لأكثر من 4 عقود، جعلت إيران من احتجاز الأجانب ومزدوجي الجنسية “أمرا أساسيا في سياستها الخارجية”، مما منحها تاريخا طويلا فيما يعرف بـ “دبلوماسية الرهائن”، بحسب تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز”.
ومنذ وصول رجال الدين الشيعة للحكم في أعقاب ثورة عام 1979 التي أطاحت الشاه محمد رضا بهلوي، كانت “دبلوماسية الرهائن” اتجاها “يثير القلق” بالنسبة للعالم.
ولكن بالنسبة للنظام الإسلامي في إيران، فإن هذا النهج “أتى بثماره”، وفق تقرير الصحيفة الأميركية التي استعرضت تاريخ إيران في احتجاز الأجانب ومزدوجي الجنسية، علما بأن طهران لطالما نفت تلك التهم، التي توجهها لها دول غربية.
وتطورت مطالب إيران مع تطور تكتيكاتها بهذه السياسة، إذ صممت صفقات معقدة تشمل دولا عدة. وفي مقابل إطلاق سراح الأجانب تطلب طهران سجناء، وقتلة، وأموالا مجمدة.
والسبت، تمكنت إيران من إطلاق سراح أغلى هدف لها: أول مسؤول إيراني يُدان بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، إذ أفرجت السويد عن، حامد نوري، المسؤول القضائي السابق الذي كان يقضي حكما بالسجن المؤبد في ستوكهولم لدوره في الإعدام الجماعي لخمسة آلاف معارض عام 1988.
وفي المقابل، أفرجت إيران عن مواطنين سويديين هم الدبلوماسي لدى الاتحاد الأوروبي، يوهان فلوديروس، بالإضافة إلى سعيد عزيزي، وهو إيراني مزدوج الجنسية. أما الثالث، فهو العالم السويدي مزدوج الجنسية، أحمد رضا جلالي، الذي سُجن في إيران وحُكم عليه بالإعدام بتهمة الخيانة.
ولم يكشف رئيس الوزراء السويدي، أولف كريسترسون، شروط صفقة التبادل، لكنه تطرق إلى قرارات “صعبة” اتخذتها بلاده.
البداية عام 1979
وقال نزار زكا، وهو مواطن لبناني يعيش بالولايات المتحدة، كان سجينا في إيران منذ عام 2015 إلى 2019، إن “إيران تتقن فن دبلوماسية الرهائن وتتلاعب بالجميع”.
وأضاف زكا، وهو أيضا يترأس منظمة “هوستاج أيد وورلدوايد” (Hostage Aid Worldwide)، التي تساعد على تأمين إطلاق سراح المحتجزين، إن “الغرب يسهل عليهم الأمور لأنه لا توجد سياسة موحدة بشأن احتجاز الرهائن”.
وبدأت عملية احتجاز الرهائن في إيران بمجرد تأسيس الجمهورية الإسلامية في عام 1979، حين أطاحت ثورة بالنظام الملكي للشاه بهلوي.
واستولت مجموعة من الطلاب على مقر السفارة الأميركية في طهران واحتجزت أكثر من 50 مواطنا أميركيا كرهائن، وهي مواجهة استمرت 444 يوما أدت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن وطهران بشكل دائم.
وأراد الإيرانيون أن تعيد الولايات المتحدة الشاه المخلوع، الذي كان يعاني من مرض السرطان في مرحلة متقدمة، إلى طهران.
ولم تستجب الولايات المتحدة لمطالب الحكام الجدد في إيران آنذاك، وتم إطلاق سراح الرهائن أخيرا من خلال مفاوضات بوساطة الجزائر.
وخلال العقود التي تلت ذلك، واصلت السلطات في طهران اعتقال أجانب وإيرانيين يملكون جنسيات أجنبية، بما في ذلك عدد من العلماء والصحفيين ورجال أعمال وعمال إغاثة ومدافعين عن البيئة. ومع كل عملية اعتقال، تطلب إيران المزيد من المطالب وتحصل عليها في المقابل.
وفي عام 2016، قدمت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، دفعة نقدية بقيمة 400 مليون دولار لإيران. وتزامنت هذه الدفعة، وهي الأصول الإيرانية المجمدة، مع إطلاق سراح 4 أميركيين من بينهم جيسون رضائيان، الصحفي في صحيفة “واشنطن بوست”.
وفي عام 2020، تم إطلاق سراح كايلي مور غيلبرت، الأكاديمية البريطانية الأسترالية المحتجزة في إيران لمدة عامين، في صفقة تبادل عبر الحدود شملت 3 إيرانيين محتجزين في تايلاند بتهم التخطيط لتفجير قنبلة.
ولم يتم إطلاق سراح نازانين زغاري راتكليف، وهي عاملة إغاثة بريطانية إيرانية، بعد أن قضت 6 سنوات في السجن إلا بعد أن وافقت بريطانيا على سداد ديونها البالغة 530 مليون دولار لإيران. وامتدت تلك المفاوضات لتشمل حكومات بريطانية متعددة.
وفي سبتمبر من العام الماضي، بدأت إيران والولايات المتحدة تنفيذ اتفاق لتبادل سجناء توصلا إليه خلال الشهر الذي سبقه.
مخاوف
وبموجب اتفاق 2023 الذي أعقب أشهرا من المفاوضات بوساطة قطرية وعُمانية، أفرجت طهران عن 5 إيرانيين يحملون الجنسية الأميركية بعد أسابيع من نقلهم إلى الإقامة الجبرية خارج السجن، وأفرجت واشنطن عن 5 إيرانيين كانت تحتجزهم.
وتضمن الاتفاق تحرير أرصدة إيرانية بقيمة 6 مليارات دولار كانت مجمّدة لدى كوريا الجنوبية بسبب العقوبات الأميركية على طهران، وتحويلها الى حساب خاص في قطر والسماح باستخدامها لغايات إنسانية.
وكانت أخبار التبادل مع السويد، السبت، بمثابة ضربة قوية لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في إيران، وكذلك لجماعات الدفاع عن حقوق الإنسان بشكل عام.
ويخشى كثيرون أن تؤثر محاكمة نوري وإدانته ومقايضته المفاجئة على آفاق المساءلة والعدالة عن جرائم الحرب في أماكن أخرى مثل روسيا وسوريا والسودان.
وقال هادي غائمي، مدير مركز حقوق الإنسان بإيران، وهي منظمة مستقلة للدفاع عن الحقوق والتوثيق مقرها نيويورك، “لقد كانت إيران تتخطى باستمرار الحدود وتعلمت كيفية خداع الحكومات للحصول على ما تريد”.
وأضاف غائمي أن “الخطر أن حكومات استبدادية أخرى يمكن أن تتعلم من إيران وتجعل احتجاز الرهائن هو القاعدة”.