قالت صحيفة لوفيغارو إن قوات الدرك الفرنسية قامت للتو بتفكيك شبكة دولية مترامية الأطراف، رابطة ذلك بقيام شركات أوروبية بتصدير جبال من النفايات إلى جنوب شرق آسيا، للتهرب من الضرائب المفروضة على إعادة المعالجة.
وأوضحت الصحيفة الفرنسية -في تقرير حصري بقلم كريستوف كورنيفين- أن قوات الدرك بدأت منذ عدة سنوات في عملية مطاردة مكثفة تستهدف تجار النفايات في فرنسا، قامت للتو، بعد تغيير أسلوبها، بتنسيق واحدة من أكبر العمليات الدولية التي تم تنفيذها على نطاق عالمي.
وتحت الاسم الرمزي “متحدون” الذي مولته المفوضية الأوروبية، تم الكشف عن شبكات سرية مترامية الأطراف تبدأ من الموانئ الرئيسية في أوروبا وتنتهي في جنوب شرق آسيا، وقد حولت إلى مجار مفتوحة، مسافة 10 آلاف كلومتر التي تقطعها حاويات ظهر أن ما يقرب من نصفها مليء بالنفايات بجميع أنواعها، مما يؤدى إلى تدمير الكوكب والصحة العامة.
وقال رئيس قيادة البيئة والصحة الجنرال سيلفان نوياو “لقد أثارت التصريحات المفاجئة المتعلقة بمحتويات بعض الحمولات شكوكنا حول وجود جريمة بيئية عبر المحيطات. شككنا في أن المتاجرين لم يكونوا بالضرورة منتجي النفايات أنفسهم، بل كانوا وسطاء عديمي الضمير، قادرين على اقتحام سوق المناقصات، وهم يعلمون منذ البداية أنهم لن يعالجوا النفايات على النحو اللائق”.
وبالفعل قام رجال الدرك الفرنسيون، حرصا على تأكيد هذه البديهيات، مع شركائهم من “اليوروبول” والجمارك ووكلاء المركز الوطني لنقل النفايات عبر الحدود، بإنشاء نظام استثنائي في ديسمبر/كانون الأول 2021، لاختراق نفايات الاتجار هذه، وكذلك الأخشاب والأنواع المحمية، وأسسوا اتحادا مع إسبانيا وإيطاليا وسلوفاكيا والمجر، وهي دول متضررة من هذه الآفة.
84 شركة في مرمى النيران
وفي الطرف الآخر من السلسلة، تعمل قيادة البيئة والصحة على تعزيز التعاون الشرطي والقضائي مع جنوب شرق آسيا من خلال نسج شبكة لتبادل المعلومات الاستخبارية مع لاوس وفيتنام وتايلند وكمبوديا وإندونيسيا وماليزيا.
وبالإضافة إلى أجهزة الشرطة في جميع البلدان، أصبحت لدى المحققين الفرنسيين صلات دبلوماسية ودعم من 3 منظمات غير حكومية لها جذور راسخة في آسيا، مما أتاح القيام بأعمال استخبارية جنائية كبرى، تم تنفيذها بواسطة 58 ألف عامل متخصص في التجميع وإعادة التدوير، واستهدفت 84 شركة أوروبية من المحتمل أن تكون مرتبطة بمستوردين آسيويين ذوي سمعة سيئة.
وتم إطلاق عملية “متحدون” بأقصى قدر من التكتم في الفترة ما بين 18 مارس/آذار و7 أبريل/نيسان، ومكنت من تعقب ما لا يقل عن 91 حاوية مشبوهة متجهة إلى تايلاند وفيتنام وماليزيا، من النوع الذي يبلغ طوله 20 قدما، ويمكنها نقل ما يصل إلى 28 طنا من المعادن، أو 24 طنا من الورق، أو حتى 18 طنا من البلاستيك.
وحسب معلومات الصحيفة كانت 22 من هذه الحاويات تحتوي بشكل سري على جبال من القمامة، تزن حوالي 500 طن، وقد تم اعتراض عدة حاويات في بلدان أوروبية مختلفة، من بينها اعتراض حاوية في اليونان مليئة بمحركات سيارات ملوثة قبل أن تبحر إلى الهند.
وبعد تجارة المخدرات والأسلحة والدعارة، أصبحت تجارة النفايات -كما تقول الصحيفة- واحدة من أكثر الأنشطة ربحية على هذا الكوكب، يقول سيلفان نوياو “لقياس حجم هذه الظاهرة، يمكننا أن نتذكر أنه تم إنتاج حوالي 55 مليون طن من نفايات المعدات الكهربائية والإلكترونية في جميع أنحاء العالم في عام 2019.
وأشار نوياو إلى أن ما يعاد تدويره من هذه النفايات بشكل صحيح لا يتجاوز 17%، وما عدا ذلك ينتهي به الأمر في مدافن النفايات غير القانونية أو في التداولات غير الرسمية، مما يعني إرسال جبال من القمامة عبر المحيطات، وتنفيذ عمليات إبادة بيئية حقيقية، باسم الجشع.
نوياو: ما يعاد تدويره من هذه النفايات بشكل صحيح لا يتجاوز 17%، وما عدا ذلك ينتهي به الأمر في مدافن النفايات غير القانونية أو في التداولات غير الرسمية، مما يعني إرسال جبال من القمامة عبر المحيطات، وتنفيذ عمليات إبادة بيئية حقيقية، باسم الجشع.
جبال من القمامة
وأظهرت دراسة أجراها باحثون إيطاليون من معهد الشؤون الدولية، كجزء من عملية “متحدون”، صورة مفيدة للوضع تؤكد أن “الوضع تدهور بشكل كبير في عام 2018، بعد الحظر الصيني على استيراد النفايات، مما أدى إلى إعادة توجيه أطنان النفايات الملوثة بسرعة من دول الاتحاد الأوروبي إلى وجهات أخرى، وهو ما يفسر الارتفاع الكبير في النفايات غير القانونية في “عدة بلدان في جنوب شرق آسيا”.
وتشير الوثيقة إلى أن “المهربين يكونون في بعض الأحيان مستوردين للنفايات القانونية، ويحاولون إخفاء الشحنات غير المشروعة بينها”، ويؤكد المحللون أن “المتاجرين يستخدمون وثائق غير نظامية أو مزورة للتحايل على إجراءات المراقبة”، وتتوقع الوثيقة التي تتحدث عن “نشاط مربح” أن “الاعتماد المتزايد للمنتجات الإلكترونية الناتج عن عملية الرقمنة سيؤدي إلى زيادة في كمية النفايات الإلكترونية التي يعد التخلص منها باهظ التكلفة”.
ويخلص التقرير إلى أنه “سيظل من السهل على الشركات الاختباء وراء الشرعية المفترضة للتخلص من النفايات، نظرا لأن التتبع الدولي للشحنات لا يزال محدودا”، خاصة مع “الافتقار إلى إجراءات متفق عليها في إطار اتفاقية بازل، وإلى التعاون، إضافة إلى طول الإجراءات البيروقراطية”.
وبسبب الافتقار إلى التدريب الفعال، فإن موظفي الجمارك الآسيويين “غير قادرين على التعرف على تقنيات التهريب المستخدمة عادة” -حسب التقرير- كما أن استخدام المسيرات والتنصت على الهواتف المنتشر نسبيا في فرنسا لمحاربة المجرمين البيئيين، محدود للغاية في العديد من البلدان التي من المفترض أن تقود عمليات المطاردة.
وخلصت الصحيفة إلى أنه من الآن فصاعدا ستركز التحقيقات القضائية على تحديد حجم ظاهرة الاتجار على أمل القضاء عليها، مستفيدة من الوعي البيئي المتزايد والجهود العالمية لحماية التنوع البيولوجي والغابات في إطار مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ.