هل يصبح جواد ظريف “صانع الملوك” بالمشهد السياسي الإيراني؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 11 دقيقة للقراءة

يواجه المشهد السياسي في إيران تغيرات كبيرة بعد الوفاة المفاجئة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرة مروحية، خصوصا مع اقتراب البلاد من الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها يوم الجمعة المقبل.

فقد قرر وزير الخارجية السابق جواد ظريف الدخول على خط الانتخابات من خلال إعلان دعمه المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان، وأثارت هذه الخطوة تكهنات واسعة النطاق بشأن ظهور ظريف المحتمل بوصفه “صانع الملوك” في دوائر السياسة الإيرانية.

ويعدّ ظريف، الدبلوماسي المخضرم ووزير الخارجية الإيراني السابق، شخصية بارزة في السياسة الإيرانية، ويمكن اعتبار دخوله الانتخابات من باب تقوية موقف بزشكيان كخطوة إستراتيجية من جانب المعسكر الإصلاحي لتعزيز فرصه في مواجهة المرشحين المحافظين.

وينظر الكثيرون إلى دعم ظريف لبزشكيان على أنه مناورة إستراتيجية يمكن أن تؤثر على مراكز صنع القرار داخل إيران، ومن المتوقع أن يقوم تأييده بدور حاسم في تشكيل السياسة الخارجية الإيرانية المستقبلية، كما يمكن أن يشكل هذا التحالف لحظة محورية إذا ما فاز المرشح الإصلاحي بالانتخابات.

دعم ظريف (يسار) لبزشكيان يراه البعض مناورة إستراتيجية يمكن أن تؤثر على مراكز صنع القرار في إيران (رويترز)

نقاط ضعف

قبل الإعلان عن الانتخابات الرئاسية الإيرانية المبكرة، عانى التيار الإصلاحي من أزمة عميقة حاصرته منذ مظاهرات الحركة الخضراء عام 2009.

ولم تختبر هذه الفترة مرونة الإصلاحيين وقدرتهم على التكيف مع الإقصاء المنهجي الذي مارسه مجلس صيانة الدستور ضد مرشحيهم فحسب، بل بدؤوا أيضًا مرحلة طويلة من التأمل فيما يتعلق بهويتهم السياسية وإستراتيجياتهم الانتخابية للعب دور في رسم مستقبل إيران.

فالحركة الإصلاحية، التي كانت ذات يوم قوة متماسكة تحشد جهودها من أجل إصلاحات سياسية واجتماعية مهمة داخل إطار الجمهورية الإسلامية، أصبحت تتصارع في ظل انقسامات داخلية وأزمة فقدان القيادة الموحدة.

ويضاف لذلك انفصال الحركة عن قواعدها الشعبية، وفشل حكومة الرئيس حسن روحاني في تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فضلا عن استبعاد المرشحين الإصلاحيين البارزين من قبل مجلس صيانة الدستور في انتخابات مجلس الشورى في 2020 و2024 والانتخابات الرئاسية في 2021.

ولم تؤدّ هذه الأزمات إلى تهميش الحركة داخل الساحة السياسية الرسمية فحسب، بل حفزت النقاش بشأن جوهر المشاركة السياسية في ظل النظام الحالي.

ودفع هذا رئيسة جبهة الإصلاحات أذر منصوري إلى القول إن الإصلاحيين لن يرضخوا خلال الانتخابات المقبلة تحت وطأة المرشح البديل، وهي تقصد هنا تأييدهم حسن روحاني، الذي ينتمي إلى تيار الاعتدال وليس إلى التيار الإصلاحي.

بزشكيان مرشح الإصلاحيين

وبناء على ما سبق، فقد اشترطت جبهة الإصلاحات تأييد أهلية مرشحيها الإصلاحيين بالذات للمشاركة الفعالة في الانتخابات، وحصرت مرشحيها في كل من إسحاق جهانغيري (النائب السابق للرئيس حسن روحاني) وعباس أخوندي (وزير الطرق والمواصلات في عهد الرئيس روحاني) ومسعود بزشكيان (النائب في مجلس الشورى الإسلامي عن مدينة تبريز).

وبالفعل، فقد أيّد مجلس صيانة الدستور أهلية مسعود بزشكيان مما سبب صدمة في الأوساط الإصلاحية الذين كانوا يتوقعون عدم تأييد أهلية مرشحيهم للانتخابات الرئاسية القادمة، بحسب أذر منصوري.

في 10 يونيو/حزيران الجاري، تعرض أول ظهور تلفزيوني لبزشكيان بصفته مرشحا لانتقادات من المعسكر الإصلاحي خاصة، بسبب افتقاره إلى التركيز على القضايا الرئيسية ولمحتواه المتكرر، مما أثار تكهنات بشأن أدائه المستقبلي وعدم قدرته على جذب الفئات المؤيدة وغير المؤيدة للإصلاحيين إلى صندوق الانتخاب.

وبناء على هذا الظهور الضعيف لبزشكيان، قرر ظريف الدخول على الخط بشكل فعال للحفاظ على فرص الإصلاحيين في الانتخابات المقبلة.

عاصفة ظريف

في 19 يونيو/حزيران الحالي، شارك المرشح الرئاسي مسعود بزشكيان في طاولة مستديرة انتخابية تم بثها عبر القناة التلفزيونية الإيرانية الثالثة تحت عنوان “المائدة المستديرة السياسية”، إلى جانب محمد جواد ظريف ومهدي صانعي بصفة مستشارين سياسيين له.

وخلال النقاش مع المحليين السياسيين الذين يوجهون الأسئلة إلى المرشحين، سعى فؤاد إيزدي -المقرب من التيار المتشدد- إلى الإشارة إلى أن وجود ظريف في فريق بزشكيان السياسي يعني أن حكومته ستكون امتدادا لحكومة روحاني.

ووجه إيزدي انتقادات حادة لعمل روحاني وظريف فيما يخص الاتفاق النووي والعلاقة مع الغرب والولايات المتحدة، مؤكدا أنّ الولايات المتحدة لم توافق على الاتفاق النووي إلا بعد تنازلات كبيرة أو استسلام إيران بشكل كامل لها.

وخلال نحو 9 دقائق وصفها البعض بـ”العاصفة”، دافع ظريف بشكل حازم عن الاتفاق النووي، ورد على منتقدي حكومة روحاني قائلا إنه كان بإمكان الرئيس الأميركي جو بايدن العودة إلى الاتفاق النووي في أسبوعه الأول في البيت الأبيض، لكنه لم يفعل بسبب إسرائيل والمتشددين داخل إيران الذين أقروا القانون الإستراتيجي للحؤول دون العودة للاتفاق.

وفيما يتعلق بالعقوبات الأميركية، قال ظريف إن العقوبات لا يجب أن تحسب بالأرقام لأن ذلك الحساب “خطأ”.

BERLIN, GERMANY - JUNE 27: Iranian Minister of Foreign Affairs Mohammad Javad Zarif and German Foreign Minister Sigmar Gabriel (not pictured) speak to the media following talks on June 27, 2017 in Berlin, Germany. The two men discussed bilateral relations as well as the Iran nuclear agreement, which eases international sanctions against Iran in exchange for commitments by Iran on its nuclear program. (Photo by Sean Gallup/Getty Images)
ظريف: العقوبات الأميركية لا يجب أن تحسب بالأرقام لأن هذا الحساب “خطأ” (غيتي)

بين خاتمي ونجاد

وخلال المناظرة، أكد ظريف أن المنافسة في هذه الانتخابات هي بين خطاب الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي وخطاب “معجزة الألفية الثالثة”، في إشارة واضحة إلى الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد الذي حكم في الفترة 2005-2013 حيث تعرضت إيران لعقوبات دولية وأممية واسعة النطاق وتم إدراج طهران تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

وقال ظريف للمتشددين “مهما كان حجم الأسلحة التي تمتلكونها، فلن تحققوا أي نتائج إذا لم يكن الناس معكم”، وأضاف أن إيران لا يمكنها “إنفاق 800 مليار دولار سنويا” على جيشها، في إشارة إلى الموازنة العسكرية الأميركية.

وقال مخاطبا الجمهور -في انتقاد ضمني لحكومة إبراهيم رئيسي- “انظروا إلى أين أوصلت العقوبات معدلات التضخم والنمو الاقتصادي ومبيعات النفط؟”، وختم بالقول بأنه يجب أن يعرف الناس أن هناك فارقا أساسيا بشأن الشخصية التي ستصل إلى قصر الرئاسة.

عوامل مؤثرة

تميزت فترة عمل جواد ظريف وزيرا للخارجية (2013-2021) بدوره المحوري في التفاوض على الاتفاق النووي الإيراني، وقد وضعه هذا الإنجاز بأنه دبلوماسي عملي ومقتدر يمكنه التعامل مع القوى العالمية مع حماية مصالح إيران الإستراتيجية.

ولكن أثار خروج الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي بشكل منفرد والعقوبات التي فرضتها واشنطن، الشكوك حول مقاربة الإصلاحيين والمعتدلين بشأن فاعلية ونجاعة التفاوض مع الولايات المتحدة، وأثر هذه المفاوضات على الاقتصاد الإيراني.

بالإضافة إلى ذلك، أثار المقطع الصوتي المسرب لظريف خلال مقابلة أجراها مع الاقتصادي والمؤرخ الإيراني سعيد ليلاز جدلا كبيرا داخل إيران.

وفي التسجيل، أعرب ظريف عن إحباطه من هيمنة النفوذ العسكري، خاصة من قبل الحرس الثوري الإيراني والجنرال قاسم سليماني في تشكيل السياسة الخارجية الإيرانية.

وأعرب ظريف عن أسفه لأنه اضطر إلى “التضحية بالدبلوماسية من أجل المجال العسكري” بدلا من جعل الجيش يدعم الجهود الدبلوماسية فيما أسماها “معادلة الميدان والدبلوماسية”.

ورد المرشد الإيراني علي خامنئي على هذه التصريحات ووصفها بأنها “خطأ كبير”، وانتقد آراء ظريف باعتبارها تشابه خطاب أعداء إيران، وخاصة الولايات المتحدة.

وأكد خامنئي أن السياسة الخارجية في إيران لا يتم وضعها من قبل وزارة الخارجية، بل من قبل الهيئات الإستراتيجية العليا مثل المجلس الأعلى للأمن القومي، حيث تقوم وزارة الخارجية فقط بتنفيذ هذه القرارات والسياسات.

وإثر ذلك صمت ظريف لأشهر طويلة، إلا أنه ما فتئ يدرك أنّ مسار التغير والتأثير لا يمكن أن يمر عبر ترشحه شخصيا، وذلك لحتمية رد أهليته للانتخابات من قبل مجلس صيانة الدستور، ولذلك قرر النفوذ عبر مرشح الإصلاحيين، لتقارب رؤى الطرفين في ملفات السياسة الخارجية والملف النووي، في خطوة إستراتيجية يمكن أن تحشد القاعدة الإصلاحية وتزود بزشكيان بالزخم الذي هو في أمسّ الحاجة إليه.

نقاط قوة

يتميز ظريف بقدرته على الحشد، إذ تعدّ شعبيته بين المعتدلين والإصلاحيين أمرا بالغ الأهمية، فهو يستثمر هذه الشعبية عبر التنقل في المدن الرئيسية لجذب الآراء لبزشكيان.

كما تم إنشاء حملة انتخابية على موقع “كارزار”، طلب خلالها ظريف من كل إيراني أن يأتي إلى صناديق الاقتراع لدعم مسعود بزشكيان، بغض النظر عن الدين أو العرق أو اللغة أو أي توجه سياسي.

وقد تم تسجيل أكثر من 258 ألف توقيع خلال 5 أيام فقط، وهو رقم غير مسبوق. وبحسب ما نشرته العلاقات العامة لمنصة الحملة في هذا الصدد، فإن هذه الحملة هي في الواقع أول حملة افتراضية تم إطلاقها بمبادرة من أحد وزراء الدولة السابقين.

تعد الشبكة الواسعة لتحالفات ظريف الإستراتيجية وفطنته السياسية من نقاط قوته البارزة، كما أن قدرته على التفاوض والحصول على الدعم من مختلف الفصائل يمكن أن تعزز حملة بزشكيان، وربما تجتذب الناخبين المترددين والجماعات السياسية الأصغر.

كما سيكون تصور الناخبين الإيرانيين لتأييد ظريف عاملا حاسما، ففي حين يتمتع ظريف بالاحترام، لا سيما بسبب إنجازاته الدبلوماسية، فإن ارتباطه بالاتفاق النووي قد يكون سلاحا ذا حدين. يمكن أن تؤثر النتائج المختلطة للاتفاق النووي على مشاعر الناخبين، إما بتعزيز مصداقيته بوصفه صانعا للسلام وإما تقويضها بسبب عدم تلبية التوقعات التي كانت مرجوة من الاتفاق النووي.

ارتباط اسم ظريف بالاتفاق النووي قد يكون سلاحا ذا حدين في التأثير على الناخبين والانتخابات (الأناضول)

اهتمام إعلامي

ويحظى ظريف بتأييد واهتمام إعلامي كبير، مما سيشكل الخطاب الانتخابي له ولبزشكيان، ويمكن أن يساعد الحشد الإعلامي في تسليط الضوء على سياسات وقدرات مرشح الإصلاحيين، وتصويره على أنه مرشح التغيير والمشاركة الدولية.

وبلغة الأرقام، يتحدث عالم الاجتماع ومحلل شبكات التواصل الاجتماعي محمد رهبري عن أن ظريف أدخل حملة بزشكيان الانتخابية مرحلة جديدة، حيث تشير البيانات إلى أنه خلال 9 ساعات فقط من تصريحات ظريف في التلفزيون الإيراني تمت مشاهدة الأخبار المتعلقة بظريف في منصة تليغرام أكثر من 14 مليون مرة، كما تمت مشاهدة الأخبار المتعلقة بالمرشح بزشكيان أكثر من 23 مليون مرة. وفي منصة “إكس” تركزت أغلب التغريدات يوم 19 يونيو/حزيران الحالي على ظريف.

وتساهم هذه العوامل مجتمعة في جعل ظريف شخصية مؤثرة في الانتخابات المقبلة، وتتوقف قدرته على العمل بوصفه صانع ملوك على قدرته على تعبئة الناخبين الإصلاحيين والمعتدلين، وتحفيز المقاطعين للانتخابات على المشاركة في التصويت.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *