قالت صحيفة “لوتان” السويسرية الناطقة بالفرنسية إن المشهد المحزن الذي قدمته فرنسا منذ الأحد الماضي، مساء الانتخابات الأوروبية، يدعو للتساؤلات عن مدى تعلّق سويسرا بجارتها الكبرى بعد قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المتسرع الذي يلحق ضررا عميقا ببلده وبالفرنسيين، ويعامل البلاد بوحشية ويقوض صورتها الدولية، ويحتمل أن يؤدي إلى الفوضى.
وأوضحت الصحيفة -في عمود الصحفية ماري هيلين ميوتون- أن الرئيس الذي قاد فرنسا منذ سبع سنوات حمل خلالها آمالا كبيرة، تبيّن أنه كان مخيبا للآمال للغاية بعد رد فعله على نتائج الانتخابات الأوروبية التي لم يحصل فيها حزبه على أكثر من 14%، مقابل أكثر من 35% لليمين، وتقاسم اليسار الباقي.
ففي مواجهة الرفض القاطع للسياسة التي يجسدها، اختار إيمانويل ماكرون بعد ساعة من نشر التقديرات الأولية حلّ الجمعية الوطنية، في إجراء يهدف حسب رأيه لتصحيح الوضع، رغم أن الكثيرين يدينونه ويصفونه بالاندفاع الاستبدادي انتصارا لروح النرجسية، مع رغبته في الانتقام من هذا “الشعب غير القابل للحكم”، والذي لا يفهم شيئا.
ألمانيا لم تفعل مثله
وفي مقارنة سريعة مع ألمانيا التي أصيبت بالنكسة نفسها التي تعرض لها نظام ماكرون دون أن يؤدي ذلك إلى مثل هذه الدراما النفسية أو التسبب في زعزعة استقرار البلاد، ترى الكاتبة أن ما يحدث في هذين البلدين، الركيزتين المؤسستين للاتحاد الأوروبي، يسلط الضوء على تقادم المؤسسات الفرنسية.
وبينما تكون ألمانيا قادرة على تشكيل حكومة ائتلافية في غياب الأغلبية المطلقة، تعيش فرنسا في ظل نظام التعايش الذي يؤدي إلى تأرجح عقيم، لأن الدستور يركز قدرا كبيرا من السلطة في يد الرئيس دون أن يترك مساحة للقوى المضادة.
“حفار قبر فرنسا”
وحكمت الكاتبة بأن أداء فرنسا سيئ كما يظهر من ارتفاع الدين العام والعجز، مع تزايد التوترات المجتمعية يوما بعد يوم بسبب الهجرة غير المنضبطة والسياسات المتساهلة وتزايد انعدام الأمن وتراجع القدرة الشرائية وذبول الاقتصاد.
وحتى لو كان كل هذا لا يعود إلى مجيء أصغر رئيس لفرنسا -كما تقول الكاتبة- فإن ماكرون لم ينجح في إبطاء الحركة بل قام بتضخيمها، فهو يجيب المواطنين بهدوء بأن المشكلة لا تكمن فيه بل في الآخرين، وأنه يجب أن يكون هناك المزيد من الماكرونية والمزيد من أوروبا.
وأكدت ماري هيلين ميوتون أن السلطة الحالية ستهزم مساء 7 يوليو/تموز المقبل، وأن السيناريو المتوقع هو سقوط أغلبية مطلقة أو نسبية في يد التجمع الوطني لمارين لوبان وجوردان بارديلا المرتبط بمرشحي إريك سيوتي، وسيكون التعايش صاخبا للغاية ومغامرة قاتلة.
ومع أن مظاهرات اليمين التي تهز المدن الفرنسية الكبرى تظهر ذلك بالفعل، فإن هناك احتمالا آخر ضعيفا بأن تمنح أغلبية نسبية لتحالف اليسار، وبالتالي كان على ماكرون أن يصبر على الجمعية الوطنية حتى سبتمبر/أيلول القادم على الأقل، والسماح بمرور الألعاب الأولمبية، لكنه قام بما وصفته بتحطيم المنزل، متجاهلا مصلحة الشعب التي يعتبر هو ضامن لها.
وخلصت الكاتبة إلى أن قرار ماكرون بحل الجمعية الوطنية أدى إلى تسريع التصدعات، وجعله “حفار قبر فرنسا”.