غزة- لليوم الخامس على التوالي، تشن قوات الاحتلال الإسرائيلي هجوما بريا واسعا على مناطق بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا، في ظل حصار خانق على سكانها، هو الثالث منذ بدء العدوان على غزة.
ويزداد الوضع سوءا كل دقيقة، حيث تستهدف قوات الاحتلال كل جسم متحرك وتمنع دخول إمدادات المياه والطعام والدواء إلى محافظة الشمال، وسط قصف مدفعي وجوي مكثف.
وقد نزح أبو يوسف من منطقة بئر النعجة صباح السادس من أكتوبر/تشرين الأول الجاري تحت القصف وقذائف المدفعية إلى مخيم جباليا، بحثا عن الأمان وهربا من هول القذائف، ليواجه المصير والحصار الخانق نفسيهما في المخيم.
وضع صعب
يقول أبو يوسف إن الوضع في الشمال صعب للغاية وإن الموت يلاحق الناس في أزقة الشوارع، ومُسيرات “كواد كابتر” تطلق النيران على أي جسم متحرك، إضافة إلى القصف المدفعي وإطلاق الصواريخ في كل مكان و”الأشباح من تتحرك في الشوارع”.
ويضيف “نحن محاصرون في مخيم جباليا ونتضرع إلى الله أن يزيل عنا هذه الغمة، الوضع في الشمال يفوق الوصف: البيوت تُقصف على رؤوس ساكنيها والشهداء (تنتشر جثثهم) بالطرقات وتحت الأنقاض، في ظل الإمكانيات المحدودة لطواقم الإسعاف والدفاع المدني واستهداف جيش الاحتلال لهم بشكل مباشر”.
ووفق المواطن الفلسطيني، لا يستطيع أحد التنقل لأن “كواد كابتر” تحاصر محافظة الشمال وتطلق نيرانها على النازحين في أماكنهم، ويؤكد “لا نعلم إن كنا سنعيش أم لا فكل ليلة تكون أصعب من سابقتها، نحن شعب حر وصاحب كرامة وقضية، حرام إللي بيصير فينا بهدلة الأطفال والنساء، كل شقاء العمر راح، لكننا صامدون”.
ويهدد الاحتلال الإسرائيلي هؤلاء المواطنين الذين يزيد عددهم على 200 ألف نسمة في مناطق وأحياء محافظة شمال القطاع، بإخلاء منازلهم مرتكبا المجازر بحق المدنيين لإجبارهم على النزوح جنوبا وتهجيرهم.
وفي ساعات المساء بعد عصر الخامس من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، كان محمد هاني وطفله يبحثان عن ملابس دافئة في سوق مخيم جباليا، وفجأة انهالت عليهما قذائف مدفعيات الاحتلال، أصواتها تزلزل القلوب وتثير الخوف في وجوه الناس وهم يركضون إلى مأمن يحول دون إصابتهم بشظاياها التي تحمل الموت والفقد، على حد وصفه.
توغل ومجازر
وأضاف هاني “حملتُ ابني وركضت عكس اتجاه الناس الفارين، أردت أن أسحب عائلتي فقد كانت تنتظرني، من شارع إلى زقاق ألهث خوفا وأملا أن أنجو بأبنائي، وصلت إليهم وحملنا متاعنا على أكتافنا بحثا عن نزوح آمن ولكن إلى أين؟”.
ويوضح أنها المرة الثالثة التي يتوغل فيها جيش الاحتلال في محافظة الشمال ويشن فيها أبشع المجازر، ويقول “نزحنا مرات كثيرة من جنب الركام وتحت القذائف والطائرات والموت يرقص حولنا، عشرات القتلى والإصابات في الشوارع، ليس لدينا قوة لنحملهم ونسعفهم”.
ومن جانبه، يقول معتز أيوب ضابط إسعاف في جهاز الدفاع المدني بمحافظة الشمال إن مخيم جباليا يخوض -منذ 5 أيام- معركة برية شرسة، وتعرضت طواقم الإسعاف والدفاع المدني إلى إطلاق الصواريخ والقذائف المدفعية أو المسيرات التي تطوق الطرقات وتقطعها.
كما تمت محاصرة سكان المحافظة وقطع الطرق عليهم بشكل كامل لمنع خروج أي منهم، وفي حال أراد أي شخص النزوح إلى مدينة غزة يتم قنصه بواسطة “كواد كابتر” وفق أيوب.
ويوضح أن الطريق من دوار أبو شرخ -وهو المخرج الوحيد من الناحية الغربية لأهالي الشمال- محاصر وتم إغلاقه من قبل الاحتلال بسواتر ترابية مستهدفا أي شخص يقترب ويحاول الخروج، ويوجه المواطنين شرقا نحو شارع صلاح الدين حيث أقام عدة حواجز ونقاط تفتيشية.
استهداف عشوائي
ويؤكد ضابط الإسعاف أن الوضع كارثي وكل لحظة يزداد سوءا حيث تم إغلاق مستشفى الإندونيسي بشكل قسري وخرج عن الخدمة بالكامل، هذا بخلاف تهديدات طالبت إدارة مستشفى كمال عدوان بالإخلاء الكامل خلال 24 ساعة، بينما رفضت الإدارة ذلك وما زالت تواصل تقديم خدماتها للمصابين والمرضى.
وحسب أيوب، يفوق عدد الإصابات قدرة الطواقم الطبية على استيعابها والتعامل معها، مؤكدا أن طواقم الإسعاف والدفاع المدني تعمل “من العدم” في ظل قلة الإمكانيات وشح الوقود، وفي حال استمر الحصار أكثر من ذلك فسيؤدي إلى إغلاق المنظومة الصحية بالكامل في محافظة الشمال.
أين المفر؟
ويؤكد أن الاستهداف “عشوائي في كل مكان، لدرجة أن الناس أصبح لديهم هوس إلى أين سينزحون، من تل الزعتر إلى معسكر جباليا والعكس، ولا يعلمون ما المصير الذي ينتظرهم خاصة أن كل مناطق محافظة الشمال حمراء وكل من فيها معرضون لخطر الموت”.
ويضيف أيوب أن الاحتلال يدعي أن هناك طريقا آمنا من خلال شارع صلاح الدين إلى من يريد أن يتوجه جنوبا، و”هذا عارٍ عن الصحة فهناك حواجز ونقاط تفتيش، ويطلق النار من منطقة دولة في حي الزيتون الذي ما زال يشهد توغلا محدودا تتقدم وتتحرك فيه الآليات في مناطق مختلفة على أطرافه منذ 47 يوما”.