضعها حزب الله.
لكن الأمين يوضح في تصريحه لموقع الحرة، إلى أن هذه الأطراف باتت ترى في “التحولات الأخيرة” الناجمة عن الحرب الإسرائيلية على لبنان، وعلى رأسها الضربات التي تعرضها لها الحزب المدعوم من إيران، الفرصة لتحقيق اختراق ينهي الأزمة السياسية التي تمر منها البلاد.
ويشير المحلل اللبناني إلى أن تداعيات الحرب أدت إلى تصاعد الأصوات والجهود الداعية لانتخاب رئيس جديد، معتبر أن “الأمر يبقى مهما بالنسبة للبلاد في ظل التحديات المرتبطة بالحرب”، بيد أنه يلاحظ بأسف “غياب التجاوب من حلفاء حزب الله” مع هذه الدعوات.
وظل لبنان بلا رئيس لفترة تناهز العامين، مما أدى إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار السياسي وتعميق الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، ما أضعف بشكل كبير قدرة الدولة على ممارسة سلطتها الفعلية، وساهم في تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين وزعزعة ثقتهم في المؤسسات الحكومية.
وعلى مدى السنوات الماضية الماضية، بذلت العديد من القوى الدولية والإقليمية جهودا حثيثة لحلحلة الأزمة السياسية في لبنان. وقادت الولايات المتحدة وفرنسا تحديدا، إلى جانب دول عربية مساع دبلوماسية مكثفة للتوسط بين الفرقاء السياسيين.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، الأسبوع الماضي: “لقد أوضحنا منذ فترة أننا نعتقد أن الحكومة اللبنانية بحاجة إلى التغلب على الخلل في النظام”، مشيرا إلى أن أحد المحرضين الرئيسيين لهذا الخلل هو فيتو حزب الله على من سيكون الرئيس القادم – وانتخاب رئيس. هذا لا يزال صحيحا”.
“استمرار الانقسام”
وأوردت وول ستريت جورنال، أن بلينكن أجرى مؤخرا محادثات مع قادة قطر ومصر والسعودية لطلب دعمهم لانتخاب رئيس لبناني جديد.
وقال مسؤولون سعوديون للصحيفة، إن الرياض تؤيد الفكرة، بينما قال مسؤولون مصريون وقطريون إن الخطة غير واقعية وتنطوي على مخاطر. وقيّم هؤلاء أن إسرائيل لا يمكنها تدمير حزب الله بالكامل، وبالتالي سيكون من الضروري إشراك الجماعة في العملية السياسية لإنهاء الصراع.
ويخشى البعض في لبنان من أن الضغط لتنصيب رئيس الآن قد يشعل نوع العنف الطائفي الذي عانى منه البلد في الماضي، حسبما نقلت الصحيفة.
كما أثارت مصر مخاوف مماثلة، وفقا للتقرير، في حين أشار محللون سياسيون ودبلوماسيون إلى أن أي شخص يُنظر إليه على أنه يكتسب السلطة بسبب الهجوم العسكري الإسرائيلي قد يُعتبر غير شرعي ويواجه غضبا من بعض اللبنانيين والمنافسين السياسيين.
الكاتب والباحث السياسي، نضال السبع، يؤكد وجود “انقسام سياسي عميق في لبنان بشأن المساعي الأميركية الأخيرة”، موضحا أن الأطراف المتحالفة مع حزب الله تعارض بشدة هذه الجهود، بينما يسعى خصوم الحزب إلى دفعها قدما.
ويوضح السبع في تصريحات لقناة الحرة، أن الحزب، سبق له أن فوّض رئيس البرلمان، نبيه بري، للتفاوض بشأن وقف إطلاق النار، كما أعلن استعداده لتطبيق القرار 1701 والمضي قدما نحو انتخاب رئيس لبناني جديد، ولكن بعد تحقيق وقف إطلاق النار.
ويشير المتحدث ذاته إلى حقيقة امتلاك حزب الله 30 مقعدا في البرلمان اللبناني، محذرا من أن عدم مشاركة هذه الكتلة الكبيرة في أي انتخابات رئاسية قد يقوض شرعية أي رئيس جديد، مما يضع تحديا إضافيا أمام أي مساعٍ لحل الأزمة السياسية في لبنان.
“تطور خطير” أثار موجة تنديد.. “اليونيفيل” وسط الاشتباكات في لبنان
أثار استهداف قوة الأمم المتحدة المؤقتة “اليونيفيل” في لبنان من قبل الجيش الإسرائيلي، موجة من التنديد الدولية، فيما دعا زعماء أوربيون لوقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل للضغط على إسرائيل على خفض تصعيد التوتر في الشرق الأوسط.
ويعتمد النظام السياسي اللبناني على مبدأ المحاصصة الطائفية، إذ يتم توزيع المناصب السياسية العليا بين الطوائف الدينية الرئيسية في البلاد. ووفقا لهذا النظام، يعود منصب رئيس الجمهورية للطائفة المسيحية.
ومنذ انتهاء ولاية الرئيس السابق، ميشال عون، في نهاية أكتوبر 2022، فشل البرلمان أكثر من مرة في انتخاب رئيس على وقع انقسام سياسي بين حزب الله وخصومه. ولا يحظى أي فريق بأكثرية تمكّنه منفرداً من إيصال مرشحه إلى المنصب. ويتهم كل فريق الآخر بمحاولة فرض مرشحه وبتعطيل انتخاب رئيس.
وعلاقة بالتطورات الأخيرة وإمكانية الدفع نحو إجراء انتخابات جديدة في ظل الرغبة الأميركية والمساعي الداخلية، يؤكد المحلل السياسي، الأمين، أن المعسكر المقرب من حزب الله يرفض أي تحرك قبل التوصل إلى وقف إطلاق النار.
ونتيجة لذلك، يستبعد حدوث أي تطور جوهري، في الأيام القادمة، ما لم تطرأ مستجدات ميدانية تفرض واقعاً جديداً وتغير المشهد السياسي الحالي، ويضيف موضحا: “لا تلوح في الأفق أي مؤشرات تبشر بإمكانية انتخاب رئيس جديد، على الأقل قبل اتضاح مسار المواجهة الدائرة بين حزب الله وإسرائيل”.
وفيما يتعلق بمدى قدرة الخسائر الأخيرة على “تليين” موقف حزب الله من موضوع ملء الفراغ الرئاسي، يؤكد الأمين أن إدارة الحزب “قد أصبحت الآن تحت السيطرة المباشرة لإيران، في ظل غياب قيادة فعلية داخل الحزب نفسه”.
ويضيف أن الإدارة العسكرية والسياسية للحزب باتت بالكامل في “قبضة الحرس الثوري الإيراني، خاصة بعد تصفية قياداته العليا، مما جعل الورقة اللبنانية ترتبط الآن ارتباطاً وثيقاً بالحسابات والمصالح الإيرانية، متجاوزة بذلك التوازنات الداخلية اللبنانية”.
بدوره، يرى مكرم رباح، المحاضر في الجامعة الأميركية في بيروت، أن الحزب “لا يتصرف كحزب سياسي لبناني ولا يكترث للتشريد والتهجير الذي يتعرض له اللبنانيون”، مشيرا إلى أن قراراته السياسية “تُصنع في طهران وليس في بيروت”.
ويسلط رباح الضوء على ما يراها “مشكلة أخرى” تعيق الحل السياسي، وتتمثل في موقف الطبقة السياسية الحاكمة التي “لا تزال تختبئ خلف ورقة حزب الله كذريعة لعدم إحراز تقدم في حل الأزمة السياسية الراهنة”.
ويدعو رباح إلى ضرورة الاستفادة من الدعم الدولي والإقليمي المقدم للبنان خلال الفترة لكسر الجمود المؤسساتي، مؤكدا أن وقف إطلاق النار وانتخاب رئيس جديد يجب أن يسيرا بشكل متواز.
غير أن المتحدث ذاته، يعود للتأكيد على أهمية أن يكون الشخص المفاوض في المرحلة المقبلة رئيسا منتخبا للبنان، بعيدا عن مناورات رئيس البرلمان نبيه بري أو رئيس حكومة “منزوع القرار يتحكم به حزب الله”، ما من شأنه أن يعزز موقف لبنان التفاوضي ويضمن تمثيلا أكثر فعالية لمصالح البلاد في هذه المرحلة الحرجة.
“سيناريو غزة” يلوح.. هل تنقذ الدبلوماسية لبنان؟
تحل الذكرى السنوية الأولى للهجوم غير المسبوق الذي شنّته حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر، وسط تصاعد التوتر بين حزب الله وإسرائيل، مما يثير مخاوف متزايدة من انزلاق لبنان نحو مصير مشابه لقطاع غزة.
تحركات داخلية
وموازاة مع المساعي الخارجية، برزت خلال الأيام الأخيرة، جهود داخلية لاحتواء التصعيد وإنهاء الجمود السياسي الداخلي، إذ أطلق رئيس مجلس النواب، نبيه بري، مبادرة تقوم على الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار، مع التأكيد على استعداد السلطات اللبنانية لتطبيق القرار الدولي 1701، بما في ذلك إرسال الجيش اللبناني إلى الجنوب بالتنسيق مع قوات الأمم المتحدة.
وجاءت المبادرة من نبيه بري، قبل أيام، وانضم إليها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط، وتشمل أيضا التركيز على ضرورة انتخاب رئيس توافقي للجمهورية يتمتع بقدرة على تمثيل لبنان دوليا، وتشكيل حكومة جديدة بكامل الصلاحيات لتحل محل حكومة تصريف الأعمال الحالية.
الكاتب والمحلل السياسي، أسعد بشارة، يقول إن هذه المبادرة تعطّلت بعد تراجع بري عنها في أعقاب “تدخل إيراني، التي قال وزير خارجيتها بوضوح، إن جبهة لبنان ترتبط بجبهة غزة”، ثم أعقبته خرجة نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم الذي شدد على ألا بحث في أي موضوع سياسي قبل وقف إطلاق النار، ما يعني سحب البساط، من تحت هذه المبادرة.
ويضيف المحلل السياسي في حديثهخ لموقع “الحرة” أن هناك محاولة مستمرة لتعطيل أي استحقاق دستوري على وقع ما يجري من الحرب، بالتالي تبقى الجمهورية مقطوعة الرأس حتى إشعار آخر.
ويوضح المتحدث ذاته، أن الجهد الدولي المدعوم أميركيا لتحديد جلسة لمجلس النواب، يظهر أنه لن “يثمر أي جديد قبل اتضاح مسار الحرب، خاصة أن حزب الله لن يقبل بها، خاصة وهو لا يزال قادرا على الضغط على بري وتعطيل أي تحرك دستوري أو برلماني”.