بعد أن عانت من انتقادات واسعة عندما قادت حماس هجوماً مفاجئاً غير مسبوقا على البلاد قبل عام تقريباً في السابع من أكتوبر، تسعى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية حاليا إلى استعادة سمعتها بمجموعة من العمليات الناجحة والمفاجئة، وآخرها اغتيال زعيم حزب الله في بيروت، حسن نصرالله.
ومع تجنب إعلان التفاصيل الكاملة من قبل إسرائيل، فقد ارتبطت وكالات التجسس الإسرائيلية ببعض الخسائر الكبيرة لحماس وحزب الله وحليفتهما الإقليمية، إيران، منذ بداية الحرب في غزة، في أكتوبر الماضي. وتشمل هذه الخسائر مقتل كبار قادة حماس وحزب الله وغيرهم من كبار المسؤولين، إلى جانب سلسلة متزايدة من الأعمال الغامضة التي ظهرت في غزة ولبنان وسوريا وداخل إيران نفسها.
ومع توسع الصراع وتعمقه، وفتح إسرائيل جبهة برية جديدة ضد حزب الله في لبنان، ومواجهة موجة ثانية من الضربات الصاروخية الإيرانية، تزداد التساؤلات بشأن طبيعة عمل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية المختلفة التي يقول خبراء سياسيون لموقع “الحرة” إنها لعبت دوراً محوريا في الفترة السابقة.
دور مهم للغاية
يقول الأستاذ في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بجامعة ويسكونسون ماديسون، ديفيد موريسون، لموقع “الحرة” إن “دور الاستخبارات الإسرائيلية أثناء الحرب مهم للغاية في العديد من المهام”.
ويضيف موريسون أن “هذه المهام تتلخص في تحديد الأهداف، وفهم الأضرار التي لحقت بالعدو، وكذلك تحديد أهداف العدو. وكل الاغتيالات البارزة والهجمات الدقيقة كانت نتيجة لمعلومات استخباراتية جيدة تم نقلها من مصادر متقدمة”.
ومع ذلك، يزعم أستاذ العلوم السياسية أن “المشكلة في السابع من أكتوبر وحتى اليوم تتعلق بالقدرة على فهم منطق وخطط الأعداء بعمق”. وحذر من أن “هناك فجوة بين القدرات العملياتية غير العادية والقدرة على تحليل منطق الآخر، وهو ما لا يزال مليئاً بالمشاكل”.
وقال إنه “كقاعدة عامة، فإن الروايات المنتشرة حول الموساد والشين بيت والمخابرات العسكرية لا علاقة لها بقدراتها الفعلية، لأن معظمها غير معروف”.
ويستمر الجدل حول المسؤولية عن الفشل في اكتشاف الهجوم الذي قادته حماس في أكتوبر الماضي، حيث تشير الأصابع إلى العديد من المسؤولين الاستخباراتيين والعسكريين والسياسيين، بما في ذلك رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو. و استقال عدد منهم بسبب هذه القضية، بما في ذلك رئيس جهاز الأمن ورئيس المنطقة الجنوبية للشاباك.
وفيما يتعلق بنجاح الاستخبارات في اختراق حزب الله واغتيال معظم عناصره وقاداته، يرى موريسون أن “سوريا كانت بداية توسع حزب الله خارج لبنان، وهذا أضعف آليات الرقابة الداخلية لديهم وفتح الباب للتسلل على مستوى كبير”.
وقال “كما خلقت الحرب في سوريا نافورة من البيانات، معظمها متاح للجمهور ولعملاء الاستخبارات الإسرائيلية وخوارزمياتهم لهضمها وتحليلها”.
وأضاف “كان نعي القتلى، في شكل (ملصقات الشهداء) التي يستخدمها حزب الله بانتظام، واحدة من هذه البيانات، والتي كانت مليئة بمعلومات صغيرة، بما في ذلك المدينة التي ينتمي إليها المقاتل، والمكان الذي قُتل فيه، ودائرة أصدقائه الذين نشروا الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي. وكانت الجنازات أكثر كشفًا، حيث أخرجت أحيانًا كبار القادة من الظل، ولو لفترة وجيزة”.
وتابع “لقد اضطروا إلى الكشف عن أنفسهم في سوريا، واضطرت المجموعة السرية فجأة إلى البقاء على اتصال وتبادل المعلومات مع جهاز المخابرات السوري الفاسد وسيئ السمعة، أو مع أجهزة المخابرات الروسية، التي كانت تخضع لمراقبة منتظمة من قبل الأميركيين”.
فشل في غزة ونجاح ضد حزب الله
وقال الخبير الإسرائيلي، آفي آرون، لموقع “الحرة” إن “هجوم السابع من أكتوبر يمثل فشلاً ذريعاً لإسرائيل ويبدأ بجيشها الذي عندما غادر غزة وتركها تحت سلطة حماس، فقد السيطرة والموارد”.
وأضاف أن “حزب الله، الذي يُنظَر إليه على نطاق واسع باعتباره أحد أقوى الجماعات شبه العسكرية في العالم وأهم حليف لإيران، كان يعتبر لفترة طويلة من قبل إسرائيل تهديداً أشد خطورة من حماس”.
وتابع أن “غزة لم تكن هدفاً لجمع المعلومات على رأس قائمة أولويات المخابرات الإسرائيلية، في حين كان حزب الله وإيران كذلك لعقود من الزمان”، مشيرا إلى أن “رغم كل شيء، فإن إسرائيل دولة صغيرة ذات موارد محدودة، ولابد وأن تتخذ خيارات صعبة في تحديد المجالات التي ينبغي أن تركز عليها”.
وقال آرون إن “إسرائيل قدرت بشكل خاطئ أن حماس عاجزة إلى حد كبير عن شن غزو بري واسع النطاق. ومن المدهش أن إسرائيل ربما لم تكن تمتلك ولو عنصراً بشرياً واحداً داخل حماس قبل السابع من أكتوبر”.
وأضاف أنه “على مدى العقدين التاليين، قامت وحدة الاستخبارات الإشارية المتطورة 8200 في إسرائيل، ومديرية الاستخبارات العسكرية، المسماة أمان، باستخراج كميات هائلة من البيانات لرسم خريطة للميليشيات سريعة النمو في الساحة الشمالية لإسرائيل”.
وتابع أن “الاستخبارات الإسرائيلية وسعت خلال السنوات الماضية نطاقها لرؤية حزب الله بالكامل، فنظرت إلى ما هو أبعد من جناحه العسكري إلى طموحاته السياسية وارتباطاته المتنامية بالحرس الثوري الإيراني وعلاقة نصر الله بالرئيس السوري بشار الأسد”.
وأوضح أنه “ولسد هذه الفجوة الحالية في غزة، ضاعفت أمان وشين بيت جهود جمع المعلومات الاستخبارية في القطاع، بالعمل مع قوات الجيش الإسرائيلي لتعقب مواقع العدو والبنية الأساسية والأهداف ذات القيمة العالية. ونتيجة لذلك، قُتل العشرات من الشخصيات القيادية في حماس في غزة، وكانت أبرز المزاعم قتل قائد كتائب القسام محمد ضيف ونائبه مروان عيسى”. ومع ذلك، لم تؤكد حماس بعد مقتل أي منهما حتى الآن.
ويرى آرون أنه “رغم وجود ثغرات استخباراتية، فإن استراتيجية الاستخبارات الإسرائيلية تستعيد نجاحاتها بشكل ما وذلك استناداً إلى الانتصارات الأخيرة في لبنان على وجه الخصوص”.
وما تغير عن السابع من أكتوبر، كما يقول الخبير الإسرائيلي، هو “عمق ونوعية المعلومات الاستخباراتية التي تمكنت إسرائيل من الاعتماد عليها في الشهرين الماضيين، بدءاً باغتيال فؤاد شكر، أحد الأذرع اليمنى لنصر الله، في الثلاثين من يوليو، أثناء زيارته لصديق ليس بعيداً عن موقع التفجير الذي استهدف نصرالله”.
خارطة الاستخبارات الإسرائيلية
كما هو الحال في الولايات المتحدة والعديد من الدول الأخرى، يتألف مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي من وكالات مختلفة تتعامل مع مهام مختلفة، لكنها متداخلة في بعض الأحيان.
الموساد
وتشمل هذه الكيانات (الموساد)، الذي يتعامل مع الشؤون الخارجية، وجهاز الأمن الإسرائيلي (شين بيت أو الشاباك)، المكلف بالجبهة الداخلية، ومديرية الاستخبارات العسكرية (أمان)، المكلفة بالشؤون العسكرية.
والموساد يعرف أيضا باسم معهد الاستخبارات والمهام الخاصة، لأن كلمة الموساد بالعبرية تعني “معهد”. وهذا الجهاز مسؤول عن جمع المعلومات الاستخباراتية البشرية والعمل السري ومكافحة الإرهاب. ويركز على الدول والمنظمات العربية في جميع أنحاء العالم. كما أن الموساد مسؤول عن النقل السري للاجئين اليهود من سوريا وإيران وإثيوبيا. ويعمل عملاء الموساد في الدول الشيوعية السابقة، وفي الغرب، وفي الأمم المتحدة.
ويقع المقر الرئيسي للموساد في تل أبيب. وكانت هوية مدير الموساد سراً من أسرار الدولة، أو على الأقل لم تكن معروفة على نطاق واسع، حتى أعلنت الحكومة في مارس 1996 تعيين داني ياتوم خلفاً لمدير الموساد شبتاي شافيت، الذي استقال في أوائل عام 1996. وابتداء من يونيو 2021، أصبح ديفيد برنياع رئيسه الـ13 خلفا ليوسي كوهين.
وتأسس الموساد، المعروف سابقاً باسم المعهد المركزي للتنسيق والمعهد المركزي للاستخبارات والأمن، في الأول من أبريل 1951، وأسسه رئيس الوزراء آنذاك ديفيد بن غوريون، الذي أعطى التوجيه الأساسي للموساد: “بالنسبة لدولتنا التي كانت منذ إنشائها تحت حصار أعدائها. تشكل الاستخبارات خط الدفاع الأول.. يتعين علينا أن نتعلم جيداً كيف نتعرف على ما يجري حولنا”، وفقا لموقع الموساد.
ويتألف الموساد من ثمانية أقسام، رغم أن بعض تفاصيل التنظيم الداخلي للوكالة لا تزال غامضة، وفقا لموقع “برنامج موارد الاستخبارات”.
ويعد قسم التحصيل هو الأكبر، وهو مسؤول عن عمليات التجسس، وله مكاتب في الخارج تحت غطاء دبلوماسي وغير رسمي. ويتألف القسم من عدد من المكاتب المسؤولة عن مناطق جغرافية محددة، وتوجيه ضباط الحالات المتمركزين في “محطات” حول العالم، والعملاء الذين يسيطرون عليهم. وبدءًا من عام 2000، شرع الموساد في حملة إعلانية للترويج لتجنيد ضباط التحصيل.
ويعتبر قسم العمل السياسي والاتصال معنيا بأنشطة سياسية والاتصال بأجهزة الاستخبارات الأجنبية الصديقة ومع الدول التي لا تربط إسرائيل بها علاقات دبلوماسية طبيعية. وفي المحطات الأكبر، مثل باريس، كان لدى الموساد عادة مراقبين إقليميين تحت غطاء السفارة، أحدهما لخدمة قسم التحصيل والآخر قسم العمل السياسي والاتصال.
أما بالنسبة لقسم العمليات الخاصة، المعروف أيضًا باسم “ميتسادا”، فيقوم بإجراء مخططات اغتيال وعمليات شبه عسكرية وحرب نفسية شديدة الحساسية.
وفيما يتعلق بقسم علم النفس (LAP)، فمسؤول عن الحرب النفسية والدعاية وعمليات الخداع.
ثم يأتي قسم الأبحاث والمسؤول عن إنتاج المعلومات الاستخباراتية، بما في ذلك التقارير اليومية عن الوضع، والملخصات الأسبوعية والتقارير الشهرية التفصيلية. وهذا القسم منظم في 15 قسماً أو “مكتباً” متخصصاً جغرافياً، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية وكندا وأوروبا الغربية وأميركا اللاتينية ودول الاتحاد السوفييتي السابق والصين وأفريقيا والمغرب (المغرب والجزائر وتونس) وليبيا والعراق والأردن وسوريا والسعودية والإمارات وإيران. ويركز مكتب “النووي” على قضايا خاصة تتعلق بالأسلحة.
وفيما يتعلق بقسم التكنولوجيا، فهو مسؤول عن تطوير التقنيات المتقدمة لدعم عمليات الموساد. وفي أبريل 2001، نشر الموساد إعلاناً في الصحافة الإسرائيلية عن “مطلوب مساعدة” يبحث عن مهندسين إلكترونيات وعلماء كمبيوتر لوحدة تكنولوجيا الموساد.
ويحتفظ الموساد بالعديد من العملاء السريين الإسرائيليين في الدول العربية وغيرها. وكان أشهر هؤلاء إيلي كوهين، وهو يهودي من أصل مصري تسلل إلى أعلى مراتب الحكومة السورية متنكراً في هيئة رجل أعمال سوري قبل أن يتم اكتشافه وإعدامه في عام 1965، وفقا لموسوعة “بريتانيكا”.
ونفذ الموساد وعملاؤه عمليات سرية ضد أعداء إسرائيل ومجرمي الحرب النازيين السابقين الذين يعيشون في الخارج. وتعقب عملاء الموساد واغتالوا المسؤولين عن مذبحة الرياضيين الإسرائيليين في دورة الألعاب الأوليمبية في ميونيخ عام 1972، كما ارتبط الموساد بعدة اغتيالات لقادة فلسطينيين في أوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بحسب موقع الموسوعة.
أمان
وفقًا لموقع Jewish Virtual Library، تُعرف “أمان” باسم شعبة الاستخبارات العسكرية، وكان يرأسها أهارون حاليفو قبل أن يقدم استقالته في أبريل الماضي إثر هجوم السابع من أكتوبر.
وتعد أمان من بين أقدم أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، والتي تم تأسيسها فور تشكيل إسرائيل.
وتتبع أمان الجيش الإسرائيلي، ومسؤولة عن جمع المعلومات العسكرية وتحليلها، وتعمل بالتنسيق مع باقي أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الأخرى مثل الاستخبارات الخارجية (الموساد)، وجهاز الأمن الداخلي (الشاباك).
وكما يوحي اسمها، فإن وظيفتها هي توفير المعلومات الاستخباراتية التي ستسمح للحكومة بالحفاظ على أمن وأمان البلاد. وتجمع التقارير اليومية المستخدمة لإحاطة رئيس الوزراء والحكومة، وتقييم احتمالات الحرب، واعتراض الاتصالات وإدارة المهام عبر الحدود.
وتتألف أمان من ثلاث وحدات رئيسة، هم 8200 و9900 و504. وقالت صحف إسرائيلية إن العملية الاستخباراتية المسؤولة عن نجاح استهداف نصرالله تحديدا تعاونت فيها هذه الوحدات الثلاث.
وتعتبر الوحدة 8200 أكبر الوحدات في شعبة الاستخبارات العسكرية. ومهمتها جمع المعلومات الرئيسية، إضافة إلى تطوير أدوات جمع المعلومات وتحديثها باستمرار، مع تحليل البيانات ومعالجتها، وإيصال المعلومات للجهات المختصة، وكثيرا ما تشارك هذه الوحدة وتمارس عملها من داخل مناطق القتال.
أما الوحدة 9900، فمسؤولة عن جمع المعلومات الاستخبارية الجغرافية والمرئية، وتتعامل مع مجالات فك التشفير البصري ورسم الخرائط الدقيقة وخرائط الأقمار الاصطناعية.
وتؤدي الوحدة دورا أساسيا في التخطيط الاستراتيجي للعمليات والتدابير المضادة، ويطلق عليها “الأخت الصغرى” للوحدة 8200، تأسست عام 1948 في شكلها الأولي، قبل أن تتطور وتتوسع وتضم تحتها عدة وحدات أصغر.
وبالنسبة، للوحدة 504 وتسمى أيضا “مجموعة الاستخبارات البشرية”، هي وحدة استخبارات عسكرية في الجيش الإسرائيلي، وتجمع معلوماتها الاستخباراتية عبر تجنيد عملاء لها خارج أماكن السيطرة الإسرائيلية في المناطق الحدودية في سوريا ولبنان ومصر وأيضا في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وتركز الوحدة 504 على العمل داخل لبنان أكثر من أي منطقة أخرى، وتجمع معلوماتها عبر استخدام المعدات المتطورة، وجمع البيانات من الميدان، وإحضار المعلومات حول البنى التحتية المختلفة، وتستعمل جميعها غالبا في التخطيط للعمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي.
الشاباك
أما الشاباك، فوفقًا لموقع مكتبة الدفاع اليهودية، يتعامل هذا الجهاز مع شؤون الاستخبارات الداخلية في إسرائيل، ويُعتقد أنه يعادل مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي.
والشاباك يُعرف أيضًا باسم شين بيت، وشعاره هو “يدافع ولا يُرى”.
ويحمي الشاباك رئيس وزراء إسرائيل وكبار القادة الآخرين وأمن الخطوط الجوية الوطنية ويحمي المواقع الحساسة محليًا وخارجيًا.
وفقًا لبريتانيكا، تعرضت سمعته لضربة في الثمانينيات بعد أن تم الكشف عن أن عملاءه ضربوا حتى الموت فلسطينيين محتجزين فيما يتعلق بحافلة مخطوفة. كما تعرض لانتقادات بسبب تعذيب المعتقلين الفلسطينيين واغتيال النشطاء الفلسطينيين.
كما تعرض الشاباك لانتقادات شديدة بسبب اغتيال رئيس الوزراء آنذاك إسحاق رابين عام 1995، والذي استقال رئيسه بعد ذلك.