عبر اللغة العبرية.. إسرائيل تسعى لاحتواء المقدسيين

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

مع بداية كل عام دراسي، تكثّف إسرائيل محاولاتها لفرض منهاجها التعليمي على المدارس الفلسطينية في مدينة القدس الشرقية المحتلة.

غير أن العام الدراسي الحالي -الذي بدأ في وقت سابق من سبتمبر/أيلول الجاري- يبدو مختلفا مع تخصيص الحكومة الإسرائيلية المزيد من الميزانيات لتعليم اللغة العبرية، وتنظيم نشاطات لا منهجية بالعبرية في المدينة.

وبلغ عدد سكان القدس بشطريها الشرقي والغربي 965 ألف نسمة، بينهم 375 ألف فلسطيني، أي حوالي 38.8% من السكان، حسب دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية في 2022.

ومن بين الفلسطينيين، جاءت نسب مَن هم دون 34 عاما كما يلي: من صفر إلى 14 سنة 36%، من 14 إلى 19 سنة 12%، من 20 إلى 24 سنة 10%، من 25 إلى 29 سنة 8%، من 30 إلى 34 سنة 6%.

ويشكو الفلسطينيون من أن الحكومة تعمل على احتواء شباب المدينة عبر تعليم العبرية، كخطوة نحو دمج المجتمع المقدسي في المجتمع الإسرائيلي.

رواية غير حقيقية

ويقول رئيس مؤسسة فيصل الحسيني (خاصة)، عبد القادر الحسيني للأناضول، إنه من الواضح أن الإسرائيليين بعد كل هذه السنوات أخفقوا في أن يقلّلوا من عددنا، أو أن يسيطروا علينا ثقافيا، ومن ثم فإنهم بدؤوا بتغيير مسارهم باتجاه محاولة دمج الفلسطينيين المقدسيين.

وأضاف، هذا يحتاج إلى عمل كثير في مجال الثقافة وغسل الأدمغة، وهذا ما تفعله إسرائيل بدءا بطرح رواية مختلفة عن روايتنا الحقيقية (بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة)، ومحاولة فرضها على مدارسنا.

ويقول المقدسيون، إنه إضافة إلى محاولة فرض المنهاج التعليمي الإسرائيلي على المدارس في القدس، تعيد إسرائيل طباعة المنهاج الدراسي الفلسطيني، مع شطب كل ما يشير إلى الرواية والهُوية الفلسطينيتين منه، ومحاولة فرضه على المدارس.

وترفض غالبية المدارس في المدينة توزيع هذه الكتب، ويطلق عليها الفلسطينيون اسم “المنهاج المحرّف”.

وخلال الأشهر الماضية، وجّهت كل من البلدية الإسرائيلية في القدس، ودائرة المعارف الإسرائيلية تهديدات إلى إدارات مدارس في المدينة، بسحب تراخيص عملها في حال وزّعت كتب المنهاج التعليمي الفلسطيني على الطلاب.

ويستنكر ذلك الحسيني قائلا، يأتون برواية معادية لنا ولا تحكي تاريخنا الحقيقي، وإنما تحكي عن تاريخ مزيف، ويحاولون فرضه علينا.

ويضيف، في المدارس الحكومية التابعة لإسرائيل، أدخلت حوالي 24 من أصل 100 مدرسة مساق المنهاج الإسرائيلي “الباجروت”، وهناك -أيضا- 8 مدارس خاصة معظمها صغيرة أدخلت هذا المنهاج.

واستدرك الحسيني بالقول، إن معظم المدارس، بما فيها تلك التي تُدار من قِبل الاحتلال الإسرائيلي، تعلّم المنهاج التعليمي الفلسطيني التوجيهي.

“أسرلة” التعليم

ولا تخفي إسرائيل سعيها إلى فرض المنهاج الإسرائيلي على المدارس في القدس الشرقية، كخطوة تهدف لدفع الأجيال الجديدة نحو الاندماج في المجتمع الإسرائيلي.

وفي اجتماع للجنة البرلمانية لبرامج التعليم بالقدس الشرقية في يوليو/تموز الماضي، قال عضو الكنيست من حزب “هناك مستقبل”، موشيه طور باز، إذا شجعت اللجنة هذا الاقتراح (فرض المنهاج الإسرائيلي)، فإن معظم سكان القدس الشرقية سيسعدون بتعلم المنهاج الإسرائيلي والاندماج بشكل ملائم في المجتمع الإسرائيلي.

وفي نهاية أغسطس/آب الماضي، أقرّت الحكومة خطة خمسية للسنوات 2024 وحتى 2028 بقيمة 3.2 مليار شيكل (843 مليون دولار) “لأسرلة” التعليم وتنفيذ مشروعات استيطانية بالقدس الشرقية.

وتخصص الخطة ما لا يقل عن 800 مليون شيكل (209 ملايين دولار) لفرض المنهاج التعليمي الإسرائيلي، وبرامج اللغة العبرية في المدينة، حسب نص الخطة.

وعدّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقتها أنه من خلال الخطة يمكن “أن نغيّر وجه القدس (..)، نحن نعزز الحكم في القدس، نحن نوحّد القدس”.

وبموازاة ذلك، ازدادت بشكل ملحوظ في القدس الشرقية مراكز تعليم اللغة العبرية، وافتُتح مؤخرا مركز إسرائيلي لدراسات التقنية المتقدمة وسط المدينة.

ويدرس القسم الأكبر من الطلاب الفلسطينيين في المدينة بالجامعات الفلسطينية في الضفة الغربية، أو الجامعات خارج الأراضي الفلسطينية، وقسم أقل في الجامعات والمعاهد الإسرائيلية.

ولكن إسرائيل تشجع هؤلاء الطلاب على الدراسة في جامعاتها ومعاهدها، وترى أن الطريق لذلك يبدأ بدراسة المنهاج الإسرائيلي في المدارس.

القوة العاملة الرئيسة

يؤكد الحسيني أن إسرائيل لجأت إلى محاولة الاحتواء والدمج، بعد أن أخفقت محاولاتها الهادفة إلى “طردنا من المدينة”.

وتابع قائلا، ديمغرافية القدس الغربية هي في غالبيتها من اليهود المتدينين الذين لا يعملون في كثير من الوظائف، ونحن في القدس الشرقية، نمثل القوة العاملة الرئيسة في المستقبل، ولذلك من المحتمل أن الإسرائيليين وجدوا أنه من الضروري دمجنا، شريطة أن نبقى في أدنى السلم الاقتصادي والاجتماعي.

وقال الائتلاف الأهلي لحقوق الفلسطينيين في القدس (مؤسسة أهلية)، في بيان صدر مؤخرا، إن جزءا كبيرا من ميزانية الخطة، حوالي 800 مليون شيكل، يذهب إلى أسرلة وتهويد التعليم، حيث ربط دعم التعليم بتطبيق نظام التعليم الإسرائيلي، من خلال زيادة عدد المدارس التي تدرّس المنهاج الإسرائيلي، وزيادة عدد الطلبة الذين يدرسون ضمن هذا المنهاج.

أما الحسيني فشدّد على أن هذه السياسة الإسرائيلية مبنية على أساس أمني، فحتى إدارة التعليم الإسرائيلية يديرها أناس بخلفيات أمنية، وهي لن تجلب لا استقرارا ولا سلاما ولا هدوءا، وإنما الكبت الشديد الذي سيولّد في لحظة معينة الانفجار.

قلب الدولة الفلسطينية

وعبَّرت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية مرارا عن قلقها من تصاعد الاتجاه الوطني لدى الشباب الفلسطيني في القدس الشرقية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالاعتداءات على المسجد الأقصى.

وفي خطب الجمعة، يدعو خطباء المساجد الأهالي إلى الامتناع عن إرسال أبنائهم إلى المدارس التي تعلّم المنهاج الإسرائيلي، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي يحذّر ناشطون من هذا المنهاج.

وقال الحسيني، لدينا مدارسنا ومؤسساتنا ومراكزنا، صحيح أنها تعاني بشكل كبير، ولكنها الضمانة الوحيدة لكي نحافظ على هويتنا وعلى روايتنا وعلى وجودنا، وعلى طموحنا بأن نكون جزءا لا يتجزأ، وقلب الدولة الفلسطينية.

وزاد بأنه إذا كان الإسرائيلي يريد أن يعمل الشيء الصحيح، فمن المفترض أنه بدلا من محاولة احتواء الفلسطيني بالقدس أن يحترم طموح الفلسطيني، فنحن نريد استقلالنا، وأن نكون جزءا من الدولة الفلسطينية.

وتزعم إسرائيل أن القدس، بشطريها الشرقي والغربي، عاصمة لها، بينما يتمسك الفلسطينيون بالقدس الشرقية عاصمة لدولتهم المأمولة، استنادا إلى قرارات الشرعية الدولية التي لا تعترف باحتلال إسرائيل للمدينة في 1967 ولا بضمها إليها في 1981.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *