كشف جيش الاحتلال الإسرائيلي عن مفهوم “القبة الحديدية” للمرة الأولى عام 2006 بعد الضرر البالغ الذي لحق بالمنشآت الإسرائيلية في العام ذاته بعد هجوم من حزب الله باستخدام 4 آلاف صاروخ موجه، ومنذ تلك اللحظة، بدأت الشعارات الرنانة حول فعالية منظومة “القبة الحديدية” وجدارتها بالظهور.
الهدف الرئيسي من استخدام هذه المنظومة هو حماية المباني والمنشآت الإسرائيلية من الهجمات المباشرة والموجهة عبر استخدام الصواريخ، وخلال السنوات الماضية، تطورت المنظومة لتشمل أكثر من جزء يعمل معًا لإعاقة مختلف أنواع الصواريخ، ولكن كيف تعمل هذه المنظومة تقنيًا؟ وهل هي منيعة كما يحاول جيش الاحتلال الترويج لها؟.
منظومة من 4 مراحل مختلفة
تضم منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية ضد الهجمات الجوية مجموعة من 4 مراحل مختلفة، ورغم أن اسم “القبة الحديدية” يطلق اصطلاحًا على المنظومة بأكملها، فإنه في الواقع لا يمثل إلا جزءًا واحدًا من هذه المنظومة.
وإذ تتشابه آليات عمل المراحل المختلفة لمنظومة الدفاع الجوي، فإنها تختلف بشكل رئيسي في مدى وقدرة الاستشعار الخاصة بكل مرحلة من المنظومة، إذ تبدأ عند “القبة الحديدية” التي تعد مسؤولة عن اعتراض القذائف والصواريخ القصيرة المدى بمختلف أنواعها ويصل مدى تغطيتها إلى 70 كيلومترا وارتفاع 10 كيلومترات عبر استخدام صواريخ تدعى “تمير” تصل تكلفتها إلى 50 ألف دولار للصاروخ الواحد وفق تقرير “بي بي سي”.
وتتكون المرحلة الثانية مما يطلق عليه “مقلاع داود”، وهو مصمم لاعتراض الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى معًا عبر استخدام نوع من الصواريخ يدعى “ستونر”، وتصل تكلفته وفق تقرير “بي بي سي” إلى مليون دولار، وهي قادرة على اعتراض الصواريخ من مدى 300 كيلومتر وارتفاع 15 كيلومترًا، وتضم المرحلة الثالثة والرابعة منظومة “آرو 2″ و”آرو 3” تباعًا، وهي مصممة لاعتراض الصواريخ الطويلة المدى التي تصل إلى 2400 كيلومتر وارتفاع يوازي 100 كيلومتر.
تعمل جميع هذه الأنظمة بالتوازي معًا لاعتراض مختلف أنواع القذائف والطائرات والمسيرات والصواريخ، وقد تم تطويرها بالتعاون مع شركة “رايثيون” (Raytheon) الأميركية للأسلحة رغم أن هذه الأنظمة دخلت حيز الاستخدام على فترات زمنية متقاربة، إلا إن المنظومة الأخيرة منها بدأت في العمل عام 2017 وهي “مقلاع داود”.
وتجدر الإشارة إلى أن جيش الاحتلال يستخدم مجموعة من الأنظمة الأخرى بشكل فردي ومتفرق، من ضمنها نظام “باتريوت” الأميركي لاعتراض القذائف التي لا يمكن لنظام “آرو 3” الوصول إليها.
كيف تعمل “القبة الحديدية”؟
في جوهرها، تعد “القبة الحديدية” منظومة لاستشعار واعتراض القذائف والصواريخ، لذا تتكون بشكل أساسي من أنظمة “رادار” وتتبع قادرة على التقاط القذائف المختلفة التي تدخل حيز المراقبة الخاص بها والمختلف بناءً على الطبقات والمدى المختلف في “القبة الحديدية”، ثم ترسل هذه الرادارات إشارة مباشرة إلى أنظمة التحكم والذكاء الاصطناعي من أجل تحديد نقطة الارتطام المتوقعة وحساب مسار القذيفة، وعند الانتهاء من هذه الحسابات ترسل مباشرةً إلى قاذفات الصواريخ التي تبدأ في إطلاق صواريخ الاعتراض باختلاف أنواعها.
ورغم أن هذه المنظومة قد طورت للمرة الأولى في عام 2006، فإنها تعتمد على خوارزميات وأنظمة ذكاء اصطناعي سريعة وقوية للغاية من أجل ضمان استشعار مدى الصواريخ واعتراضها في وقت قياسي قبل وصولها إلى الأهداف المختلفة، وهي أنظمة يتم تطويرها باستمرار لتصبح أكثر قوة وسرعة في التعامل مع الهجمات المختلفة.
وبحسب تقرير “بي بي سي”، فإن هذه المنظومة تأخذ مجموعة من الاعتبارات المختلفة أثناء احتساب مسار القذائف والخطر المتوقع منها، إذ تولي المنظومة أهمية قصوى للقذائف الموجهة إلى الأهداف المدنية والحيوية، فضلًا عن حجم القذائف والضرر الناتج عن اعتراضها في الجو، وفي حالة وجود قذائف موجهة إلى مناطق غير حيوية أو خالية من السكان، فإن المنظومة تتركها تسقط بمفردها دون توجيه أي صواريخ اعتراض.
هل تعد “القبة الحديدية” فعالة؟
لفترة كبيرة، ظلت منظومة “القبة الحديدية” عائقًا أمام محاولات الهجوم المختلفة داخل الحدود الإسرائيلية بدءًا من الهجمات القصيرة المدى من حماس والمقاومة الفلسطينية وحتى الصواريخ الطويلة المدى من إيران وحزب الله، ولكن هذا الوضع تغير كثيرًا مع أحداث أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
إذ تمكن أفراد حماس من توجيه ضربات موجعة داخل حدود “القبة الحديدية” عبر استخدام المسيرات والمتفجرات القصيرة المدى، وهو ما أبرز عجز المنظومة وآليات تخطيها.
وقد تكرر الأمر مجددًا في الهجوم الأخير الذي شنه الجيش الإيراني على إسرائيل، إذ أطلق ما يقرب من 200 صاروخ، ورغم تضارب الأنباء عن نجاح هذه الهجمة حيث يرى الجانب الإسرائيلي أنها فشلت بينما تروي إيران قصة مغايرة، فإن النتيجة تظل واحدة، فقد تسببت الهجمة في أضرار متنوعة لعدد من المباني والمراكز الحيوية داخل “القبة الحديدية” ودفعت بالمدنيين إلى الاختباء في الأنفاق الخاصة للحماية من هجمات الصواريخ.
وبشكل عام يصعب تحديد فعالية منظومة “القبة الحديدية” في السنوات الأخيرة بسبب تضارب الأنباء، حيث ترفض إسرائيل الاعتراف رسميًا بالأضرار الواقعة نتيجة الهجمات المختلفة.
في هذه الحالات تفشل “القبة الحديدية”
رغم ادعاءات جيش الاحتلال الإسرائيلي حول جدارة “القبة الحديدية” فهي ما تزال نظاما آليا معرضا للفشل، وهو الأمر الذي أثبتته الهجمات الأخيرة ضده إلى جانب المقاطع المنتشرة التي تثبت الأضرار الواقعة على المباني والمنشآت الإسرائيلية.
يرى مايكل كلارك المحلل العسكري لدى شبكة “سكاي نيوز” أن هذه المنظومة معرضة للفشل مثل جميع أنظمة الحواسيب، ويرجح كونها معرضة للاختراق من قبل قراصنة محترفين بافتراض درجة التأمين المعقدة المستخدمة في حمايتها، ولكن لا يوجد نظام كمبيوتر لا يمكن اختراقه مهما كان معقدًا ومحميًا.
ويتبع كلارك حديثه قائلًا بأن هجوما منظما ومخططا له بعناية قادر على اختراق أنظمة حماية “القبة الحديدية” بشكل سهل ويسير، خاصةً إذا أمضت الجهات المهاجمة فترةً كافية لدراسة آلية عمل المنظومة والبحث عن نقاط الضعف والثغرات الموجودة في شبكة التغطية الخاصة بها.
ويعزز المقال الذي نشره موقع “فورتشن” (Fortune) في أكتوبر/تشرين الأول الماضي من هذه النظرية، قائلًا بأن النظام يفشل في التعامل مع الهجمات المتتابعة المتتالية والهجمات الكبيرة التي تحدث مرةً واحدة رغم انتشار قاذفات الصواريخ التابعة له وتنوع مدى الفاعلية الخاص بها.
ويشير المقال أيضًا إلى نقطة ضعف أخرى في هذه المنظومة وهي تكلفة إطلاق الصواريخ المختلفة، حيث تصل تكلفة بعض الصواريخ إلى مليون دولار مقارنةً مع تكاليف أقل للصواريخ التي تستخدمها إيران أو حماس، وهو ما يتيح لهم الهجوم بأعداد مضاعفة تفوق قدرة “القبة الحديدية” على التصدي لها.
هذه الثغرات قد يكون من الصعب التعامل معها كونها تحتاج إلى تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي والمستشعرات بشكل كبير، وهو الأمر الذي يضع ثقلًا ماديًا مضاعفًا على الاقتصاد الإسرائيلي الذي يواجه تحديات عدة منذ بدء الحرب الأخيرة، كما يمكن تطوير صواريخ وقذائف لا يمكن تتبعها عبر مستشعرات الرادار التي يعتمد عليها نظام “القبة الحديدية” المباشر.