الخليل– “فلسطين حبيبتي، إن همّك هو همي وجرحك هو جرحي وعزتك هي عزتي، أنت من ولد من رحمك الأبطال الشرفاء وأنت مهد الأنبياء ونحن المرابطين، على أرضك ولدنا وعلى أرضك نموت”.
تلك مقتطفات من كلمة خطها الشيخ زياد أبو هليل بيده، كما يشير لذلك قبيل كل منشور له على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، قبل ساعات من استشهاده، وكأنها تعبر عن إحساسه بقرب الأجل، وأيضا بتحقيق أمل طالما عاش لأجله وتمناه، وهو أن يغدو شهيدا على ثرى الوطن الفلسطيني، فكان له ما أراد.
وإلى منزله في مدينة دورا قرب محافظة الخليل جنوبي الضفة الغربية تعود حكاية استشهاد الشيخ زياد أبو هليل (68 عاما) فجر اليوم الاثنين تزامنا مع الذكرى السنوية الأولى لعملية طوفان الأقصى، بعد أن اقتحم عشرات من جنود الاحتلال الإسرائيلي المدججين بالسلاح منزله في منطقة دورا البلد وسط المدينة، واعتدوا عليه بالضرب المبرح ليستشهد بعد وقت قصير.
بين أهله
وفي التفاصيل، يقول عامر أبو هليل ابن شقيق الشيخ زياد للجزيرة نت “اقتحمت قوة كبيرة من جيش الاحتلال منزل عمي الشيخ زياد قرابة الثالثة من فجر اليوم في محاولة لاعتقالي، حيث أخطأت بتحديد منزلي الذي لم أكن موجودا فيه، وبعدها وقعت مشادة بين جنود الاحتلال والشيخ زياد، انهال عليه الجنود بالضرب المبرح بأعقاب البنادق وبإلقاء بوابة حديدية على صدره”.
ويضيف عامر “دون مبالاة من الجنود الذين تركوا الشيخ زياد يسقط أرضا بين ذويه وسحبوا أحد أبنائه واقتادوه ليدلهم على منزلي، حيث قاموا بتفتيش المنزل والعبث بمحتوياته، ومن ثم انسحبوا على وقع أصوات أبناء الشيخ وصراخهم بعد استشهاد والدهم”.
ولأكثر من 15 دقيقة، ظل الشيخ زياد ملقى على الأرض في حالة صعبة، ويرجح عامر أنه “استشهد بمنزله” بفعل الضرب المبرح قبل أن ينقل لمستشفى دورا الحكومي ويعلن استشهاده هناك، وقال عامر “يعاني الشيخ الشهيد صِحّيا نتيجة عملية قسطرة للقلب قبل أقل من أسبوعين”.
وفي جنازة مهيبة وبحضور آلاف الفلسطينيين، شُيع جثمانه من أمام مشفى دورا الحكومي إلى مسقط رأسه في المدينة حيث ألقى ذووه نظرة الوداع الأخيرة عليه، ومن ثم نقل حملا على الأكتاف إلى مقبرة الشهداء (النبي نوح) بعد أداء صلاة الجنازة عليه، وسط هتافات مؤازرة لذويه وتشيد بمناقبه ومواقفه بالتصدي للاحتلال، وأخرى تندد بجرائم الاحتلال وتتوعده بالثأر.
وضجت مواقع التواصل بخبر استشهاد الشيخ أبو هليل، ونعاه كل على طريقته، وأتوا على مناقبه النضالية واستعرضوا بسالته في التصدي للاحتلال، مسترجعين صورا ومقاطع فيديو له توضح ذلك، ولا سيما الفيديو الشهير بكلمة “بهمِّش”.
إصلاح ومقاومة
وفي مدينة دورا قضاء محافظة الخليل ولد الشيخ الشهيد زياد موسى أبو هليل لعائلة مناضلة ومضحية، وفي المدينة شب وترعرع محبا لأرضه ووطنه، وذاع صيته بمواقفه الصلبة ضد الاحتلال الإسرائيلي وممارساته العنصرية، وعرف كشخصية بارزة لها وزنها وكرجل إصلاح في محافظة الخليل.
ويعرف الشيخ نفسه بأنه “شخصية وطنية مستقلة من واجبها المقاومة والوقوف في وجه المحتل” كما جاء في مقابلة سابقة له مع الجزيرة نت.
واعتقل الشيخ أبو هليل كما هو ديدن أبناء عائلته وأقاربه واحتجز مرات عدة لدى الاحتلال، وتعرض للتنكيل والضرب المبرح، لكن ذلك لم يمنعه من مواصلة النضال.
ونشط أيضا بمشاركاته الواسعة بمختلف الفعاليات الشعبية والوطنية المنددة بالاحتلال وجرائمه، وارتبط اسمه أكثر واشتهر بمصطلح “بهمِّش” باللهجة الفلسطينية الدارجة ويعني (لا شيء عليه، غير مهم) والذي رد به الشيخ أبو هليل على جنود الاحتلال الإسرائيلي المقتحمين لمدينة الخليل عام 2015، معطيا الحق للشبان المقاومين برشقهم بالحجارة والتصدي لهم.
ويقول المواطن حسن الرجوب ابن مدينة دورا للجزيرة نت “الشيخ أبو هليل أحد أبرز وجهاء العشائر والإصلاح، وهو أيضا مقاوم بمعنى الكلمة، وبرز دوره كمصلح اجتماعي ووطني ثائر بوجه الاحتلال واعتداءاته المختلفة، ونشط بدوره اجتماعيا على مواقع التواصل كرجل حاضر ومؤثر”.
ويقول منصور خليِّل الناشط الشبابي في مدينة دورا، والذي تربطه علاقة جيدة بالشيخ أبو هليل “نال الشيخ البسيط والمثابر الشهادة التي طالما تمناها، وقبل أيام كتب عن ذلك وتمنى أن يستشهد ويدفن بمقبرة الشهداء في بلدته وهذا ما كان”.
ويضيف خليِّل متحدثا للجزيرة نت “أنا أعتبره أيقونة المقاومة والنضال ضد الاحتلال، ولا يكل ولا يمل من ذلك، رغم اعتقاله ورشه بالغاز الحارق وضربه عدة مرات على يد جنود الاحتلال وتهديده من مخابرات الاحتلال عبر الاتصالات المباشرة”.